بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: هاجس الضعف الصهيوني واحتمالات التصعيد

منذر خلف.jpg

خاص_مركز حنظلة

يعتري المشهد الصهيوني الداخلي، وخاصةً الأجهزة الأمنية الصهيونية، والمختصين والمحليين والأطراف الحكومية والجيش، هاجس القلق؛ بل الخوف من انتشار فكرة الضعف الصهيوني، وتغلغلها في الفكر العربي والفلسطيني، بل والفكر الصهيوني، بما يؤدي كحتمية لانهيار منظومة الردع الصهيونية، القائمة على القوة والعنف، والتي حرص الكيان وجيشه خلال سنوات قيام هذا الكيان على زرع فكرة القوة والعنف في أذهان الفلسطينيين والعرب، أو ما يُطلق عليه "سياسة كي الوعي"، بحيث يصبح من المستحيل على الخانع والمستكين لفكرة الكيان الصهيوني القوي والحصين والمنيع، أن يقاوم أو يفكر حتى بذلك، وصولًا لفكرة الاستسلام لوجود الكيان بل والدولة، للتطبيع معه.

ما تقدم هو ملخص لجزء أساسي من العقيدتين الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني، وبُنيت هذه العقيدة على مبدأ القوة وأضلاع مثلثها (الحرب، القوة النووية، والمزيد من القوة عبر العنف، وما يُسمى شرعية المشروع).

ما يحدث اليوم داخل الكيان من أزمة حكم داخلية، وهجوم على فكرتي "الديمقراطية والقضاء المستقل"، والانقسام ورسوخ الفكر اليميني الفاشي والعنصري، جعل فكرة الكيان، كمشروع موحد لكل اليهود وملجأ لهم من حول العالم كتعبير مكثف عن الفكرة الصهيونية تنهار، الأمر الذي جعل من فكرة انهيار القلعة من الداخل (راجع مقالتين سابقتين) هي فكرة واقعية، بل يتحدث بها الساسة والإعلاميين والعسكريين والمحللين الاستراتيجيين، هذا من جهة، ومن جهة مقابلة سقوط أساطير موحدة أو جامعة أو متفق عليها كفكرة (البيت اليهودي، المشروع الصهيوني) والجيش، والأمن محط خلاف داخلي استنادًا لمهاجمة ما يُطلق عليه الديمقراطية والقضاء المستقل وغيرها داخل الكيان.

هذه الانقسامات وما يرافقها من تظاهرات، وبوادر للضعف الاقتصادي (انسحاب شركات، هروب رأس مال، تهلهل الاقتصاد، والتخفيض الائتماني الأخير لوكالة موديز) يترافق مع انهيار منظومة العنف والقوة والردع الصهيونية أمام المقاومين في الضفة الغربية والقدس، وأمام صمود شعبنا في الداخل المحتل، وتطور المقاومة وتوحد جبهاتها في غزة ولبنان وسوريا عمق من هاجس القلق من ضعف الكيان وانهيار منظومة ردعه، بل والإيمان بضعف الكيان داخله أولًا ولاحقًا في محيطه العربي والإسلامي والفلسطيني، مما أسس لانهيار ما يُسمى "كي الوعي" ويتحرر العقل، والفعل المقاوم تحت شعار قرب انهيار الكيان المترافق مع فكرة انتهاء قوته وسقوط نظرية الردع.

ما تقدم يؤسس لبداية مرحلة طويلة ومعقدة من العنف الصهيوني تجاه الجبهات كافة في محاولة من الكيان لاستعادة قوة الردع، ولكنها لن تستطيع تَحملّ تبعات هذا العنف والتصعيد، فهل يمتلك الكيان القدرة على التصعيد، أو إعادة قوة الردع؟

في البداية يجب التأكيد على أن لكل حرب زمان ومكان وظروف ملائمة وقوانين موضوعية مغطاة في إطار الحرب، آخذين بعين الاعتبار أن الكيان الصهيوني ما زال يمتلك قوة عسكرية كبيرة مسنودة بدعم أمريكي وغربي، ولكن وفق اطلاعنا على التطورات والظروف الأخيرة، يمكننا تحليل الواقع دوليًا/ إقليميًا/ محليًا.

دوليًا:

لا تمتلك دولة الكيان أية قدرة على الترويج لأية مغامرات عسكرية، فالكيان يعاني من أزمة مشروعية دولية، ورفض لسياساته، بل وتشكيك في روايته التاريخية، وقانونية وشرعية الكيان مستمدة من أصوات داخلية تُشكك في المنظومة الحاكمة وتوجهاتها السياسية والعسكرية والقضائية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن صمود ومقاومة شعبنا قد كشفت وجه الكيان أمام العالم، لذا فإن قدرته على التصعيد مقيدة على المستوى الزمني، يضاف لذلك أن الأجندة الأمريكية لا تتسع لمغامرات صهيونية، بل أن عقارب التوقيت الأمريكي لم تعد تسير بحسب الرغبة الصهيونية، والأولويات الأمريكية والدولية تتجه اليوم نحو المجابهة المحتدمة في أوكرانيا وتجاه روسيا، وبوادر الصراع العالمي في شرق آسيا مع الصين، يضاف لذلك الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة وغيرها من أزمات أثارتها الحرب الروسية – الأمريكية، رغم إدراكنا أن أمريكا لن تغير من تعاملها مع الكيان الصهيوني كأحد أدواتها الاستراتيجية بالمنطقة في الوقت الحالي، وستواصل السعي من أجل حمايته وإضفاء شرعية على أي عدوان أو ممارسات أو تصعيد حتى لو كانت ترى بأي تصعيد لهذا الاحتلال خلط للأوراق وإشغال الإدارة الأمريكية في وقت انشغالها بالتصعيد مع روسيا والصين.

وبهذه، فإن ظرف الكيان يعاني من مأزق محاولته البحث عن مكان للتصعيد، ومنه ندخل إلى الواقع الإقليمي، فجبهة المقاومة في المنطقة تمتد من القدس ومدن الضفة الغربية وغزة، وصولًا إلى سوريا، ولبنان، وطهران، واليمن، بل تمتد إلى شوارع المدن المحتلة في العام 1948.

فأين وكيف ومتى سيكون التصعيد بعد أن أجبنا على سؤال لماذا؟

لقد أوقعت الصواريخ الأخيرة المنطلقة من لبنان وسوريا الكيان في أزمة مضاعفة بهذا الشأن، وخاصةً مع الإعلان المبطن أن قوى فلسطينية هي التي أطلقت هذه الصواريخ، وهو إعلان يؤكد وحدة جبهة المقاومة وجهوزيتها بل وإعلانها للحرب، وهو ما أفقد الاحتلال فرصة المبادرة أو المباغتة، ومبدأ فصل الساحات؛ بمعنى عدم قدرة الكيان على التحكم بمكان التصعيد أو نطاقه، أو إمكانية تحييد أية جهة، ولا يمتلك الكيان أية إمكانيات لتحييد جبهة أو موقع أو ساحة بما يفرض عليه القيام بمبادرة هجومية شاملة على كافة الجبهات في الوقت الراهن في حال أراد استعادة مبدأ الردع، وهو أمر يحمل في طياته مغامرة خطيرة لا يمكن للكيان تَحملّ تبعاتها الاقتصادية والأمنية والدولية، وربما العسكرية.

وبهذا فإن الظرف الداخلي للكيان، وللواقع الفلسطيني والعربي وخاصةً التقارب السعودي الإيراني، والتوجه نحو حلحلة الأزمة السورية ومن ورائها اللبنانية لا يحتمل سياسيًا أن تقوم دولة الكيان بتصعيد يُعيد لململة الأمة العربية أو توحيد تضامنها أمام أي عدوان محتمل.

لقد فشل الكيان "وسياسيه الجدد" في إدارة تصعيد بجبهتين محدودتي الصراع (السجون وهي الحرب التي حاول بن جفير فتحها فوجه بشدة في السجون وفي الضفة الغربية، وغزة وغيرها من الساحات، وحاول فتح جبهة القدس فانطلقت العمليات في الضفة والصواريخ من لبنان وغزة وسوريا).

وهذا لا يعني أن يد الاحتلال ستكون مغلولة أمام أي تصعيد أو مغامرة قد يقدم عليها في قادم الأيام، خصوصًا بعد تركيز وسائل الإعلام الصهيونية خلال الساعات الماضية على قرار الاحتلال باستئناف سياسة الاغتيالات، وإعداد قائمة بالأهداف لقيادات فلسطينية منها صالح العاروري، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف، ومروان عيسي.

ولذفك فإن شكل التصعيد الصهيوني يمكن أن يحمل احتمالات تقوم أولها على:

1. تنفيذ ضربة واسعة لجبهة غزة تبدأ بعملية اغتيال لقيادي من قيادات المقاومة، ولكن في إطار زمني تفرضه أجندة الكيان، أو حرب استهداف أمني وعسكري لرموز المقاومة في غزة، وساحات أخرى.

2. تبريد كافة الساحات لتهدئة حالة الصراع، وتخفيض وتيرته وإدارة حرب أمنية عسكرية كتنفيذ اغتيالات دون الإعلان عنها، وهو ما حذر منه السيد/ حسن نصرالله على الأراضي اللبنانية.

وهو ما يحصل الآن على الساحة السورية والإيرانية كقيام الاحتلال بشكل مستمر في اغتيال قيادات في الحرس الثوري الإيراني دون الإعلان عن ذلك، وكذلك مواصلة سياسة الاغتيالات في الضفة الغربية بوتائرها المعروفة تجاه المقاومين، بمعنى إدارة صراع لا يرتد على الكيان وتيرة ردود واسعة كإطلاق الصواريخ أو التوسع نحو حرب واسعة.

3. توسيع دائرة الاستهداف للمقاومين في الضفة الغربية باعتبارها أرض معركة مستباحة ومفتوحة، وهو أمر يستدعي من ساحات المقاومة شمل هذه الساحة للساحات الأخرى وتوحيدها وخاصةً بعد انتهاء شهر رمضان.

4. توسيع دائرة الاستهداف في سوريا للحرس الثوري، وحماس وحزب الله وغيرها من قوى المقاومة في آن واحد، وهو ما يتبلور بتهديد نتنياهو للرئيس السوري بمعنى احتمال التصعيد على الأرض السورية مقابل تهديد الرئيس السوري بضرورة عدم الرد أو التصعيد أو تقييد قوى المقاومة. وهذه احتمالية محفوفة بالمخاطر، ومغامرة عواقبها ستكون كبيرة على الاحتلال.

هذا ما تفترضه الظروف والواقع الراهن محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وبناءً على ما تقدم فإنه من المُلح قراءة اتجاهات التصعيد لدى دولة الكيان لرسم ملامح مقاومة، ومواجهة أمام احتمالات التصعيد التي تترسم ملامحها، والأخذ بعين الحيطة والحذر أي مغامرة صهيونية مباغتة أو مفاجأة يسعى الاحتلال لاستعادة قوة ردعه المفقودة

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، ومسؤول الإعلام في فرع السجون، ومدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين