بقلم الأسير القائد كميل ابو حنيش

اللحظة السياسية المتكررة

أوباما نتنياهو
المصدر / كميل أبو حنيش – منظمة فرع الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال

منذ ما يزيد عن ربع قرن ظلت اللحظة السياسية في السياسة الفلسطينية متكررة ودائرية، من حيث الشكل والمضمون تبدأ بانتظار ما ستسُفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية، وتنتهِ بانتظار ما ستسُفر عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية، تبدأ بمبادرة أو مشروع لحل الصراع وتنتهِ بتصور ورؤية غير مكتملة، وتبقى معلقة إلى أن تتغير الظروف وتنضج الشروط، ونظل هكذا ندور في جدل أسبقية البيضة أم الدجاجة ذهب البعض، وإن غاب البعض عنهم فستظل ذات السياسة وذات المنهج والمبادرات شبه متطابقة... ولا تنطوي إلا على إخفاقات متكررة.

سنوات على غياب " بيل كلينتون" عن البيت الأبيض ليحزم أمتعته ويسلم العهدة لخليفته "جورج بوش" الابن وثمانية عجاف أخرى، ثم يمضي هو الآخر ليسلم العهدة " لباراك أوباما" لثماني سنوات أخرى.. فها هو الأخير على وشك الرحيل، ويهيأ لتسليم الأمانة لقادم جديد آخر.. ولا ندري إن كانت " بيل كلينتون" ستكون أول رئيسة للولايات المتحدة في التاريخ... قد يتساءل الفلسطينيون ومعهم العرب هل ستنجح الأنثى بعد أن فشل الذكور في إحراز تقدم في ملف الصراع؟!.

أما إذا كان القادم الجديد هو "ترامب" فلا غرابة من تشاءم العرب والفلسطينيين كونه سيكرر نسخة "جورج بوش" الابن، وهذا يعيدنا دائماً إلى نقطة البداية في تكرار اللحظة السياسية.

وفي "إسرائيل" بدأت العملية بـ"إسحاق رابين" ثم "بيريس" ثم "نتنياهو" بحكومته الأولى، - والتي قيل أنها أعاقت عملية السلام-  ليأتي "ايهود باراك" ويرحل سريعاً، وبعد أن خذل الجميع.. ثم جاء "شارون" بدباباته وطائراته ثم "أولمرت".. وتعود العهدة من جديد لـ"نتنياهو" الذي يعيد من جديد الزمن السياسي لبداياته الأولى.

ومن جانبنا نحن الفلسطينيون والعرب لا داعي لسرد الحكاية والمصيبة؛ فهي معروفة للجميع في الأدوات والسياسات نتمسك بسلام يرفضه أعدائنا، ونستجدي أبسط الأشياء، ولم نجد سوى السخرية والعدوان والمزيد من سفك الدماء.

 أما على صعيد المهاترات فحدث ولا حرج فمنذ ما يزيد عن قرن من الزمن ما زال الصراع مفتوح على سلسلة طويلة من المبادرات، فمنذ أوسلو حتى اليوم قُدمت عشرات المبادرات والمقاربات لحل الموضوع السياسي، ولا تكاد دولة عظمى أو صغرى أو مجموعة دولية أو شخصيات في شتى أنحاء العالم، إلا وحاولوا أن يضعوا مبادرة لحل الصراع ولا يجب أن نذكر بمبادرة السلام العربية التي تحّولت إلى مبادرة إسلامية ولم يكن بمقدورها على الرغم من إغراءاتها أن تقنع "إسرائيل" بأهمية إحراز السلام، وعشرات الدول العربية والاسلامية أكدت إقامة علاقات مع "إسرائيل" إن هي انسحبت من الأراضي المحتلة عام 1967 وحل غامض لقضية اللاجئين وهو ما يحمل في طياته تنازل عن هذا الحق.

 كل ذلك لم يقلق "إسرائيل" أو التسليم بخارطة الطريق التي نسيها العالم ومفاوضات "أنابوليس" وسلسلة من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مرة أخرى، فضلاً عن عشرات المفاوضات السرية التي لم يُكشف عن هذه الحلقة المفرغة منها.

وهذه المبادرة الفرنسية للسلام تطل برأسها، بحيث رفضتها "إسرائيل" من حيث المبدأ، ومن المفارقات أن فرنسا دعت لمؤتمر للسلام رغم عدم مشاركة "إسرائيل"، وكأن الذي يحتل الأراضي الفلسطينية دولة البرتغال أو ساحل العاج.

 نتفاجأ بسخرية أخرى من سخريات الأقدار الدبلوماسية اعتذار الولايات المتحدة عن المشاركة لأن موعد عقد المؤتمر الدولي لا يتناسب مع جدول أعمال "جون كيري"، لتضطر فرنسا إلى تأجيل موعد انعقاد المؤتمر إلى يوم غير معلوم، وحتى نخرج من دائرة النكبة على حالنا وحال قضيتنا، دعونا نحاول استجداء الموقف الإسرائيلي . ما الذي تريده "إسرائيل" هل هي فعلاً جادة في صنع السلام ؟ أم هي مسترخية بسبب الساحات العربية في الحروب الطاحنة؟، وهل لديها نوايا عدوانية مبيتة لتعلن ردها على السلام؟!

وبصرف النظر عن الإجابات حولها والتي تحتاج إلى دراسات معمقة، دعونا نحاول تسليط الضوء إلى بعض القضايا البديهية الواضحة وضوح الشمس والتي تجعل "إسرائيل" لا تتعاطى بجدية مع المبادرات المطروحة، رغم إغراءاتها في اللحظة التاريخية الراهنة:

أولاً: إن تسلط "إسرائيل" في رفض الحلول المطروحة، لا يعكس بالضرورة الإرادة والقوة، بقدر ما يعكس أزمة عميقة تشهدها الساحة السياسية في "إسرائيل"، فقد باتت تتنازع الطبقة السياسية الإسرائيلية منذ زمن بعيد ثنائية، الرغبة والاستطاعة، فمنذ حكومة "مناحيم بيغن" الأولى بتنا ندور في حلقة مفرغة بين حكومات رؤسائها حكومات ترغب في صنع السلام، ولكنها لا تستطيع أن تصنع السلام، ولكنها لا ترغب. إن الوقوع بين الرغبة والاستطاعة باتت مسألة معيارية، وعلى العالم أن يتكيف معها.

ثانياً: هل البند الأول ينطبق أيضاً على العالم وقواه الكبرى، فإذا كانت "إسرائيل" متمردة على قرارات الشرعية الدولية وغير جاهزة لصنع السلام، الأمر الذي يلحق ضرراً بمصالح الدول الكبرى، فهل هذه الدولة عاجزة عن الضغط على "إسرائيل" لإجبارها على الاذعان والالتزام بقرارات الشرعية الدولية؟! ومن المفارقات أن بعض الدول في العالم بما فيها دول في الإقليم باتت تتنازع على ذات المعضلة فهي ترغب وأحياناً لا تستطيع...الخ .

يكفي الإشارة عل الأقل من الناحية الظاهرية على سبيل المثال لا الحصر أن " كلينتون" كان يرغب ولا يستطيع، و"بوش" يستطيع ولكنه لا يرغب... و"أوباما" يرغب ولكنه لا يستطيع، وهكذا.

ثالثاً: سبب النقطة الأولى والثانية، متعلقة بالأزمة الداخلية وغياب الضغط الدولي، " إسرائيل" طوال تاريخها لديها آلية معينة لإجراء الانتخابات تستثمرها كشكل من اشكال الهروب من الأمان، كما أنها تدير أزماتها من خلال فرض العدوانية على دول المنطقة أو اللجوء إلى ارتكاب المجازر أو الممارسات القمعية بحق الشعب الفلسطيني. وهذه سيناريو متكرر، وسياسة في المشروع الصهيوني.

رابعاً: في كل مرحلة تجد "إسرائيل" الذرائع التي تجعلها تتهرب من التسليم بحقوق الشعب الفلسطينيين، وآلية التملص من الضغوط الدولية، ففي الخمسينيات والستينيات كانت الحجة عبد الناصر، وفي السبعينيات والثمانينات كانت المقاومة والعمليات الفدائية والتسعينات كانت الانتفاضة وحزب الله، وفي بداية القرن الحادي والعشرين الانتفاضة الثانية، وياسر عرفات، وايران، واليوم لدينا "داعش" والحروب العربية العربية...الخ. ولم تعجز "إسرائيل" بأن تتذرع بذرائع جديدة. وبذلك تكون القضية الفلسطينية محكومة باللحظة السياسية المتكررة والدائرية بأبعادها الدولية والإقليمية، وفلسطينياً هل بمقدورنا كسر هذه الحلقة المفرغة من العبث السياسي والمراهنات الجوفاء؟! وهل نتعلم من التاريخ في اجتراح معجزات ونستخلص دروسه!. يكفي أن نتعلم من دروس العقود الأخيرة في صراعنا مع المحتل، ومن تجارب كثيرة منها حرب أكتوبر عام 1973 التي كسرت عنجهية الجيش الإسرائيلي، وتجربة الثورة الفلسطينية بعد نكبة حزيران، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الخارطة العالمية، وظهور حزب الله الذي حرر جنوب لبنان ومرغ جنود وجنرالات اليهود في التراب. والانتفاضة والتي قهرت الجيش الذي لا يقهر، الى الانتفاضة الثانية، وتحرير القطاع وصمود غزة الأسطوري.

 اما هذه الحلقة الجديدة من سلسلة اللحظة السياسية المتكررة والمتمثلة بالمبادرات السياسية والدولية المملة والمتطابقة في نصوصها ومنهجها تستوجب عاملاً ذاتياً من الفلسطينيين من أجل كسر دائرتها المفرغة.