كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

أم ناصر فلسفة كون وفَهم زوربا

247369700.jpg

بقلم: دعاء الجيوسي.

على مائدة بطبق واحد وصور خمس تحتل الجدران التي هُدِمَت وشُيَدَت مراراً خلال السنوات الماضية....تُحي أم ناصر أبو حميد طقوس شهر رمضان تُضيف لصيامها صياماً مؤبداً عن الضعف والتراجع.

وكحال رمضان بأوجاعه تَحُل الأعياد على سيدة الآلام تتفتح جروحها فتنفح في جنبات مخيم الأمعري القريب من رام الله أسماء أفلاذ كبدها (ناصر ، نصر ، شريف ، محمد وإسلام) المعتقلين في سجون الاحتلال يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد وإلي جانب أسمائهم تحفر على روحها إسم شقيقهم عبد المنعم الذي إرتقى شهيداً في إشتباك مُسلح عام 1994.

وبأسراها وشهيدها وبيتها الخالي إلا من الذكرى تؤمن أُم ناصر أنها تقاتل وأن الحنين سلاحها في وجه جراح الأيام ورياح العدو التي إقتَلَعَت بيتها خمس مرات مُتتالية خلال العشرين سنة الأخيرة.

ولأُم ناصر فلسفة عميقة تفوق بعلميتها فلسفة توماس كون ولها نظرة في الحياة تتجاوز زوربا و نيكوس كازانتزاكيس ذلك أنني عندما سألتها في محادثة هاتفية هذا الصباح عن أبنائها أجابت بعفوية وصدق : هل رأيت ثُريا تسكن الثرى إن أبنائي نجوماً فمن الطبيعي أن يقطنوا السماء وعندما تجرأت وسألتها بعد هذه السنوات وكل هذه التضحيات هل تشعرين بالندم ؟؟ ضحكت وقالت لا ولكني أشعر بالتقصير كون نصيبي في المعركة فقط خمس أبناء في السجن وواحد في القبر ربما يكون غير قَدَم أكثر وهذا أمرٌ يُحرجني ، وبذات الوضوح تقول لو عادت بي الأيام للوراء فلن أربي أبنائي كما ربيتهم سابقاً فالتجربة علمتني أنه كان يجب عليَّ وعليهم أن نكون أشد عوداً وأكثر شراسة في قتال العدو.

وبفلسفتها وجراحها بشوقها للأحبة تُمضي أم ناصر أيامها لا تضعف ولا تلين وتكتب بزفراتها أن علي هذه الأرض ومنها وإليها سوف يعود من يُحب ويستحق الحياة.