بقلم القائد الأسير عاهد أبو غلمي

تَجرِبةُ لجنةِ الطوارئ في السّجون نقطةُ انطلاقٍ لنجاح لقاء القاهرة

عاهد أبو غلمي.jpg

خاص_مركز حنظلة

أدّت الحركةُ الوطنيّةُ الأسيرة دورًا مهمًّا ومركزيًّا طوال سنوات النضال الوطني الفلسطيني في الأراضي المحتلّة؛ إذ لم تتوقّف حتّى الآن عن رفد الفصائل الفلسطينيّة بكوادر وكفاءات تنظيميّةٍ وميدانيّةٍ وسياسيّةٍ كافة، تؤدّي أدوارًا مهمّةً في النضال الوطني الفلسطيني، فلا يخفى على أحدٍ أهميّة الدور الذي أدّاه الأسرى والمحرّرون في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، الذي تجلّى في رفد ظاهرة الانتفاضة الفلسطينية الأولى وقيادتها، أو حتى الثانية لاحقًا.

علاوةً على الدور الذي ما زالت تؤدّيه السجونُ في عمليّة التعبئة والتثقيف والتدريب النظري، وربما أحداث الضفة هذه الأيام تؤشّر لنا على أهميّة دور السجون في شحذ الهمم، وفي التأثير على النضال الفلسطيني؛ فالانتفاضةُ الممتدّةُ منذ عامين حتى الآن كان من أشعل شرارتها أسرى النفق الذين حرّروا أنفسهم من سجن جلبوع، فيما أبقى جذوة الاشتعال في جنين ونابلس أسرى آخرون محرّرون.

وكما لا نزال نذكر أن وثيقة الوفاق الوطني المُجمع عليها من كل الفصائل هي بالأساس نتاج تفاعل قيادات الحركة الأسيرة عام 2006، ولكن في الوقت ذاته لا يخفى على أحدٍ مدى التراجع الذي أصاب الحركة الأسيرة، وهو المرتبط فعليًّا بتراجع الحركة الوطنية الفلسطينية خارج السجون، وشَكّلت لحظة الانقسام عام 2007، انعطافةً انحداريّةً فعلت وانتشرت وأثّرت على الكل الفلسطيني، وانعكست أيضًا على سجون الاحتلال، خاصّةً في العلاقة بين أكبر فصيلين؛ فتح وحماس، الذي أثّر على العمل الاعتقالي، وغُيّبت مسألةُ التمثيل الوطني العام والعمل المشترك، واللجان القيادية المشتركة، وعزّز سلوك يستند على أساس العقل التنظيمي الفئوي الضيّق أو المناطقي الجهوي، وفي بعض الأحيان القبلي والشخصي، وهو ما أثر على جسم الحركة الأسيرة، وبقدرتها على المواجهة ضد السجان الذي لا يعرف سوى لغة القوة والإخضاع.

في عام 2021 وبعد فرار ستة مواطنين فلسطينيين أبطال من سجن جلبوع بدأ هجومٌ واسعٌ وشاملٌ على الحركة الأسيرة في السجون كافةً، ومنذ حينها تمَّ تغييب المصالح الخاصة أو الفئوية، وأراد الأسرى أن يكون الرد وصد الهجمة بتشكيل إطارٍ جامعٍ لكلّ فصائل العمل الوطني داخل السجون، بعد سنواتٍ طويلةٍ من العمل الفردي، أو قيام فصيلٍ بعينه بالوقوف وحيدًا في مواجهة إدارة السجون، وهذا الغيابُ للعمل الموحّد داخل السجون، لم يكن يعني الانفكاك التام من أيّ عملٍ مشترك، حيث كان هناك بعض النشاطات التي يغلب عليها طابعٌ تنفيسيٌّ بين الفصائل، أو تضامن فصيل أو أكثر مع خطوات لفصيل آخر داخل السجن، والغياب للعمل الموحّد كان انعكاسًا لحالة الانقسام التي سادت في الشارع الفلسطيني عام 2007 بين فتح وحماس في الضفّة وغزّة، وهذا ترك أثرًا وتراجعًا لدور الحركة الأسيرة، وفي قدرتها على الحفاظ على حقوق الأسرى ومنجزاتهم، ولكن حجم الهجمة الشرسة التي شنتها مصلحة السجون، ووعي الأسرى لدورهم، وتجاوزهم للمصالح الفئوية الضيقة، والمبادرات المستمرة لتجاوز الانقسام من عددٍ من قيادات الأسرى أو بعض الفصائل، أنتج إطارًا يجمع كل فصائل العمل الوطني داخل السجون، ويدافع عن حقوقهم ومنجزاتهم، ويواجه مصلحة سجون العدو، في خطواتٍ نضاليّةٍ منسّقةٍ ومتناغمة، تنطق باسم الأسرى جميعًا، ويصدر المواقف ويتفاعل مع كل الأحداث داخل السجون وخارجها في الضفة وغزة والشتات وفي أراضي فلسطين عام 48.

ونجاح هذا الإطار الوليد والجامع للحركة الأسيرة (لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة)، يأتي بناءً على رؤيةٍ وتوجّهاتٍ مشتركةٍ بين مكوّنات هذا الإطار؛ وذلك لأنّ كلّ الفصائل الفلسطينيّة ترفع الشعار ذاته؛ لأنّ الوحدة الوطنيّة ووحدة العمل هي الأساس والضامن والسلاح الأمضى في مواجهة محاولات تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وقد تُرجم هذا الخطاب عمليًّا داخل السجون من خلال حالة الانسجام التي سادت بين أعضاء لجنة الطوارئ، والثقة التي بُنيت وتراكمت على مدار سنوات العمل داخل السجون، بين عددٍ من الشخصيّات الوازنة والمؤثّرة في فصائلها، وفي جموع الأسرى.

وقد كان للأسرى في سجن هداريم دورًا في تشكيل لجنة الطوارئ، حيث ما زال السجن الوحيد الذي لم يطاله انعكاس حالة الانقسام في الخارج أو داخل السجون، ولم يتم فصل الأسرى من الفصائل المختلفة عن بعضهم، وبقي يجمع كل فصائل العمل الوطني، إضافةً لتطور حالة الوعي التي خلقها، وشَكلّت أساسًا لتقبل الآخر وأفكاره وتوجهاته، وتفهم معنى الاختلاف والنقاش في إطار واحد.

ولا شك أن توافر القناعة والإرادة والقدرة تُرجمت إلى قرار، ومن ثَمَّ، جرى توظيف كلّ أدوات العمل لتنفيذه، ونفض الغبار والانطلاق نحو التعالي عن المصالح الضيّقة والحزبيّة، والنظر إلى المصلحة العامة، وما دقَّ ناقوس الخطر حالة الضعف والفرقة والهوان والمراوحة في المكان والتراجع في حالة الأسرى ومؤسّساتهم، والحفاظ على منجزاتهم، والهجمة المتوحّشة والشرسة التي شنّتها مصلحة السجون الصهيونيّة على الأسرى، التي أرادت من خلالها تغيير قواعد اللعبة باستهداف منجزات الأسرى وحقوقهم التي تَعمّدت بالدم، وآلاف الأيّام من الإضرابات المفتوحة عن الطعام.

 وكلّ هذه العوامل مجتمعةً فرضت على الجميع نفض الخلاف وتعزيز العمل الموحّد، ونسج الانسجام والثقة ما بين أعضاء لجنة الطوارئ، وهذا ما أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحقيق إنجازاتٍ متراكمةٍ في عددٍ من المعارك التي خاضتها اللجنة واستطاعت وقف هجوم العدو مخططاته.

إن هذا يدفعنا للحفاظ على هذه المؤسسة الجامعة والتمسك بها وتطوير أدائها وعمل كل ما يلزم من أجل الاستمرار في عملها جسمًا موحّدًا، خاصّةً أن للعمل الوطني الناضج والناجز في السجون انعكاساته على باقي الأشكال، وأساليب النضال المختلفة في الخارج، فأي حراكٍ موحّدٍ داخل السجون سيلقى صدى في الشارع الفلسطيني من خلال المظاهرات أو الاعتصامات، أو من خلال قوى المقاومة في غزة والضفة، حيث إطلاق التهديدات، أو القيام بفعالياتٍ مباشرةٍ كما حدث في أكثر من مرّة، وكان آخرها بعد استشهاد القائد خضر عدنان في ضرب الصواريخ من غزة على الكيان الصهيوني، أو بأعمال المقاومة من كتائب المقاومة كافةً المنتشرة في الضفة، خاصّةً في جنين ونابلس.

إذن، فالعمل الوحدوي له تأثيرٌ كبيرٌ في نفوس أبناء شعبنا وقلوبهم، وشَكّل وسَيشّكل دائمًا عاملًا مساندًا وداعمًا لنضالنا ومقاومتنا، ويجعل كلّ جماهير شعبنا تلتفُّ حول قرارات العمل الوحدوي المشترك وتوجّهاته وبرامجه.

ومن هنا، فإنّنا ندعو قادة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، والأمناء العامين للفصائل المجتمعين في القاهرة نهاية شهر تموز الحالي 2023، للنظر لهذه التجربة الرائدة وغيرها من التجارب الوحدوية في تاريخ الشعب الفلسطيني، وجعلها أساسًا عمليًّا للانطلاق نحو لفظ الخلاف وعقد المصالحة، والتوجّه للتصدي لهجمة الاحتلال المنظمة والعنصرية الأكثر شراسة في تاريخ الكيان الصهيوني الغاصب ودولته المزعومة في استهداف الأرض والإنسان، ووقف التغوّل الاحتلالي السرطاني الذي يمتدُّ ليطال كلّ مركباتِ القضيّة الفلسطينيّة تاريخًا وحضارةً وحاضرًا ومستقبلًا، ودون وحدة موقف وإرادة، ودون برنامجٍ ورؤيةٍ سياسيّةٍ موحّدة، ودون تجاوز للمصالح الضيّقة والترفّع عن الصغائر، والنظر لمصلحة الشعب والقضية بنظرةٍ شاملة، ودون الخروج من مربع المناكفات الفصائلية السياسية الضيقة لا يمكن لنا التعافي والخروج من هذه الأزمة المستفحلة، التي استمرّت لأكثر من 19 عامًا، والوصول لأهداف شعبنا وإنجاز الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، فلتكن هذه التجربة المتواضعة من رواد العمل المقاوم في سجون الاحتلال الصهيوني أساسًا ونموذجًا لكلّ قياداتنا وقوانا الفلسطينيّة المناضلة يحتذى بها، والذهاب نحو تشكيل جسمٍ جامعٍ للكلّ الفلسطيني من خلال إصلاح (م. ت. ف) وانضمام حماس والجهاد إليها، وإجراء انتخاباتٍ شاملةٍ للمجلس الوطني والتشريعي والرئاسي، واعتماد وثيقة الوفاق الوطني ومخرجات اجتماع الأمناء العامين في بيروت وقرارات المجلس المركزي أساسًا لبرنامج عملٍ جامعٍ للكلّ الفلسطيني.