كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

في ذكرى اسـتشـهاد الشيخ أحـمد ياســين إقرأوا سيرته مرتين

38b05289-5af4-4a3c-8888-7cfcda7caf02.jpeg


تُصادف اليوم الذكرى السابعة عشر لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين مؤسس وقائد حركة حماس وأحد أبرز الرموز الدينية في الأراضي الفلسطينية وللرجل بسيرته الصاخبة وإرثه الغني يد وعلامة في تاريخنا المُعاصر.
فرجل الدين الذي لم يكتفي بالمنبر ساحة نضال رغم أهميته كان عملياً إلى أبعد الحدود يؤمن بالحركة والفعل وينشد لها على عكس كثيراً من رموز التيارات الإسلامية العربية إذ يُسجل له أنه وبعد مخاض عسير شهدته حركة الإخوان المسلمين (حسب وثائقها) دفعها إلى ساحة العمل المباشر ضد العدو الصهيوني عبر التشكيلات الصغيرة التي وُلِدت من رحمها قبل الإعلان الرسمي عن إنطلاقة حركة حماس.
برأيي إن أهم السمات التي طبعت شخصية الشيخ هو الجذرية وعدم التَلَون مع ذكاء سياسي مَكَن صاحبه من التَميِيز بين الاختلاف السياسي والشقاق الوطني وبين إختلاف البرامج الوطنية أو الإختلاف على الفكرة الوطنية برمتها.    
فالشيخ اللاجئ إبن قرية الجورة المُهجرة لم ينسلخ عن واقع اللجوء ومسبباته رغم حصوله أواخر الخمسينات على وظيفة مُعَلِم في مدارس الأونروا بالقطاع وهي وظيفة مرموقة نسبياً وتُدِر دخلاً مادياً يكفل لصاحبه مغادرة دائرة الفقر والعوز التي راوح داخلها اللاجئون في حينه.
أَضف لذلك أن تبحره في علوم الدين لم يُعبده عن فكرة الاشتباك مع العدو الصهيوني رغم عضويته المُتقدمة في جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تُغلب جوانب التربية والاعداد المعنوي على فكرة القتال المٌسلح ضد العدو إذ أنه اعتقل للمرة الأولى عام 1983 على خلفية حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكري وَصَدر حينها حكماً بسجنه 13 عاماً أمضى منها عامان ثُم تحرر في صفقة التبادل الشهيرة عام 1985...وحسبما هو معروف فإن جماعة الاخوان لم تكن قد إنخرطت في القتال المباشر ضد العدو في حينه.
بعدها بسنوات اعتقل مرة آخرى وحُكم بالسجن مدى الحياة...وهذه أمور معروفة لمن تابع سيرة الشهيد أو يتابعها....
إذاً فاللاجئ الذي بات موظفاً لم يتنكر لخيمة البؤس التي ضمته يوماً...والداعية إلى الله لم يُبعد البندقية كثيراً عن حيز تفكيره....والرجل المُقعد لم يتثاقل إلى كرسيه ونهض للقتال بما أوتي من عزم....ورجل الدين القائد الحركي الذي كان اسمه يرد في كل لوائح الاعتقال ذات العلاقة بالنضال المسلح الذي يخوضه أبناء التيار الإسلامي ضد العدو....وهذه مآثر تُحسب كلها للرجل ولكنها تتوفر في غيره....أما ما مَيَزهُ وأضفى فرادة لشخصه لم تتوافر في جُل ساساتنا المعاصرين هي الذكاء السياسي والقُدرة على تدوير الزوايا فيما يخص العلاقات الوطنية وكاريزما القائد الذي يُميز جيداً بين الخلاف على خدمة الفكرة أو الاختلاف على جوهرها....وبهذا كله كان من ركائز السلم الأهلي وتحديداً بعد توقيع إتفاق أوسلو فحمى حركة حماس من الوقوع في خطيئة الاقتتال الداخلي بقدر ما حمى خصمها التقليدي فتح والسلطة من الانجرار إلى هذا المربع.
المجد للشهيد ولكل شهداء شعبنا....والحرية للأسرى الذين كان الشيخ منهم وكانوا منه وظلوا وصيته حتى إستشهاده.