أكتب حتى أتحررَّ من السجن على أمل أن ًاحرَّرهً مني..

تقرير: وليد دقة الرفيق الذي صهر الاحتلال بالوعي

وليد دقة الهدف.png
المصدر / بوابة الهدف الإخبارية

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

أنا لستُ مناضلًا أو سياسيًا مع سبق الإصرار والترصد، بل أنا ببساطة كنت من الممكن أن أكمل حياتي كدهان أو عامل محطة وقود كما فعلت حتى لحظة اعتقالي.. وكان من الممكن أن أتزوج زواجًا مبكرًا من إحدى قريباتي كما يفعل الكثيرون، وأن تنجب لي سبعة أو عشرة أطفال، وأن أشتري سيارة شحن وأن أفهم بتجارة السيارات وأسعار العملات الصعبة.. كل هذا كان ممكنًا، إلى أن شاهدت ما شاهدت من فظائع حرب لبنان وما أعقبها من مذابح- صبرا وشاتيلا.. خلقت في نفسي ذهولًا وصدمة، من رسالة لشهيد وليد دقة في اليوم الأول من العام العشرين في الأسر.

النشأة والمولد

وُلد وليد نمر أسعد دقة في 18تموز/يوليو 1961، لأسرة فلسطينية تتكون من ستة أشقاء وثلاث شقيقات، وتسكن في مدينة باقة الغربية في منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة سنة 1948.

تعلم وليد في مدارس البلدة، وأنهى دراسته الثانوية في باقة الغربية، انتقل إلى العمل في إحدى محطات تسويق المحروقات، وفي 25 آذار/مارس 1986، اعتقلته سلطات الاحتلال بتهمة الانتماء إلى الجبهـة الشعبـيـة لتحـرير فلسـطين وانتسابه إلى خلية فدائية عملت بهدف تحرير أسرى فلسطينيين، بالإضافة إلى حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير قانونية (بحسب التصنيف الإسرائيلي) واتهامه بالقيام بأعمال فدائية داخل الخط الأخضر. ثم حُكم عليه بالسجن المؤبد (مدى الحياة) في البداية، ولاحقًا، تم تحديده سنة 2012 بالسجن 37 عامًا، أمضاها كاملة. ولكن في سنة 2018، أصدرت المحكمة المركزية في بئر السبع قرارًا يقضي بإضافة سنتين إضافيتين إلى حُكم الأسير وليد دقة، بادّعاء ضلوعه في إدخال هواتف نقالة للأسرى، وهو ما يعني تمديد الإفراج عنه إلى سنة 2025.

من نصوصه ورسائله: الزمن الموازي، سر الزيت والسيف والطيف، صهر الوعي.

الزمن الموازي

الزمن الموازي هو عنوان لمسرحية كتبها وليد دقة داخل جدران السجن، ومغزى الزمن الموازي هو ذلك الزمن الذي يختلف عن الزمن الطبيعي خارج أسوار السجن، إذ يصبح الزمن في الزنزانة موازيًا للزمن البشري في الحياة الطبيعية ولا يتقاطع معه إلا في أمور نادرة تخترق إجراءات السجان، وهنا يُصبح الأسير معزولًا عن الزمن الطبيعي، ويخضع لشروط من نوع آخر.

الزمن الموازي.jpg

في الزمن الموازي تختلف الحياة، والأحلام، والطموحات، وأكثر في الزمن الموازي يواجه الأسير صهر الوعي، وعلاقة المستعمر مع المستعمر، والأصعب في الزمن الموازي يعيش الأسير حالة من الاغتراب اتجاه الزمن الحقيقي، وتصبح الأشياء لا تُقاس بعقارب الساعة، بل تُقاس بالإحداث داخل جدران السجن، إذ الاحتلال يتعمد بناء ستار حديدي بين الأسير والزمن الطبيعي.

وعن الزمن الموازي في فكر وليد دقة يقول الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ¹:" الزمن الموازي مفهومٌ مفتاحيٌّ لدى وليد دقَّة، يصور الجوانب الفلسفيّة (الأنطولوجيّة) التي يحيياها الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية، في مقابل "الزمن الاجتماعي" الذي يعيشه من هم خارج السجن. ولذا فقد احتل المفهوم مكانة رفيعة في فكره، إلى حدّ أنّ مقالة "الزمن الموازي" التي كُتبتْ سنة 2005 في سجن جلبوع تكرّرت، أو بالأحرى تناسخت، في المسرحية الغنائية، حكاية المنسيين في الزمن الموازي، التي كُتبت سنة 2011 في سجن جلبوع أيضًا، وظهرت على شكل مسرحية الزمن الموازي، من إنتاج مسرح الميدان في حيفا سنة 2014، وذلك بالتشاور مع وليد دقَّة، الذي كان حينها في سجن هداريم (الواقع بين مدينة طولكرم المحتلّة وأمّ خالد، التي بُنيتْ على أنقاضها مستعمرةُ نتانيا".

صهر الوعي

في كتابه "صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب" يتحدث وليد دقة عن هندسة العقل الفلسطيني داخل السجن وقهره وتعميق حالة العجر لذاته، ويتحدث أيضًا عن علاقة الأسير بالسجان، حيثُ الأسرى بحسب وليد هم معزولون عن بعضهم البعض في أقسام وعنابر لا صلة إلا بإرادة السجان، وفي هذا السياق يقول عضو الكنيست السابق عزمي بشارة في مقدمة كتاب "صهر الوعي": " تقف في السجن أمام خيارين، إما أن تكف عن كونك ذاتك وتتحول كليًا إلى موضوع سجانك، وإما أن تّحول ذاتك لموضوع بحث لإعادة تعريف التعذيب وأسبابه، الأمر الذي لن يكون بالمهمة السهلة على الأطلاق، فأن تكون الذات الباحثة وموضوع البحث في نفس الآن يعني أن تكون الذي يُعذب، والذي يُبلغ عن التعذيب، أن تكون المشهد والشاهد، أن تكون التفاصيل والتجريد معًا"، وقد نجح وليد دقة في أن يكون المشهد والشاهد بالفعل.

صهر الوعي.jpg

تأخذنا تحليلات وليد دقة إلى جدلية العبد والسيد التي تحدث عنها هيجل، إذ يقول هيجل: " إن السيد يفرض على العبد الاعتراف به عبر الإنكار، وبهذه الطريقة ينشأ شكل من أشكال الوعي في المهيمن.، إذ يدفع هذا الوعي العبد لأن يتعرف على الآخر على أنه سيد ويتعرف على نفسه على أنه عبد"، وأكثر تأخذنا هذه التحليلات على الفرق بين المستعمر والمستعمر التي تحدث عنها فرانز فانون في كتابه "معذبو الأرض"، ولا يتسع المجال في هذا التقرير لتشريح كل التفاصيل، ولكن يمكن القول أن وليد دقة كان يبحث عن رفض هندسة عقل الأسير وتحويل ذاته من قبل السجان/المستعمر إلى عبد تابع لإدارة السجان.

الثلاثي المقدس للسر: سر الزيت، والسيف، والطييف.

بدأت ثلاثية السر بحكاية "سر الزيت" حملت رسالة مفادها أن وباء العصر هو فقدان الحرية، تلك الحرية التي نفسها المقابل كما قال الأديب الشهيد غسان كنفاني، وأكثر هي الحرية التي تحدث عنها "ألبير كامو" في روايته "الغريب"، إذ يقول "كامو" على لسان البطل خلال نقاشه مع السجان:


- السجان: نضعكم في السجن لهذا الغرض بالذات.
- البطل: كيف، لهذا الغرض؟
- السجان: أجل، الحرية، هو ذا المقصود، أننا نحرمكم من الحرية.
- البطل: أجل، وإلا أين تكمن العقوبة؟

حكاية سر الزيت.jpg

أما الجزء الثاني في الثلاثية فهو "حكاية سر السيف"، والتي تتحدث على أن الزيت ليس لتزييت النصل، أنما لتزييت الذاكرة، وحمايتها من التلف والصدأ، والقصد هنا رفض سحق الذاكرة، وعن الجزء الثالث في هذه الثلاثية فهي "سر الطيف"، وفحواها الشهادة، وأكثر عن شهداء الثلاجات والأسرى، وكهدية هنا نستطيع القول إن وليد عبر "سر الطف" قد كتب نهايته بيديه، إذ تنبأ بالموت واحتجاز جثمانه.

حكاية سر الزيت.jpg1.jpg

والجدير بالذكر أن ثلاثية الأسرار موجهة لليافعين، صدرت عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وهي روايات أو حكايات لا تتعدى 100 صفحة، ولكنها تتحدث عن الوطن بشعبه وحكاياته، وألمه، وقهره، وظلمه، ومستقبله، والسجن، والاعتقال، والنطف المهربة، والتهجير، والشهداء، وفي هذه الروايات يتحدث فيها الشجر والحجر والحيوانات المفقودة داخل بيئة السجن.

وليد دقة: ميلاد ما بين الجملة المفيدة والنطفة المهربة، والأم سناء

يقول وليد دقة في رسالة لهُ بتاريخ 27 أذار/مارس 2011 بعنوان " أكتب لطفل لم يولد بعد": أكتب لطفل لم يولد بعد، أكتب لفكرة أو حلم بات يرهب السجان دون قصد أو علم، وقبل أن يتحقق، أكتب لأي طفل كان أو طفلة، أكتب لابني الذي لم يأت الى الحياة بعد، أكتب لميلاد المستقبل، فهكذا نريد أن نسميه/نسميها، وهكذا أريد للمستقبل أن يعرفنا"، فقط كتب هذه الكلمات وليد قبل أن يتمكن من إنجاب طفلته "ميلاد" عبر النطفة المهربة، حيث لم تسمح إدارة السجون لوليد بالإنجاب بالشكل الطبيعي تحت مبدأ الملف الأمني.

وليد وسناء وميلاد دقة.jpeg


شكلت ميلاد بالنسبة لوليد المستقبل، وأكثر قصة العود والخلود الأبدي، وأكثر من ذلك يقول وليد في هذا المضمار: "ميلاد جعلت لإسمي جملة مفيدة"، وقد أصبح وليد بعد إنجاب ميلاد يُفضل أن يتم مناداته بأبو ميلاد، وفي ذات السياق يقول وليد دقة عندما سمحت إدارة السجون لهُ بإدخال ميلاد إليه واحتضنها أول مرة: "أنا اليوم صار فيا مثل ما صار في اللي حفروا النفق، وطلعوا عالضو وانمسكوا".

عاش وليد دقة حلمًا بأن يتحرر ويُعانق ميلاد، لكنه رحل قبل ذلك، رحل وهو يقول: " أرادوها _السجون_ مقبرة، حاولوا أن يحولوا السجون لمقابر للأحياء، فصنعنا الحياة فجاءت ميلاد إلى الدنيا لتصنع فرحًا وحبًا وتحدي"، وأكثر رحل وهو يقول: " "من يأخذ بقية عمري ويمنحني لحظة عناق لتطوقيني بذراعيك الصغيرتين.. مَن ملودتي من.. من مسحت بكفيها الصغيرتين على قلبي فانتظم النبض وصح البدن وتلاشت عقود من الألم. من يا مهجة قلبي ستأتي لتغفو على صدر والدها ليداعب شعرها الناعم".

ميلاد وليد نمر دقة.jpg


ميلاد وليد نمر دقة

أما عن سناء زوجة وليد دقة لنقتبس كلمات الأسير "كميل أو حنيش" من مقاله الذي حمل عنوان: " الحب في الزمن الموازي"، والمنشور عبر بوابة الهدف الفلسطينية بتاريخ 11 نوفمبر 2017، إذ يقول الأسير أبو حنيش عن قصة الحب ما بين سناء سلامة ووليد دقة: " أبدأ بحكاية الأسير وليد دقة وزوجته سناء؛ فالأخيرة ربطت مصيره بمصير وليد قبل أكثر من عشرين عامًا وهي تعرف أنه محكوم بالسجن المؤبد، زارته أول مرة عام 1997 وهناك على شبك الزيارة ولدت قصة حب بين وليد وسناء وتتوج بعد عام بالزواج، وانفكت حكاية الحب هذه تتسع وتتجذر وتغدو أكثر إشراقًا ونضجًا وتحديًا كلما واجهتها العقبات ومهما طال عليها الزمن.

وسناء ارتبطت بوليد وهي في سنوات شبابها الأولى فلا ينقصها الجمال ولا الثقافة ولا المال ولا التعليم وستنتظر وليد بكل ما أوتيت من قوة وصبر وعزيمة، وسيمر عليها وعلى وليد عشرات الإفراجات وصفقات التبادل، وكلما اقتربت بشائر الحرية فوق رأسيهما كلما هبت الرياح والعواصف لتبعدها من جديد، ورغم ذلك تشبثت سناء بالأمل، رغم السنوات الطويلة والمرض الذي أصاب وليد في سنواته الأخيرة ورغم رحلة المعاناة الطويلة من العزل والاضرابات والتنقل بين السجون والزيارات والاعتصامات والمظاهرات.

ووليد حدثني عن تفاصيل حكايته مع سناء وهيامه بها ومع الوقت يغدو هذا الحب أكثر عمقًا، وسأصغي له بالكلام وهو يتحدث عن سناء بتلقائية وسلاسة وعن صدق حكايات غير متصلة ولكنها مكثفة، ومع هذه الحكايات سيكون بوسعك أن ترى عاشقًا مختمرًا بالعشق، وستشهد له الحب في أكثر حالات صفاءه، وسترى أجمل حالات الحب في مرحلة النضال، وفي هذه الحالة لن يحتاج العاشق كما درجت حالة العشاق للتغزل بالعيون والقوام والقسمات فسيحدث هذا الحب بين فواصل الصمت وهو يتألق بوقار بين الزمنين الطبيعي والموازي.

سناء ووليد.jpg

سناء ووليد داخل قاعة السجن وهم يحتفلان بعقد زواجهم

سناء ووليد زوجان منذ عشرين عامًا لم يتلامسا أبدًا ولن يكتفيان بالزيارة الدورية كل أسبوعين، ومن خلف الزجاج سيتلامس زمن وليد مع زمن سناء ويترابطان برابط عشقي يخترق الحديد والفولاذ والجدار الاسمنتي، ويخترق جدار الزمن الموازي. قبل سنوات قليلة هاتف وليد سناء في سجنه ليبلغها بأن لديه فحوصات في المستشفى. لمعت فكرة في رأس سناء بأن المشفى هو المكان الوحيد الذي سيكون بمقدورها أن تراه بلا زجاج . قالت له سناء " سآتيك إلى هناك لأراك على الطبيعة" وفي اليوم المحدد تخرج سناء صباحًا ليقودها قلبها إلى ما تعصف بها عواصف الشوق المجنونة، كان حلمها بسيطًا أن ترى وليدًا بلا زجاج وانتظرت في ممرات المستشفى وأحست بتباطء الوقت ولم تلبث أن أطلت سيارة شرطة السجون وهي تقل وليد وستراه من بعيد وتشعر وكأن قلبها سيخرج من جسدها، وهي تراه مقيد اليدين والقدمين ومحاطًا بحراس السجن وهو الآخر سيراها من بعيد ضرب بعضهما في كرادور المشفى، وتظاهرات سناء بأنها زائرة أو عاملة بالمشفى اقتربت أكثر من وليد المحاط بحراس السجن ليغمرها عاصفة من الشوق والذهول، تلعثم لسانها ببعض كلمات حدقت بوليد اقتربت أكثر كان يبعد عنها مسافة ذراعين لا أكثر ، لم تتمالك نفسها لم تصمد وتهاوت عليه واحتضنته بشوق وانخرطت بالبكاء، ارتبك الحراس أمام هذا المشهد، وهو ما سمح لهما بعناق استمر لحظات أضفى القليل من الشوق الملتهب.

لأول مرة يلامس زمن وليد الموازي مع زمن سناء الطبيعي، قبلت سناء في هذه اللحظة الخاطفة التي جاد بها عليها عالم الزمن الموازي وستؤرخ هذا بمقياس زمنها العادي، بينما وليد الذي هطل المطر في صحرائه الجافة ستشرق روحه وسيؤرخ الحدث في مقياس زمنه الموازي عندما التقى سناء بالمشفى.

وليد دقة: رجل الكهف

أسمى وليد دقة نفسه برجل الكهف لأنه أصبح يعيش في زمن ليس زمنه، وكان وليد يعتبر نفسه خارج حدود الزمان والمكان، إذ داخل كهفه الخاص كان يبحث وليد دقة عن صهر الوعي، وأكثر كان يبحث عن فكرته النبيلة، حيثُ غياب الشمس، ومعها القمر لم يمنعان وليد دقة من مواصلة النهار والليل، كأن وليد دقة قد نجح في التحرر من سطوة المكان والزمان، وصنع لنفسه واقعه الخاص، وكسر ديكتاتوريه السجن، إذ الأخير هو سؤال دائم عن الحرية، وعليه تحرر وليد من السؤال، وسعى بالقلم والورقة يبحث عن أجوبته، بل وأكثر عن خلوده، حيثُ الحياة بالنسبة لهُ لم تكن مهادنة مع الموت كما قال غسان كنفاني فقط، ولا أيضًا مهادنة مع التجربة كما قال حنا مينا أيضًا، بل هي صراع مع الوعي داخل العقل، وصراع مع الحرية داخل الزنزانة، وصراع مع الخلود على فراش الموت.

وليد دقة: ليس إنسانًا عاديًا

وليد كان مميزًا، بإرادته، وعقليته الفذة، وليد ليس إنسانًا عاديًا، لقد ترك بصمات داخل الحركة الأسيرة وخارجها، هكذا تحدثت الأسيرة المحررة رلى أبو دحو "لبوابة الهدف الإخبارية" عند سؤالها عن وليد دقة، وأكملت تقول أيضاَ والحزن في صوتها: " وليد اُستهدف بشكلٍ خاص، حيثُ على مدار 38 عامًا الجسد ينهار، ولكن الإرادة لا تنهار، وليد قتله الاحتلال كنموذج، ولكن وليد تحدى الاحتلال عبر طفلته ميلاد، إن عائلة وليد هي نموذج لعائلات الأسرى المناضلة التي تمنحنا الأمل، والمفارقة أن وليد استشهد مع ما يجري في غزة، وبالتالي هنا وليد هو رمزًا للإبادة، ولكن الاحتلال إذا استطاع إعدام الجسد لن يستطيع إعدام الفكرة، خصوصًا أن وليد ترك لنا أفكار مركزية وثورية نتسلح بها".

في تعليقه على استشهاد وليد دقة يقول ما يُسمى وزير الأمن الداخلي "بن غفير": " حياة المعتقل وليد دقة انتهت بالموت الطبيعي وليس الإعدام"، وفي ردها على "بن غفير" تقول أبو دحو "لبوابة الهدف الإخبارية": " بن غفير مسؤول عن حياة وليد، وبن غفير يُعبر عن الصهيونية النازية بشكلٍ واضح، وعلى العكس بن غفير هو وقح، ولا يخفي نازيته، بن عفير يأسف حقًا لأنه كان يُريد قتل وليد مع سبق الإصرار والترصد، ولا يُريد الموت الطبيعي من أجل أن يُشفي نازيته، بن غفير رمز للإبادة، وهو المسؤول عما جرى لوليد".

أما عن دور المؤسسات الدولية وسياسة الكيل بمكيالين بخصوص الأسرى الفلسطينيين تقول أبو دحو "للهدف": " علينا أن لا نعول على هذه المؤسسات، أنها تعمل لصالح الرجل الأبيض الاستعماري، نعم هناك بعض الاستثناءات لدى بعض العاملين في هذه المؤسسات، ولكن النهج العام هو عنصري، وعلينا نحن الفلسطينيين أن نُحرر البلاد بسواعدنا، وأكملت "أبو دحو" تقول عن دور المؤسسات المحلية: " مؤسسات المجتمع المحلي على اختلاف تخصصاتها نستطيع القول أن جزء منها كان يطرح قضايا الأسرى بشكل جريء، وبعضها رضخ لشروط التمويل، وهذا الرضوخ كان بسبب 30 عامًا من اوسلوا لصهر وعي الإنسان الفلسطيني الذي كان يتحدث عنه وليد، وفي النهاية لا حياد في الحرب، أما مع فلسطين أما لا، واستجداء الأخرين لن يُفضي لأي نتيجة فيما يخص الحرية، نستطيع العيش بدون تمويل، ولكن لا نستطيع العيش بدون إرادة".

وفي ختام حديثها مع "الهدف"، رسالتي: " صعب جدًا توجيه رسالة لسناء وميلاد، نحن عشنا تجربة وليد بشكلٍ شخصي، وغياب وليد قاسٍ علينا، كيف سيكون على عائلته؟، ولنا العزاء في ميلاد، هذه الطفلة التي هي بمثابة خيط بيننا وبين وليد، هذه الصبية التي جاءت رغم أنف الاحتلال، أما سناء فهي قوية وستبقى وفية لتاريخ وليد، أن عائلة وليد عائلة استثنائية ونموذجية، هذه العائلة يجب أن تدخل لكل عائلة، وتكون جزء من المنهاج الفلسطيني، نحن لا نتضامن مع عائلة وليد، نحن نعيش نفس الوجع".

وليد دقة: تجسيد الدور البطولي لكل أبناء فلسطين

يقول الباحث والكاتب اليمني، ورئيس منتدى العُلا للدراسات علي شعثان "لبوابة الهدف الإخبارية": "ما أبداه الشهيد وليد دقة يُجسد الدور البطولي لكل أبناء الشعب الفلسطيني الأبي الحر المناضل، شكرًا أبطال فلسطين، وشكرًا أبطال العروبة، شكرًا أبطال النضال المقدس، شكرًا لكل من ساند قيم الحرية والعدالة والمساواة".
وفي ختام حديثة مع "الهدف" أكَّد علي شعثان: " الشهيد وليد لقد تعرض لأشد صنوف العذاب والإرهاب الصهيوني، وأقسى التعذيب الجسدي والنفسي، والمعنوي، رحل وليد بعد 38 عامًا قضاها في سجون المغتصب الصهيوني متأثرًا بمرض السرطان، وتدهورت حالته الصحية جراء التعنت الصهيوني، حيث ُ الاحتلال لم يُعطي وليد أبسط معاني الإنسانية، فقد أهمل الصهاينة الاعتناء بهذا الأسير البطل، فرحمة الله تغشى الشهيد البطل وليد دقة وكل شهداء فلسطين العزيزية، فلسطين الحرة، فلسطين الإباء، فلسطين القيم والشموخ".

وليد دقة: المثقف المناضل في سبيل الوحدة الفلسطينية

وفي الإطار تقول الأكاديمية والباحثة السياسية د. تمارا حداد "لبوابة الهدف الإخبارية": " ما يحدث مع الأسرى فاق الخطوط الحمراء، إذا الإهمال الطبي الذي يتعرض لهُ الأسرى أصبح خطير جدًا خصوصًا أن هناك مرضى داخل السجون بحاجة لإنقاذ، ووليد كان أحد هؤلاء المرضى، عندما نتحدث عن وليد فهو المثقف والمناضل الذي كان يتحدث في سياق الوحدة الوطنية، وأكثر في سياق التكامل الفلسطيني نحو الحرية، وليد كان يقوم بإعطاء جلسات وحواريات ثقافية وسياسية وغيرها ولذلك كان يتعمد الاحتلال عزلة في الزنازين، لأن وليد بالنسبة للاحتلال يُشكل خطر داخل السجون وخارجها أيضًا، وعليه إنّ الاحتلال تمادى في جرائمه بحق الأسرى، وخصوصًا مع وليد دقة، وقد انتهك كل الخطوط الحمراء، وأيضًا ينتهك القانون الدولي وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة".

وأردفت حداد خلال حديثها مع "بوابة الهدف الإخبارية" إنّ: " وليد ترك طفلة أسمها ميلاد سوف تأخذ إرث والدها، هذه الطفلة التي هي ثمرة تاريخ وليد دقة، ووليد تعرض للعقاب ليس فقط لأنه أسير فلسطيني بل لأنه يحمل الجنسية "الإسرائيلية"، والاحتلال ينتقم من أمثال وليد لأنهم يحملون جنسية دولة الاحتلال، ويكون العقاب عليهم أشد".

وفي ختام حديثها مع "الهدف" أكدت د. تمارا حداد، إنّ: " الفعاليات التي تحدث في الخارج ليست كافية للتضامن مع الأسرى، ونحتاج بعد وليد تحديدًا إلى تحرك فعّال على كافة الأصعدة، حيثُ جريمة وليد يجب أن توثق، وأكثر يجب ملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية من قبل الأطراف المختصة، وهذا يحتاج إلى تحرك سياسي ودبلوماسي، وأكثر قانوني لفضح جرائم الاحتلال بحق الأسرى".

وليد دقة: أعطى أمل ومعنى جديد للشعب الفلسطيني

وفي السياق يقول الكاتب والباحث السياسي فرحان علقم "لبوابة الهدف الإخبارية": " أنا أسير سابق وأخجل أن أتحدث عن الشهيد وليد دقة، هذا المناضل والمثقف الذي قضى 38 عامًا داخل سجون الاحتلال ولم يستسلم أبدًا، وليد جبل كبير وعظيم جدًا". 

وبيّن علقم خلال حديث مع "الهدف" إنّ: " استشهاد وليد دقة يُذكر مجددًا بمأساة الشعب الفلسطيني، حيثُ وليد يُشكل أسطورة جديدة في هذا العصر الذي يُسجل فيه الشعب الفلسطيني اختراق جديد في جدران الصمت العالمي، وعندما نتحدث عن وليد دقة الذي قضى 38 عامًا ولم يشفع لهُ المرض الخطير، ولم تُعطيه محاكم الاحتلال قرارًا بالإفراج يمكن القول إن الاحتلال كان متعمدًا مع وليد في قضية الإهمال الطبي، وأكثر الاحتلال تعمد الانتقام من وليد شخصيًا، إذ الاحتلال يُريد القضاء على الشعب الفلسطيني وتحديدًا الحركة الأسيرة".

وأردف علقم يقول في حديثه مع "الهدف" إنّ: " وليد دقة أنتج أدبًا وكتبًا مميزة، واستطاع من خلال هذا الأدب الذي قام بتصديره إلى العالم أنّ يتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني، عن هذا الشعب العظيم بقضيته العظيمة، ووليد تحدى السجان ليس فقط عبر الغزارة في الأدب والكتابة والقراءة، بل تحدى السجان من ناحية أخرى عبر رُسل الحرية، حيثُ أنجب طفلة وهي ميلاد، وكسر إرادة السجان الذي حاول كسر إرادته والنيل من عزيمته".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، أكَّد علقم، إنّ: " وليد دقة إذا رحل جسد، فهو فكرة بكتبه وأفكاره، وسيبقى أدب وليد يُعطي إثراء لدى الشعب الفلسطيني، ولدى إرادة الحياة لهذا الشعب، حيثُ وليد أعطى أمل ومعنى جديد للشعب الفلسطيني، إذ بعد 38 عامًا في السجن انهزم السجان ولم ينهزم وليد، انكسر السجان ولم ينكسر وليد، وشعبنا الفلسطيني يفخر بهذه القامات، وخصوصًا يفخر بوليد دقة النموذج الذي يحتذى به، حيثُ وليد نموذج لكل أحرار العالم، ولكل مُناصر لحرية الإنسان ويُطالب بحقوق الإنسان".

وليد دقة: يُجسد فشل أوسلوا

وفي ذات السياق تقول الصحفية الفرنسية "أليس فروساد" والتي تعمل في الإذاعة العامة الفرنسية "لبوابة الهدف الإخبارية": كصحفية فرنسية تغطي الأخبار "الإسرائيلية" والفلسطينية منذ عام 2019، كانت قضية السجناء الفلسطينيين ومراكز الاعتقال في إسرائيل موضوعًا حاسمًا في تقاريري. سواء كان الأمر يتعلق بالاستخدام المكثف للاعتقال الإداري، أو الظروف التي يُحتجز فيها السجناء، أو استجوابهم، أو التعذيب والإهمال الطبي الذي أدانه العديد من نشطاء حقوق الإنسان، أو الحق في الزيارات العائلية، وهو أمر معقد وغالبًا ما يُحرم منه".

وأردفت "فروساد" في حديثها مع "الهدف"، إنّ: " قصة وليد دقة رمزية لأسباب عديدة: أولا، لأنه كان رمزا لكثير من الفلسطينيين. أمضى أربعة عقود في السجن وكتاباته تعكس ذلك ولها صدى في المجتمع. ولكن أيضًا لأن وليد دقة كان يجسد فشل أوسلو: باعتباره مواطنًا فلسطينيًا في "إسرائيل"، كان دائمًا مستبعدًا من عمليات تبادل الأسرى. وبسبب نشاطه السياسي، تعرض وليد لضغوط إضافية من السلطات - مثل العديد من السجناء الآخرين".

وفي ختام حديثها مع "الهدف"، تقول "فروساد": " كصحفية، عملت أيضًا على العلاقة بين السجناء وعائلاتهم، وخاصة الآباء الذين لم يعرفوا أطفالهم إلا من خلف القضبان، أولئك الذين ولدوا نتيجة التلقيح الاصطناعي. وهو موضوع قريب جدا إلى قلبي. حتمًا، إحدى عبارات وليد دقة التي لا تنسى هي: "هل تعلم أن لديك الآن ملفًا في الشاباك؟"،  كتب وليد في رسالة إلى ابنته ميلاد. وأضاف: "هذه الدولة التي تمتلك 200 سلاح نووي، تخاف من الجنين".

وليد دقة: أما عُظماء فوق الأرض، وأما عظامًا في جوفها

من جهته يقول رئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، والأمين العام لاتحاد المثقفين والأدباء العرب في فلسطين جمال أبو نحل "لبوابة الهدف الإخبارية": " لقد خضنا تجربة الاعتقال، وتجرعنا مرارة الموت داخل سجون الاحتلال، ونعلم أن الدخل مفقود من هذه السجون، والخارج مولود، إنّ الاحتلال يُريد أن يجعل من هذه السجون غرف مغلقة بحق أبطال فلسطين، ولكن استطاعوا هؤلاء الأبطال أن يحولوا هذه السجون إلى مدراس وجامعات، وقد تخرج منها الكثير من المثقفين والأدباء، ووليد دقة على رأسهم، وليد الذي صهر الوعي عبر كتاباته وقلمه، وعبر رواية سر الزيت تحديدًا،  وأسمى نفسه رجل الكهف لأنه ينتمي لعصر غير العصر في الخارج".

وفي ختام حديثة مع "الهدف" يقول أبو نحل، إنّ: " وليد دقة صاحب فكر، وصاحب رؤية ناقدة وثاقبة، ووليد حرر نفسه من خلال قلمه، ومن خلال كتاباته ومؤلفاته، وكان أيقونه للشعب الفلسطيني، خصوصًا أنه حمل البندقية وجاهد ضد الاحتلال، ووليد أنجب طفله عبر النطف المهربة وقد حقق أمنيته بذلك، وهذه الطفلة هي بمثابة شاهد على تجربة وليد العظيمة، وقد ترك وليد أثر جميل عبر المؤلفات والكتب التي ستبقى منارة للأجيال القادمة تُنير لهم الطريق، حيثُ رغم مرارة الاعتقال والسجون، والعزل الانفرادي، والمعاناة، والحرب الضروس التي تشنها عصابة الاحتلال المجرم على الأسرى، رغم ذلك يبقى الأسرى وحتى الرمق الأخير وقبل استشهاد يستمروا في الكتابة والتعليم، وفي النهاية نقول عن وليد دقة أما عُظماء فوق الأرض وأما عظامًا في جوفها".

وليد دقة: قلبُنا الموجوع.. ننتظرُك بيننا

وليد دقة قلُبنا الموجوع ننتظرُك بيننا، كانت هذه الكلمات هي عنوان التقرير الذي قام الشهيد الصحفي في "بوابة الهدف الإخبارية" أحمد بدير بإعداده قبل أن يستشهد في 10 يناير/ كانون الثاني 2024، ومن بعده وليد دقة، وها هو القلب مكلوم وموجوع على رحيلكم، لقد تحدثتم في أوراقكم عن القضية، وأصبحتم أنتم القضية، وأيضًا رسم القلم النصوص على الورق، وأصبحتم أنتم النصوص، ومن جديد سيبقى الشعب الفلسطيني نصوصًا مؤجلة في ظل وجود الاحتلال، ولكن سنبقى ننتظركم بيننا إلى الأبد.

وداعًا وليد دقة..

وليد نمر دقة.jpeg