رأي بوابة الهدف الإخبارية

فلسطين الأسيرة ونضالها

فلسطين الأسيرة.jpg
المصدر / بوابة الهدف الإخبارية

مركز حنظلة_غزة

يدرك كل فلسطيني أن العدو الصهيوني يعتمد أسر الفلسطينيين واعتقالهم كمسار أساسي ضمن سياساته لتقويض قدرتهم على مقاومته، وكذلك كأداة هجومية ضد وعيهم، يستخدمها لتكريس صورته في وعيهم كمهيمن ومتحكم في حياتهم وفي أجسادهم، ويأمل من خلالها بأن يتمثل الفلسطينيين هويتهم كضحايا خاضعين لا فرصة لديهم لتحدي الغزاة المسلحين.

وفي يوم الأسير الفلسطيني من المفيد أن ننظر لما يمثله الأسير ونضاله حقًا للشعب الفلسطيني لا كقضية تضامنية فرعية، ولعل أهم ما أنجزته الحركة الوطنية الأسيرة، هو تحويل الأسر من موضوع للإخضاع إلى مجال للتحدي والنضال، ومساحة يستمر فيها المناضل الفلسطيني الأسير في مهمات وأدوار نضالية جديدة، بل ويمكن القول أن الأسرى الفلسطينيين وحراكهم الوطني المستمر وبناهم التنظيمية، قد باتوا منذ عقود عدة جزء محوري في بنية الحركة الوطنية، لا بمعنى مواجهتهم المباشرة مع سجانيهم وأدوات القمع المسلطة عليهم، ولكن بالمعنى السياسي والتنظيمي والوطني العام، فلقد أسهم إنتاج الأسرى فكريًا وسياسيًا في جل التحركات الكبرى للشعب الفلسطيني بشكل جوهري، كما ما زالت محطات الاشتباك والمواجهة التي خاضها الأسرى ضد منظومة القمع والأمن الصهيوني؛ تشكل بؤر ومحطات مركزية في الحشد الوطني للاشتباك العام مع العدو الصهيوني في كل شبر من فلسطين، وفي مراحل تراجع المد الجماهيري شكلت إضرابات الأسرى ونضالهم جسور سدت الفجوات في المسار النضالي، فبكل المعاني لا يمكن تخيل نشوء الحراكات الجماهيرية والشبابية في الداخل وتطور تجربتها خارج النظر إليها كتجارب تكونت في بداياتها حول نضال الأسرى والتضامن معهم وفي سبيل دعمهم، وتطورت لتقوم بأدوار وطنية أكبر وأوسع وأكثر تنوع، مع استمرارها في الارتباط فكريًا ووجدانيًا بالحركة الوطنية الأسيرة ورموزها الوطنية.

ما زال الأسرى شهداء أحياء؛ كثير منهم يشكلون رموزًا وطنيةً وعناوينًا لتشكيل الوعي الوطني في كل حي وقرية ومدينة ومخيم فلسطيني، وإصرارهم على النضال المنظم، لأجل حريتهم يشكل نموذجًا يحتذى به وطنيًا، كما أن إصرارهم على ممارسة دور نضالي سياسي وتنظيمي على المستوى الوطني الشامل، شكل دومًا صمام أمان للحركة الوطنية الفلسطينية بأكملها، فخلف القضبان كان دومًا هناك رصيد من القلوب الحية، والعقول الذكية، والإرادة الفلاذية المتحدية للغزاة الصهاينة، وهو ما شكل وما زال مادة للتنشئة السياسية الوطنية الواعية لأجيال كاملة من الفلسطينيين.

هذه ليست ديباجة مديح لفقدان الحرية بفعل جريمة ارتكبها العدوان بالأساس، فالأصل أن يناضل الفلسطيني ضد الوقوع في الأسر، ولكن هذه إشارة لإمكانيات الفعل والتحدي التي أضاء طريقها من هم وراء أسلاك السجن الضيق والصغير لمن هم في السجون الواسعة والمعازل المحاطة بذات الأسلاك والأسيجة الأمنية على امتداد فلسطين التاريخية، وأيضًا يبدو سرد هذه الحقائق ضروريًا لمقاربة نضال الأسرى باعتباره ضرورة وطنية لا قضية تتعلق بحرية هؤلاء الأسرى وحدهم.

إن دعم نضال الأسرى وحراكهم الوطني الحي والمستمر، هو أداة أساسية لخدمة النضال الوطني الفلسطيني، وكل انتصار يتحقق بفضل صمود الأسرى ونضال عموم الفلسطينيين الداعمين لهم، يشكل هزيمة جديدة للعدو بالمعنى الشامل، هزيمة لنموذج الأسر والهيمنة والسيطرة والتحكم، وانتصار للتمرد الفلسطيني الثوري، والنضال والتحدي، وإرادة الفعل لدى من يفتقد لعوامل القوة المادية.

إن الشعب الفلسطيني الأسير والمقموع والمذبوح من قبل هذا العدو، بحاجة لأن يكرر انتصاره على كل قيد يضع السجان الصهيوني في يديه ومن حوله، وهنا يجب إبصار هذا الكيان الصهيوني كنظام لإعدام ومنع الحرية، وقهر البشر، والبديل الفلسطيني النضالي هو سعيٌّ دائم للحرية ولكسر القيود وأدوات القهر.