بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "جنين 2023"

منذر خلف.jpg

خاص_مركز حنظلة

لا زال المُستعمر والمحتل الصهيوني يمارس منذ أكثر من خمس وسبعين عامًا سياسات التطهير العرقي والطرد والتهجير، مستمدًا من مرحلة الاحتلال الأولى سياساته الإجرامية تجاه جنين في العام 2023، والعالم صامتٌ لا يحرك ساكنًا، وكأن ما يجري منذ عقود من إجرام مرتبط بإقامة هذا الكيان العنصري، ليست جرائم تُرتكب بحق البشر والإنسانية.

وهذه الممارسات العلانية وتحت أنظار عدسات الكاميرات هذه المرة بعكس ما حدث في مرحلة النكبة، تثبت صدق الرواية الفلسطينية أمام العالم؛ لا بل تُحتم علينا إزالة كل ما عَلَق بالثورة الفلسطينية والسياسة الفلسطينية نحو إعادة بناء الشعار الفلسطيني المتعلق بإزالة الاحتلال والكيان الصهيوني برمته، وليس تلك الشعارات والخطابات الدبلوماسية المحسوبة بدقة، وكأن وقف التنسيق الأمني، وتذكير قوى الأمن الفلسطينية بمهمتهم في الدفاع عن شعبنا، أو الدعوة لانعقاد القوى وإنهاء الانقسام هي شعارات ثورة!، هذا من ناحية، وعلى المقلب الآخر.

جنين التي ما زالت تقاتل بيديها شبه العارية والعزلاء في ظل ظروفٍ مجافية ميدانيًا وعسكريًا، ولكنها تُقدّم نموذجًا لا أقول منقطع النظير، بل نموذجًا يحاول المراكمة على التجارب القتالية المحيطة والمستجدة.

تحاول استنباط تكتيكات ونماذج من التجارب القتالية في غزة، ولبنان، وربما نماذج القتال في العراق وسوريا وليبيا وغيرهما.

فالضفة الغربية، وخاصةً شمالها، تَتحّول لبؤرة الصراع الأكثر سخونة على الأرض، ولطالما سعت القوى الثورية الفلسطينية، لتثوير هذه البؤرة، وصولًا لاعتبارها جغرافية حسم الصراع، وهو ما يتنبه له العدو الصهيوني محاولًا إدارة الصراع عبر سياساتٍ أمنيةٍ عسكرية مثل (كسر الأمواج)، معتبرًا "أن المقاومة في هذه الجغرافيا هي موجات عنف آنية ولحظية، مرتبطة بظرفٍ راهنٍ وزمنٍ محدد، بل وجغرافيا محددة"، وليست عبارة عن صراعٍ وجوديٍ ممتد منذ النكبة بين مشروع الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري، وما بين مشروع تحرري وطني إنساني فلسطيني. وبهذا المعنى تُعيد جنين 2023 التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية عربيًا، ودوليًا، وأن هذا الاحتلال يجب إزالته وحسم الصراع معه.

ففلسطين بضفتها وغزتها وقدسها، وداخلها المحتل 1948 هي مركز الصراع، وهو ما يتخوف منه المحتل من تَحوّل معركة جنين لمعركةٍ شاملة.

ذلك أن الصراع الذي يدور في جنين يستند إلى تطوراتٍ حدثت في الفترة أو الزمن المنصرم شَكّلت عوامل تكاملت مرحليًا مؤدية لتطور المقاومة بل قد تؤدي لمزيدٍ من التطور في المستقبل وهي:

1. تطور تكتيكات المقاومة استنادًا للتجارب المحيطة في لبنان، وسوريا، والعراق، وأيضاً تكتيكات المقاومة في غزة.

2. تدفق المخزون الهائل من السلاح الذي استُخدم في إدارة الحرب في سوريا، والعراق، وليبيا، ومصر، نحو فلسطين هذه المرة.

3. تبلور (محور فيلادلفيا، أو محور صلاح الدين الشرقي) عبر خطوط إمداد السلاح من الحدود الشرقية قادماً من سوريا، والعراق وغيرها.

4. سقوط نظرية الردع الصهيونية تمامًا، وانهيار سياسات الرعب والتهديد التي بنى الاحتلال أسطورته عليها.

التجربة الصغيرة التي تخوضها جنين في معاركها الأخيرة والتي يواجه بها مقاتلون بسلاحٍ فردي بسيط، تُشكّل إخفاقًا عسكريًا واضحًا، ولطمةً لجيشٍ مدجج بالسلاح والطائرات والوسائل الإلكترونية، ووسائل الحرب الحديثة كطائرات مُسيّرة، ودبابات رأينا شظاياها المُدمرة في أيدي الأطفال في جنين.

ما سبق يُعتبر مؤشرًا في منتهى الأهمية يمكن البناء عليه وتطويره وتوسيع رقعته، ورفده بالتكتيكات والتجارب العسكرية والسلاح، والمطلوب:

1. قراءة التجارب الفلسطينية السابقة لاستخلاص العبر منها، (ثورة 1936، تجربة غزة 1967-1975" تجربة جيفارا غزة ورفاقه"، تجربة الخليل" أبو منصور ورفاقه" وتجارب جبل الخليل، تجربة غزة الحديثة والانتفاضة الثانية)، وهو أمر يتطلب من القوى السياسية سرعة إنجازه ونقله للمقاتلين للاستفادة منه.

2. توفير الدعم اللازم، وتوسيع دائرة السلاح والرجال ما أمكن وخاصةً المدربين وأصحاب الخبرة.

3. إنهاء دور السلطة، وخاصةً فيما يتعلق بتحويل المعركة لإنجاز مشاريع سياسية متدنية، وتشكيل مجلس عسكري أو قيادة ميدانية موحدة، وقطع التعامل مع أيةٍ مشاريع تفاوض.

4. توسيع دائرة المواجهة.

5. توفير الدعم لصمود شعبنا ومقاومته.

6. قراءة التجارب في لبنان، وسوريا، والعراق والاستفادة من التجارب العالمية.

7. استخدام قوة غزة لدعم وحماية البؤرة المُتشّكلة في جنين، والخروج من عقلية الاستخدام.

ما تقدم يضمن خروج الحملة العسكرية ضد جنين خاسرة، وهذه الحملة ستتبعها حملات للإجهاز على حالة المقاومة والمقاومين، إذا ما لم تُشكّل حاضنة دعم وإسناد لهذه الحالة لتطويرها، وتحويلها لبؤرة أخرى تُشكّل مع غزة، ومع غيرها من البؤر التي يمكن أن تَتشكّل لشبكة قتال ومقاومة، حتمًا ستكون البداية لنهاية المشروع الصهيوني الذي بدأ يتآكل ولا يحتاج إلا لمشروعٍ مقابل يجهز عليه، ويؤمن هزيمته.

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول لجنتها الإعلامية والثقافية في فرع السجون، مدير مكتب حنظلة للأسرى والمحررين