بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "ذكرى انطلاقة انتفاصة الأقصى... ونموذج المقاومة الشاملة"

منذر مفلح.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

في ذكرى مرور 22 عاماً على اندلاع انتفاضة الأقصى، وما تلاها من أحداث في الوطن بشموليته انتشرت الانتفاضة في كل بقاع فلسطين، وأينما تواجد فلسطينيون حول العالم، وخاصةً ما أطُلق عليه أحداث أكتوبر 2000 في الداخل الفلسطيني المحتل 1948.

وتتهيأ الظروف، ويكثر الحديث الذي يدور من سنين عن احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة محتملة. فما هي الانتفاضة؟ وما هو شكل المقاومة حتى تقول أن الانتفاضة خبت، أو أن انتفاضة ما ستنطلق.

تعتبر الانتفاضة باعتبارها عملاً شعبياً مقاوماً ضد مُحتل استعماري أو ضد نظام قمعي، بما يجعلها استراتيجية كفاحية وعسكرية  يلجأ لها الطرف الضعيف عسكرياً في مواجهة قوى عسكرية غاشمة وطاغية ومُحتلة، وتعتمد هذه الانتفاضة كافة أشكال الكفاح وصولاً لأرقى أشكاله وهي الكفاح المسلح، من أجل مواجهة المحتل، وتحويل احتلاله إلى احتلالٍ خاسرٍ عسكرياً واقتصادياً وبشرياً وسياسياً وإعلامياً، وطبقاً لذلك يتم انتهاج شكل النضال المناسب في كل مرحلة، والذي يتطابق مع الهدف المرحلي، وطبيعة المرحلة، واتجاهات الرأي العام الدولي، وطبقاً لموازين القوى على الأرض، وتشمل هذه الأشكال:

الكفاح المسلح أكان منظماً عبر ميلشيا تقود حرب تحرير شعبية أو عبر عمليات خاصة – وكذلك الأمر العمل السياسي والدبلوماسي والمقاطعة الاقتصادية للاحتلال واقتصاده، ومجابهة قواته أو إعاقة حركتها، ورفع التكلفة البشرية والاقتصادية للاحتلال بحيث يصبح غير مجدياً، من حيث التشبث بالأهداف والأرض، وابداع تكتيكات مقاومة شعبية متنوعة تخدم تراكمياً استراتيجية عسكرية، أو تقوض في حالة الاحتلال الصهيوني نظريته الأمنية وكذلك الأمر ينزع عنه الشرعية التي يسعى دوماً أي احتلال لإثباتها من أجل تأمين انفضاض الرأي العام الدولي من حوله، وتفكيك شبكة تحالفاته المصلحية والسياسية والاقتصادية والأمنية.. الخ.

وبناءً على هذه المقدمة السريعة، فإن شكل النضال الفلسطيني الشعبي لم يُفتر منذ قرن تقريباً، لكن أشكاله تعددت وتنوعت، إلا أن هذا العمل النضالي أو ما أسميها الانتفاضة المستمرة منذ قرن أخذت شكلين طبقاً لتطورات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية.


الشكل الأول:

- الانتفاضة الهجومية وقد تعددت أشكالها طبقاً للسلاح المستخدم بها، ومدة استمرارها، واتساع نطاقها وانتشارها وتأثيرها وأدواتها وقيادتها أيضاً. 

- ومن هذا النوع كانت انتفاضة أو هبة البراق عام 1921، أحداث يافا والقدس في العشرينات والثلاثينات.

- ثورة القسام 1935.

- الإضراب الكبير 1936.

- الثورة الكبرى 1936- 1939.

- مقاومة الاحتلال 1947-1949.

- انطلاق الثورة المعاصرة 1965.

- معركة الكرامة 1968.

- هبة الأقصى 1969.

- مقاومة غزة وجبال الخليل في السبعينيات.

- يوم الأرض 1976.

- انتفاضة 1982-1983 للدفاع أو مساندة الحرب على المخيمات.

- الانتفاضة الكبرى 1987 – 1993.

- هبة النفق 1998.

- هبة الأسرى 1999-2000.

- الانتفاضة المسلحة "الأقصى" 2000-2004.

- الحرب على غزة 2008.

- الحرب على غزة 2012.

- ثورة السكاكين وانتفاضة السكانين 2014.

- موجة من عمليات الطعن والدهس 2016.

- أحداث الأقصى معركة البوابات. 

- مسيرات العودة 2018.

- أحداث جديدة في الأقصى 2021.

- الحرب على غزة 2021.

- الحرب على غزة 2022.

- أحداث 2022 (موجة عمليات مسلحة وعمليات في الداخل، ومواجهة لقوات الاحتلال، وموجة عمليات طعن، وأعمال مقاومة شعبية في القرى ضد الاستيطان، وصولاً للمواجهات الشعبية في القدس ونابلس، ورام الله، والخليل وجنين، والقرى ضد المستوطنين والجدار العازل والحواجز.. الخ).

وبهذا فإن الشعب الفلسطيني لم يستكن يوماً في تنظيم الانتفاضات المُعبّرة عن الرفض لوجود الاحتلال.

 

الشكل الثاني:

الانتفاضة الدفاعية: وهي فترة ميزت الفترات ما بين كل انتفاضة هجومية وأخرى، حيث يمارس فيها الشعب العمل الجماهيري والكفاح الشعبي، وأشكال النضال المتاحة المتوفرة والتي كانت بغالبتيها ردات فعل على فعل الاحتلال. ومن أشكالها ( تنظيم حملات المقاطعة، المهرجانات، المؤتمرات، الإضرابات، المسيرات، المظاهرات المناهضة والرافضة للاحتلال، والمعبرة عن رفض جرائمه، أو المساندة لجزء من أبناء الشعب في المخيمات أو في غزة، أو لمساندة الأسرى في تحركاتهم النضالية* وبهذا فإن طابع الحياة اليومي للفلسطيني هو طابع انتفاضي كعملٍ مقاوم، حيث يعُتبر أي فعل يومي باعتباره مقاومة وعمل انتفاضي.

مثل التصدي لقطعان المستوطنين، الانتظام والتنظيم، التعلم، رفع مستوى المعيشة، الأعمال التضامنية، المشاركة في الوقفات الاحتجاجية، الإبداع. 
 

وبهذا فإن ما من انتفاضة ستنطلق عما قريب، ذلك أن الانتفاضة هي استمرارية وتأخذ طابع الصعود والهبوط، الهجوم والدفاع، طبقاً لعدة عوامل:

1. توفر قيادة موثوقة تأخذ على عاتقها الهجوم، وتحمل تبعاته، ورفع شعار المواجهة وحماية الشعب.

2. انتظام المؤسسات والأحزاب والجمعيات الشعبية والرسمية والأهلية ضمن هدف نضالي، وشعار محدد كشعار "الانتفاضة طريق.

3. الحرية أو الاستقلال"، وإعادة التشكيل والتشكل طبقاً للهدف والمرحلة.

4. انتظام الأفراد، واستعداديتهم لتنفيذ القرارات والمشاركة في الهجوم.

5. توفر الظرف الدولي، والامكانيات المادية ووجود الداعم والسند.

 

وهذا له تأثير مهم، ولكنه ليس أساسياً، وهو فعل الاحتلال وسلوكه على الأرض باعتباره ( عامل الشرارة) المحفز وانتفاضة هجومية من قبيل:

أ‌. السيطرة على البُراق ( 1920-1930).

ب‌. شراء الأراضي واقتلاع الأهالي ( 1936).

ت‌. الاحتلال أو التوسع ( 1948-1967).

ث‌. مصادرة الأرض ( 1976). 

ج‌. قتل العمال ( 1987).

ح‌. حفر النفق أسفل الأقصى ( 1998).

خ‌. إضرابات الأسرى المتكررة ( 2000).

د‌. دخول شارون الأقصى ( 2000).

ذ‌. الممارسات الصهيونية ضد الأقصى (2021).

 

وبهذا المعنى الانتفاضة كمفهوم وكفعل هي حالة قائمة في فلسطين ولا تختفي، ومع عدم توفر شروط انتظامها كحالة عامة، فإنهي بدأ الحديث عن فعل فردي خاصةً النقاط الخمس سابقة الذكر يضاف لها عاملان مهمان ومُلحان في الفترة الراهنة:

1. وجود السلطة باعتبارها حالة وسطية تخفف الصراع، وحدة الاشتباك لتثبت حضورها، وهو ما أسهم في تبلور قطاعات مستفيدة من حالة الهدوء الأمني، وارتفاع مستوى المعيشة، أي تحول الاحتلال لاحتلال غير مباشر كجزء من "تقليص الصراع" أو غيرها من  المصطلحات.

2. انقسام السلطة وتفريغ مضمونها الثوري، وافراغها من مهامها الوطنية لصالح سلطات حزبية للأسف أضعفت الشعور الوطني العام والهوية، وأصبح التعبير عنها فردياً فيما يُسمى "عمليات فردية".

 

فما هو المطلوب اليوم لترسيخ حالة انتفاضة هجومية دائمة تؤمن هدف جعل الاحتلال خاسراً؟

إن ذلك يتطلب عكس السروط السابقة من حيث:

أ‌. تحييد السلطة وعدم اعتبار أي عمل نضالي تحدي لسلطتها ومصالحها أكان ذلك في غزة أو الضفة.

ب‌. وجود قيادة ثالثة تنادي، بالانتفاضة والمقاومة ليست حماس أو فتح، باعتبارهما عنوانين منفردين من عناوين الانقسام رغم نضاليتهما العالية، واستعداديتهما وقدرتهما على الاندماج في أيِ عمل، وهذا لا يعني بأيِ حالٍ عدم الاعتراف بطاقتهما، وعدم العمل على تحييدهما أو عدم اعتبارهما قوتين قيادتين.

ت‌. توسع وتنويع أشكال النضال ونطاقه البشري والجغرافي ليشمل الكل الفلسطيني.

ث‌. المواجهة الحقيقية على الأرض، ضد الاستيطان والاحتلال في المكان الحقيقي "القرى، الريف، الحواجز، الجدار الفاصل.. الخ).
كما في مسيرات العودة الكبرى 2018، أو الانتفاضة الأولى أو الثانية من حيث شعاراتها العامة واتساع نطاقها. أو ما يحدث اليوم في الضفة الغربية والقدس.

ج‌. تقديم نماذج نضالية وكفاحية لإعادة الثقة بين الجمهور والقيادة.

ح‌. تمهيد الأرض والمؤسسات لانطلاقة عمل انتفاضي هجومي.

 

من النماذج الناجحة لهذه الأنشطة، والتي يمكن القياس عليها لبناء عمل انتفاضي:

1. توحيد شعار جامع ( القدس، الأسرى، العودة، التحرير.. الخ).

2. تهيئة القواعد التنظيمية كما حماس في 2018 أو في كل الحروب في غزة أو قواعد فتح التنظيمية في الانتفاضة الثانية، أو ما يحدث اليوم من تحركات للجهاد الإسلامي في جنين والفصائل الأخرى في نابلس، أو نشاطات الجبهة الشعبية ومعركتها المتواصلة ضد الشاباك الصهيوني في مخيم الدهيشة، أو القدس ضد جدار الفصل بين أبو ديس والقدس وغيرها.

في ذكرى انطلاقة الانتفاضة الثانية، والتي تقترن زمنياً بالشهور القادمة بذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى 12/8، والجهاد الإسلامي 6/10،  والجبهة الشعبية 11/12، وحماس 14/12، والثورة المعاصرة، وفتح 1/1/1965، فهي تراصف زمني يمكن المراكمة عليه في نقاط المواجهة لجمعها في خط نضالي يتوسع أفقياً ويتراكم عمودياً، وصولاً لتحقيق عمل انتفاضي هجومي واسع النطاق، يتجاوز المرحلة الاسبقة، ويستثمر كل الطاقات والفعاليات التي تتفاعل على الأرض.

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة، مسؤولها إعلامها في فرع السجون، مدير مكتب حنظلة منذر خلف مفلح