بقلم: عبد الناصر فروانة

مقال بعنوان: "العيد في السجن.. غاب الأسرى وحضرت ذكرياتهم"

الأسرى.jpg

مركز حنظلة_غزة

قضيت أعيادًا كثيرة بين جدران السجون، وعشرات الأعياد الأخرى وأنا ابنٌ أو أخٌ لأسير يقبع بعيدًا في ظلمة سجون الاحتلال، وفترة العيد تختلف من سجن إلى آخر، ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. وفي العيد يتجدد الألم، فيغيب الأسرى وتحضر ذكرياتهم، ونجتهد لوصف الألم، ورسم صورة قلمية للواقع الأليم الذي يعيشه أسرانا وذويهم في العيد، فتجدنا نعتمد، تارة، على ما تحفظه الذاكرة من مشاهد وذكريات، وتارة أخرى نستند إلى ما يصلنا حديثًا من خلف القضبان عبر رسائلهم المهربة، أو لما يُنقله إلينا المحامون وما نستمع إليه من حكايات يرويها لنا ذوو الأسرى، فالاحتفالات بالأعياد تحمل مذاقًا مختلفًا لدى الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، حيث مشاعر الفرح والسعادة تكون دائمًا ممزوجة بالألم والحزن، ولا يحسّ بها سوى من ذاق مرارة الاعتقال وتأثيراته، ولا أظن أن أحدًا من الفلسطينيين قد مرّ بالتجربة، ونسى كيف ينقضي العيد في السجن، أو في ظل وجود حبيب وراء القضبان، فالذاكرة الفردية لا زالت تحتفظ الكثير مما ألمّ بنا من وجع ومرارة!.

يعيش الأسرى داخل السجون المحاطة بالجدار الشاهقة وداخل الغرف المغلقة ظروفًا صعبة، ويُعاملون بقسوة ولا إنسانية، والعيد في السجون مناسبة إسلامية سعيدة، لكنها ثقيلة ومؤلمة، وتمر ساعاتها المعدودة وأيامها المحدودة ببطء شديد، والحياة والمشاعر فيها مختلفة، فيضطر الأسرى لإحياء المناسبة بطقوس خاصة، حيث صناعة الحلوى وفقًا للإمكانيات المتاحة، والاستيقاظ المبكر صبيحة العيد، والاستحمام وارتداء أجمل الملابس، والخروج إلى الفورة (الساحة) لأداء صلاة العيد، ومن ثم يصطفون بشكل دائري في الفورة، ويصافحون بعضهم البعض، ويتبادلون التهاني، ويوزعون كعك وحلوى صنعتها أيديهم، وما هو متوفر لديهم وما تمكنوا من شرائه من مقصف السجن من الشوكولاتة والتمر، كما وتُلقى الكلمات وعبارات التهنئة والخطب القصيرة.

وفي كثير من الأحيان تمنع إدارة السجن صلاة العيد بشكل جماعي في ساحة القسم، وترفض تخصيص زيارة للأهل، أو الاتصال بهم هاتفيًا، وفي أحيان أخرى تعرقل الزيارات فيما بين الغرف والأقسام الداخلية، أو تتعمد استفزاز الأسرى من خلال اقتحام الأقسام وإجراء التفتيشات الاستفزازية والاعتداء عليهم أو التنكيل بهم، دون احترام لمشاعرهم.

وفي العيد يضطر الأسرى لاستحضار شريط ذكرياتهم، بما حمله من مشاهد ومحطات مختلفة. فبعض الأسرى ينطوون لساعات طويلة في زوايا الغرف الصغيرة، والبعض الآخر يشرع في ترجمة ما لديه من مشاعر على صفحات من الورق، ليخطّ بعض القصائد والرسائل على أمل أن تصل لاحقًا إلى أصحابها، وقد لا تصل وتبقى حبرًا على ورق، فيما الدموع تنهمر من عيون بعضهم حزنًا وألمًا على ما أصابهم وأصاب عائلاتهم، وهناك المئات من الأسرى قد استقبلوا عشرات الأعياد بين جدران السجن، ومنهم من احتفل بالعيد مع أبنائه خلف القضبان، ومن بين الأسرى من فقدوا أحبة لهم وهم في السجن، وتبخر الأمل في الاحتفاء بالعيد مع آبائهم وأمهاتهم وأعزاء على قلوبهم الذين غادروا دنيانا للأبد.

والعيد مناسبة لا تقل ألمًا بالنسبة لذوي الأسرى وأفراد أسرهم، حيث تعيش العائلات لحظات من الألم والوجع بسبب غياب الأحبة، وهو ما يجعل العائلة تفقد مشاعر الفرح جراء سجنهم، فتضطر لاستحضار ذكرياتهم، ويدفع الأفراد للمطالبة بأن يُسمح لهم بالتوافد إلى بوابات السجون للزيارة ولقاء الأحبة ولو لدقائق معدودة. خاصة وأن الزيارات غير منتظمة، وآلاف من الأهالي ممنوعين من الزيارة تحت ذرائع وحجج مختلفة.

ويحل عيد الأضحى هذا العام وأوضاع الأسرى وظروف احتجازهم، تزداد قسوة، خاصة بعد قدوم الحكومة "الإسرائيلية" اليمينية المتطرفة وتسلم المتطرف "بن غفير" وزارة الأمن، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع وسوء المعاملة واتساع حجم الانتهاكات والجرائم "الإسرائيلية".

وفي غمرة الفرحة بالعيد، ندعوكم للإكثار من الدعاء للأسرى، والمبادرة في زيارة أسرهم والسعي للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم. وتذكروا أن هناك قرابة (5000) أسير، يقبعون في سجون الاحتلال، ولكل واحد من هؤلاء قصة وحكاية، وأن من بينهم (30) أسيرة، و(160) طفلًا، وأكثر من (1000) معتقل إداري، ونحو (700) أسير/ة يعانون أمراضًا مختلفة، بينهم عشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى السرطان و كبار السن.

وتذكروا أيضًا أن من بين الأسرى يوجد نحو (430) أسيرًا معتقلين منذ ما يزيد عن (20 عامًا) في سجون الاحتلال على التوالي، وهذا الرقم مرشح دومًا للارتفاع، أقدمهم الأسير محمد الطوس "أبا شادي" المعتقل منذ عام 1985، بالإضافة إلى عشرات آخرين كانوا تحرروا في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) عام 2011، وأعيد اعتقالهم عام 2014، وأبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى أكثر من 42 سنة على فترتين ولا يزال في السحن؛ وهؤلاء قضوا في السجن عشرات الأعياد، ما بين فطر وأضحى.

وفي الختام، لابد وأن نُسجل جُل احترامنا وتقديرنا للمملكة العربية السعودية، التي منحت المئات من أهالي الأسرى الفرصة في أداء فريضة الحج لهذا العام، ضمن مكرم خادم الحرمين الشريفين، التي شملت (1000) حاج من ذوي الشهداء والأسرى الفلسطينيين، وزعت مناصفة فيما بينهم، الأمر الذي بعث بالسعادة في نفوس الأسرى وعائلاتهم وخفف من معاناتهم، كما ونُسجل أيضًا شكرنا وتقديرنا العظيم لكل من ساهم في إنجاح ذلك. 
 

عن المؤلف: عبد الناصر فروانة: أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة، وله موقع شخصي مختص بشؤون الأسرى: فلسطين خلف القضبان