جورج عبدالله.. الثائرُ الذي لن يهدأ حتى تحرير فلسطين والأسرى

جورج عبدالله.jpg

نشر في العدد 51 من مجلة الهدف الرقمية - كاترين ضاهر

"لن أتنازل عن موقفي ولا تُفاوضوا على براءتي"، "لا تتسوّلوا حريتي"، و"تحريري لا يتم إلّا عندما يقتنع السجّان بأن كلفة بقائي في السجن هي أعلى من كلفة الإفراج عني"... هي ليست عبارات عابرة، بل ملخص عن مبدأ وإصرار وإرادة المناضل الأممي المعتقل جورج إبراهيم عبد الله، الثائر الذي لا يهدأ، والحرّ دومًا والمقاوم بين قضبان زنزانته، الذي يرفض شرط فرنسا الاعتذار عن ماضيه النضالي والمتواصل وسيبقى.

جورج القابع في سجنه ينتصر يوميًّا على سجانه في مواقفه ونضالاته، وبالتوازي مع مواصلة التحرّكات المطالبة بالإفراج الفوري عنه وتطبيق القانون في فرنسا التي تدّعي أنها دولة ديمقراطية، وأنها لا تُبقي في سجونها معتقلي رأي، حيث يصرّ مئات المناضلين من مختلف العواصم الأوروبية بالتجمّع أمام أسوار سجن لانيميزان (Lannemezan)، تأكيدًا على أحقية قضيته، ورفضًا لاعتقاله الإداري. إضافةً إلى العديد من حملات واعتصامات تضامنية في بلجيكا، إسبانيا، ألمانيا، الأرجنتين، فلسطين المحتلة، الأردن وتونس والمغرب العربي وبلده لبنان..

39 عامًا مرّت على اعتقال "عبد الله" في باريس عام 1984 في مدينة ليون؛ ليُصبح بذلك أقدم الأسرى السياسيين في أوروبا. فالتعسّف الفرنسي يتواصل ضدّه ويعدّ استمرار احتجاز حرّيته رغم انتهاء مدّة محكوميته سنة 1999، هو انتهاك فرنسا الفاضح لحقوق الإنسان.

وفي مستجدات القضية قانونيًّا، تقدّم محامي الأسير جورج عبد الله، يوم الخميس 8 يونيو/ حزيران الجاري، بطلبٍ جديدٍ للإفراج عنه؛ إذ كان ينتظر توقيع وزير الداخلية السابق مانويل فالس قرار ترحيله إلى لبنان مطلع عام 2013 إلّا أن السلطات الفرنسية ترفض الإفراج عنه لأسبابٍ سياسيّةٍ وضغوطٍ أميركيّةٍ وصهيونيّة.

والجدير بالذكر، أنّ طلب الإفراج الثامن قد قُبِل عام 2013 من قبل المحكمة العادية والاستئنافية، لكن الحكومة الفرنسية عرقلت الإفراج عن "عبد الله" عبر تمنّع وزير الداخلية السابق مانويل فالس عن توقيع ورقة الترحيل إلى لبنان بطلبٍ واضحٍ من جانب الإدارة الأميركيّة؛ إذ كشفت وثائق ويكيليكس عام 2015، عن تسريبات بريد هيلاري كلينتون الإلكتروني، توجّهت لنظيرها الفرنسي لوران فابيوس ليلة الإفراج عنه بتاريخ 11-01-2013، وأمرته بعرقلة أمر القضاء وإبقائه في السجن.

المواجهة مستمرّة.. طريق المقاومة ضدّ الإمبرياليّة والصهيونيّة:

ما زالت السلطات الفرنسيّة تواصل ممارسة سياسة انتقام الدولة، فبالرغم من ادّعاءاتها في الفصل بين السلطات لم يتمّ توقيع قرار الإفراج عن جورج عبد الله؛ غير آبهة بتزايد الحملات التضامنيّة لتفعيل الضغط عليها حتى داخل الأراضي الفرنسيّة نفسها، وأبرزها مجموعة "رابطة فلسطين تنتصر" التي لديها عضوان فخريان، وهما المناضلان جورج عبد الله وليلى خالد؛ إذ تحمل الرابطة على كاهلها مسؤوليّة دعم جورج عبد الله؛ لأنّه يجسّد بديلًا مناهضًا للإمبرياليّة والصهيونية للشعبين؛ الفلسطيني واللبناني.

توم مارتن (Tom Martin)، المتحدّث باسم "رابطة فلسطين ستنتصر""Collectif Palestine Vaincra" أكّد في تصريح لـ "مجلة الهدف" أن المناضل جورج عبد الله يجسّد للرابطة الولاء في المقاومة الفلسطينية التي تناضل من أجل عودة وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر. و"على الرغم من وجوده قرابة الـ 39 عامًا في السجن الفرنسي، إلّا أن هذا المقاتل الشيوعي والعربي يبقى مخلصًا لمبادئه ومُثُله العليا، ما يجعله قدوةً ودرسًا لجميع المناضلين المناهضين للإمبرياليّة".

وأضاف "إنّ استمرار اعتقال عبد الله يجسّد أيضًا التواطؤ والتحالف الاستراتيجيّ بين الإمبرياليّة الفرنسيّة والصهيونيّة، ويظهر لنا استمرار اعتقاله أن الشعب الفلسطيني لا يواجه الدولة الصهيونية فحسب، بل تؤدي القوى الغربية دورًا نشِطًا في دعم هذا الاستعمار الاستيطاني وفي "تجريم" المقاومة الفلسطينية المشروعة".

وعن أهداف مجموعة "رابطة فلسطين ستنتصر" أشار مارتن أنها تأسّست في مدينة تولوز الفرنسية في آذار / مارس 2019، "من أجل الدفاع عن أهدافٍ واضحة؛ وهي إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين (بمن فيهم جورج عبد الله القابع في السجون الفرنسية)، والدفاع عن حقّ العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين، وضرورة مقاطعة الكيان الصهيوني ومحاربة التطبيع، ودعم المقاومة حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر في الأردن"، شارحًا: "إن دعم جورج عبد الله، هو أمرٌ أساسيّ؛ لأنّه يجسّد هذه الالتزامات تمامًا، وهو أسير القضية الفلسطينية في السجون الفرنسية. وفي مواجهة هذا، يتزايد جمهورنا ونستقبل أصداءً مهمّة في فرنسا، بما يفسّر رغبة السلطات الفرنسية في حظر المجموعة، وهذا الإجراء لا يزال جاريًا ومبرّرًا بشكلٍ خاص؛ لأنّنا نؤيّد جورج عبد الله وقضيّته المحقّة".

وبما يتعلّق بكيفيّة تفعيل التضامن مع قضية جورج، أوضح مارتن "إنّ حملة تضامننا لدعم جورج عبد الله تتطوّر منذ عشرين عامًا، ويعود ذلك إلى التزام العديد من المنظّمات والنقابات والأحزاب السياسية في فرنسا، وكذلك في لبنان وفلسطين، وفي جميع أنحاء العالم. وحاليًا بعد أن قدّم جورج عبد الله طلبًا تاسعًا للإفراج عنه، يجب علينا مضاعفة دعمنا وجهودنا لتكثيف هذا الطلب المُحِقّ"، داعيًا "الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم حسب مكان وجودهم؛ إذ يجب أن يكون اسم جورج عبد الله حاضرًا في كلّ حشدٍ شعبي والتحرّكات الداعمة لقضية فلسطين ونضال الأسرى الفلسطينيين؛ لأن القضية واحدة وهي ذاتها".

وعن رسالة المجموعة إلى السلطات الفرنسية، عبّر مارتن عن استنكار الرابطة الصرامة السياسية والقضائية في فرنسا التي كان ضحيتها جورج عبد الله، مشدّدًا على أنّ "هذا المقاتل العربي يعطينا أيضًا درسًا سياسيًّا؛ فعلى الرغم من التضحيات الجسام، الذي قدّمها وما زال مستمرًّا، يوضّح لنا بنضاله وإصراره أنّ هناك طريقة واحدة فقط هي: طريق المقاومة ضدّ الإمبريالية والصهيونيّة. ونرى أن الالتزام بهذا المسار هو أهم تضامنٍ يمكن أن نقدّمه للمناضل جورج عبد الله".

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية الفرنسية أصدرت قرارًا في 9 آذار/ مارس 2022 لـ حل "رابطة فلسطين ستنتصر"، إلّا أن مجلس الدولة الفرنسي أعلن تعليق المرسوم في مايو/ أيار 2022.

بدورها، عرضت سمر نجار، عضو "الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبد الله" لمحةً موجزةً عن قضية المناضل عبد الله، الذي شكّل خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، "الألوية الثورية اللبنانية – FARL" التي تبنّت عمليات تستهدف عسكريين متورّطين بالاجتياح الصهيوني. علمًا أنّه في صيف الـ 1982 وحده قتل العدو 30 ألف مدني. وأثناء محاكمته لم ينفِ أو يتبنَّ جورج عبد الله أيًّا من التهم الموجّهة إليه، بل عدّ أن المحكمة متواطئة بمجرّد قبول الولايات المتحدة أن تكون جهة الادعاء عليه، ولا سيما أن بارجتها النيوجرسي كانت تقصف العاصمة بيروت آنذاك مشتركة بالاجتياح الإسرائيلي. فكيف تعزل المحكمة قضية عن أخرى؟ لذا حوّل جورج مرافعته إلى محاكمة للمحكمة.

وتزامنت محاكمته مع أحداثٍ دمويّةٍ طالت مدنيين في باريس. وعملت المخابرات الفرنسية على اتهام أشقائه بتنفيذ تلك العمليات الإرهابية، وألصقت صورهم في كلّ فرنسا على أنهم المسؤولون عن تلك التفجيرات. ولكن تبيّن لاحقًا الفاعلون الحقيقيون؛ وظهرت الحقيقة لكن بعد أن صدر الحكم على "عبد الله" مثقلًا بتأثير الرأي العام. وكان المدعي العام الفرنسي قد طلب عشرة أعوام سجن فحكم القاضي على "كبش المحرقة" بالمؤبّد مع إمكانية إفراج مشروط بعد 15 عامًا. وقال ألان مارسو القاضي المعني بمكافحة الإرهاب لاحقًا.. "حكمنا عليه على ما لم يقم به". وتخلّل المحكمة شوائب تقنية، منها أن جان بول مازورييه المحامي الأول "لعبد الله" طرد لاحقًا من نقابة المحامين عندما اكتشف أنه عمل لجهاز الـ DGSE أي المخابرات الفرنسيّة ضدّ موكله جورج عبد الله، ومع ذلك لم يجرِ إعادة محاكمته.

وعن قرار فرنسا استمرارها احتجاز المواطن اللبناني جورج عبد الله، أوضحت نجّار أن "السلطات الفرنسية عرقلت قرارات إفراج عدة منها في الـ 2003، حيث صدر قرار بالإفراج؛ فسارع وزير الداخلية دومينيك بيربان حينها لاستئناف القرار، ولم يكتفوا بذلك بل نقلوا المحكمة من يد القاضي الذي حكم بالإفراج في مدينة "بو" إلى يد قاضٍ في محكمةٍ "متخصّصة" في باريس (ما عجبكم الحكم منغيّر المحكمة كلها؟!). وأيضًا عام 2012 وبعد طلبات كثيرة قوبلت بالرفض أصدر أخيرًا القاضي في المحكمة "المختصة" في باريس قرارًا بالإفراج عنه، إلّا أن السلطات الفرنسية ضربت مجدّدًا القضاء على يده، وسارعت إلى التدخّل بالقضاء معرقلة القرار؛ إذ منعت وزير الداخلية هذه المرة عن توقيع ورقة ترحيل المناضل "عبد الله" إلى لبنان. أي ورقة إدارية تسمح بنقله من السجن إلى المطار حتى يعود لبيروت!"، متسائلة "فماذا نسمّي معتقل أفرج عنه القضاء وعرقل وزير القرار؟ أقلّ ما يقال عنه أنه معتقلٌ إداريًّا هذا إن صعُبَ على الدولة اللبنانية لفظ أسير سياسي وما يترتّب على ذلك من إجراءاتٍ ديبلوماسيّة".

وحول تلكؤ السلطات اللبنانية في القيام بالحدّ الأدنى من واجباتها في الدفاع عن كرامة مواطنيها، أكّدت نجار تقصير الدولة بواجباتها تجاه قضية مواطنها جورج عبد الله، وقالت "فعلًا، ردّت الدولة اللبنانية على المحكمة عام 2012 أنّها مستعدة لاستقبال جورج على أراضيها وقدّمت كلّ الأوراق اللازمة لذلك. ولكن هل وقفت بشكلٍ واضحٍ وقالت للفرنسيين إنّ هذا تعسّف وعرقلة للقضاء عندما لم تنفّذ قرارات الإفراج المتتالية؟ للأسف لا"، شارحة؛ "بنظرنا هو أسير سياسي ونطالب الدولة اللبنانية التعامل مع الملف على هذا الأساس مع كلّ ما يترتّب على ذلك. على سبيل المقارنة والنديّة، عندما اعتقلت المكسيك مواطنةً فرنسية هدّدت فرنسا بقطع العلاقات مع المكسيك إذا لم تستردها"!

وعن الخطوات المقبلة لتفعيل قضية "عبد الله" عالميًّا والضغط لكسر التدخلات الأميركية لإطلاق سراحه، شدّدت نجّار على أن التضامن الشعبي مع أسرى فلسطين والمناضل جورج "عبد الله" ضمنًا هو ما يحرج السجّان والاحتلال والإمبرياليّة الداعمة له. ودعت فصائل المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة ألّا تنسَ جورج عبد الله في أي عمليّة تبادل أسرى مقبلة، مطالبة الدولة اللبنانية أن تصعّد وأن تعدّ المناضل "عبد الله" أسيرًا سياسيًّا في سجون فرنسا وأن تستدعي سفيرتها في لبنان، فهو تقدّم بطلب إفراج تاسع ما يتيح لدولته أن تتحمّل مسؤولياتها حتى ضمان عودته إلى بيروت سالمًا.

فلسطين القضيّة:

دائمًا يحرص المناضل جورج القابع في زنزانته الفرنسيّة في كلّ اتّصال أو زيارة إلى إيصال رسالة حول تأكيده على أهمية وضرورة التضامن مع فلسطين... وفي كلّ مواجهةٍ من معارك الأسرى الفلسطينيين مع إدارة سجون الاحتلال، يُسارع إلى مواصلة نضاله اليومي تجاه قضيّته الأسمى وهي فلسطين وأسراها وشعبها، ويحثّ الرفاق في "الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبد الله" والحملات الدولية لتنفيذ سلسلة تحرّكات والمشاركة بالحملات التضامنية "حملة الأسبوع التضامني مع القائد أحمد سعدات"، وحملة "الحرية لوليد دقة"، و"لا للاعتقال الإداري"..، بهدف تسليط الضوء على قضية الأسرى الفلسطينيين ونضالهم اليومي في سجون الاحتلال الصهيوني.