من سجن رامون الصحراوي

" يا قاطنًا متن الحياد " الأسير أمجد عواد يكتب ..

F3645EF0-8B94-41BB-AFD7-1AAF8402B4B0.jpeg

يا قاطنًا متن الحياد، انزل لنا من عالمِك، اهبِط لتعرف أن الحيادَ حرامٌ في قصةٍ متنُ نصّها حربٌ بين سنبلةٍ وقنبلة، وأنه حرامٌ حين يستحيلُ موتُنا فرضاً منزلياً للجنود. اهبِط من اتساع فضائك للأزقة أسفلك حيث يُكدسنا الحِصار، يُعلبنا، ويفترض فيما يفترض أن يولِّد ضغطه منا شُعّارًا وكُتّابًا ودُعاة تعايُش. انزل لنا للأزقة، لأكواخ الحُطام حيث ينتظر الموتُ بخبثٍ نومَنا فيقتل نصفَنا، والنصفُ ينجو صدفةً. وانظر حيثما ولّيتَ وجهَك تجِد الحكايةَ قد خطّت شعاراتٍ على الجدران مزنرةً بألف ثقبٍ تشي برصاصٍ مرّ من هنا .. 
ليست صدفةً تلك الثقوب، فهذا الثقب لي، ملكي سقطت به شهيدًا، وهذا ظلي الذي تدوسُ عليه. أما ذاك الثقبُ يخصّ ذراعًا أذكرُ قبل موتي أنها خطّت شعارًا فحواه تحريمُ الحِياد، ذاك الذي أنت قاطنٌ متنَه. 
ولتُحاذر خُطاك مشيًا، فعند نعلِك حيث يدوسُ ظلُّك الآن،  ذات يومٍ قُتلوا جميعهم، أمٌّ وجارتُها وفَرسٌ جميلة، ودمية قشٍّ لها من الخيطان والقشِّ ما يوحي بذلك، كان يحملُها فقيرٌ لابنته بعد أن فاز بثقبٍ أو أكثر .. 
ولو أبكرتَ دقيقةً أو بعضَها يا قاطنًا متن الحياد لكنتَ قد ربحتَ مثلنا قدر ما اتّسع جسدُك من الثقوب، وسيكون لك قبرٌ جاهزٌ مؤثّثٌ يراعي كلّ مرجعياتك الوطنية والعقائدية إن وُجِدَتْ ما دمتَ ميتًا. 
ولتقترِبْ لا تخَفْ، هاذي أشكالُنا اعتادَتنا مثلما اعتَدْناها، أطرافُنا مبتورةٌ أنصافُها أو كلُّها، في وجهنا قطبٌ هنا جرحٌ هناك، لنا عينٌ تكفينا لنُبصِر بها وجهَ قاتِلِنا، وحتى العصافيرُ عندنا باتت تُفضِّل الانتحار على الموتِ شِواءً بإحدى القنابل، هُنا نفِرُّ من حتفٍ إلى حتف، فما إن ننجو من مجزرة حتى نجد مذبحةً تدُق علينا الباب في وضح النهار . 
يا قاطِنًا متن الحياد، هاذي مدارسُنا نقرأ فيها يومًا أو بضعَ يوم، ونلعب فيما تبقى من أسبوعِ حياتِنا لو نجونا دورَ ملجَئٍ يفترضُ الحماية، فردوسُنا تائه، أحلامُنا أنصاف، ونولَد لو أتْقَنّا فعلَ النجاة لنجد دولةً بأكملها تترك كل شيءٍ لتمتهن مهمةَ قطْع التذاكر لنا، لا للسينما ولا المسرح، بل للرّبِّ أشلاءً نُسافر، وإن تذرّع أحدُنا بربط شريط حذائه ليُراوغ رصاصةً أو قنبلةً بوزن مبنى في وطن صُنّف حقلَ ألغام .. 
يا من يسكُنك الحياد، انزل لنا من عالمك، ولتترك كوبَك الشتويّ وأريكتَك الوفيرة، ولتُجرّب مرةً أن تمشيَ في الشوارع حافيًا فوق الشظايا وأغلفة الرصاص .. ولتودّعَ رائحة عطرك المخمليّ إحدى الرفوف، ولتجربْ عبق الغاز المسيّل للدموع وأدخنة الإطارات، وامنع أذنيك إصغاءً لما تربّيت عليه من موسيقى الجازْ، ولتُنصِت للهتافات في مواسم الشهداء، للشعارات، لوعيدٍ يصدحُ من طفلٍ يُدرك أن وعيدَه سيبقى كلماتٍ لا أكثر؛ لأنه سيموتُ بعد قليل، حينها ستُدرك لو أدركتَ وجعًا أن الحياد الذي يعتريكَ حرامْ. 

" أمجد عواد 
سجن رامون الصحراوي 
غرفة 105 "