حوار أجراه الأسير الصحفي منذر مفلح مع عضو المكتب السياسي للجبهة الرفيق عاهد أبو غلمة

عاهد أبو غلمة ومنذر خلف1.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

ينشر "مركز حنظلة" الحوار كامل الذي أجراه مدير المركز الأسير الصحفي وعضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية ومسؤول اللجنتين الثقافية والإعلامية في السجون منذر خلف مفلح مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول فرعها في سجون الاحتلال، وقائد المجموعة التي نفذت عملية الـ17 عشر من أكتوبر البطولية الرفيق القائد عاهد أبو غلمة "أبو قيس":

السؤال الأول: بصفتكم فرعًا للجبهة داخل قلاع الأسرى، وبصفتك مسؤولًا لهذا الفرع، وعضوًا في المكتب السياسي للجبهة، ما هو الدور المناط بقيادة الأسرى والأسرى القياديين من الفصائل كافة؟، وهل يمكنهم تأدية دور في توجيه نضال الشعب الفلسطيني، والتأثير في السياسات في الخارج لتأدية دور أكبر؟

الحركة الأسيرة بقياداتها  تودّي دورًا أساسيًّا في النضال الوطني الفلسطيني، حيث تعدّ ساحة السجون أحد الساحات المتقدمة في النضال والمواجهة مع العدو، وهي الخندق الأمامي الذي يتصادم بشكلٍ مباشر ويومي مع العدو، وعلى الدوام واجهت الحركة الأسيرة محاولات العدو استهدافهم والاعتداء على حقوقهم وتفريغهم من محتواهم الوطني، وضرب مناعتهم الوطنية، وما زالت المعركة مفتوحةً ومستمرة، وخير دليل على ذلك ما يحدث اليوم من هجمةٍ شرسةٍ يقودها الوزير المجرم الفاشي والعنصري "بن جفير" التي يسعى من خلالها إلى سلب حقوق الأسرى وملاحقتهم داخل السجون وخارجها، ودعواته المتكررة لإعدام الأسرى، وترحيل عائلاتهم ومصادرة ممتلكاتهم...الخ، وهذه الهجمة يتم الآن مواجهتها ببرنامجٍ وطنيٍ موحدٍ داخل السجون، تقوده لجنة الطوارئ الوطنية العليا المُشكّلة من جميع الفصائل الفلسطينية العاملة داخل السجون.

ولم يكتفِ الأسرى وقياداتهم بتأدية هذا الدور، بل كان، وما زال وسيبقى، لهم دور أساسي في النضال الوطني الفلسطيني من خلال عملهم وتأثيرهم المباشر وغير المباشر؛ فالأسرى يؤدون دورًا في تعبئة وتوعية وتحشيد طاقات الأسرى من المعتقلين الجدد الذين يصلون السجون لفترة قصيرة، الذين يُشكّلون خطًّا من خطوط الإمداد، واستمرار المقاومة ضد الاحتلال في الساحات المختلفة، إضافةً إلى إسهاماتهم في إصدار المواقف في جميع المناسبات الوطنية، أو دعمهم لمواقف القوى والفصائل والجماهير التي تصب تجاه تعزيز المقاومة والمواجهة مع العدو، وتسهم باستمرار النضال.

 كما لم يزل الأسرى يُقدمّون مبادراتٍ من أجل وحدة الصف الفلسطيني، وتعزيز العمل الوطني والشعبي المقاوم، ودعواتهم للتمسك بالمقاومة والكفاح، واحتضان الظواهر الكفاحية. أما دورهم غير المباشر فَيتَمثّل في اعتبارِ قضية الأسرى أحد القضايا الأساسية في النضال الوطني الفلسطيني، وعليها إجماع من الكل الفلسطيني، وبهذا؛ فإن أي حراكٍ داخل السجون سيلقى صداه القوي في أماكن وجود شعبنا كافةً عند الجماهير والقوى والفصائل المقاومة التي تصطف خلف مطالب الأسرى وتوجهاتهم، وهذه المكانة التي يتمتع بها الأسرى تُشكّل أساسًا قويًّا لتأدية دورٍ مركزيٍّ وأساسيٍّ في النضال الوطني الفلسطيني.

السؤال الثاني: دائمًا يردد الحديث عن أن الحركة الأسيرة موحدة وقادرة على المواجهة، والنضال الاستراتيجي في مواجهة السجّان الذي هو جزءٌ من المنظومة الاستعمارية، ودائمًا نسمع عن إنجازاتٍ يحقّقها هذا الشكل من النضالات، برأيك لماذا لا تنعكس طبيعة هذه العلاقة المثمرة وتمتد خارج الأسوار؟

الخلافات أو التناقضات حاضرة وموجودة في التجمعات الفلسطينية كافة، انعكاسًا للمواقف السياسية أو الاجتماعية والتوجهات الأيديولوجية، وهذا وضعٌ طبيعيٌّ وصحيٌّ في ميادين العمل كافة، ورغم ذلك فالكل الفلسطيني ينشد للانضواء تحت راية المقاومة والنضال والمواجهة مع العدو، حيث تغيب التناقضات الثانوية في ظل التناقض الرئيسي مع الاحتلال، خاصةً أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، التي بحاجةٍ إلى كل الجهود والإمكانيات، وهذا الأمر تعيه جيدًا قيادة الحركة الأسيرة، وتسعى دائمًا إلى صياغة مواقف وبرامج مواجهة مع العدو كما حدث في أكثر من مناسبة، وكان آخرها برنامج العمل والخطوات الموحدة التي قام بها الأسرى في شهري آذار وأيلول من العام الماضي، وما يقوم به الأسرى الآن من برنامج ضد سياسة المجرم الصهيوني العنصري "بن جفير". كما للأسرى وقياداتهم العديد من المواقف الوحدوية التي أثرت بشكلٍ كبير في النضال الوطني الفلسطيني، ووثيقة الوفاق الوطني "وثيقة الأسرى" خير دليل على ذلك، ولهم مواقف دائمة في كل الأحداث والمناسبات الوطنية.

 أما لماذا لم تنعكس هذه المواقف الوحدوية على الخارج ، وذلك بسبب عمق الخلافات السياسية على مستوى القيادات السياسية، وما لها من مصالح متعارضة ومتناقضة مع الصالح العام. 

أمام على المستوى الميداني نرى أن هناك وحدة ميدانية في عمل قوى المقاومة والكفاح تجسدت في أكثر من زمان ومكان في غزة من خلال "غرفة العمليات المشتركة" لقوى المقاومة أو من خلال مواجهة العدو والحصار المستمر على أهلنا في القطاع، وكذلك في الضفة المحتلة من خلال وحدة الظواهر الكفاحية في جنين ونابلس والقدس وأريحا، أي أن الانشداد نحو مواجهة العدو وإجراءاته ما زالت هي مركز عمل الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، بالرغم من كل التناقضات التي تظهر على السطح أحيانًا، خاصة في ظل فشل مشروع أوسلو الذي راهنت عليه القيادة المتنفذة والذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.

السؤال الثالث: قَدمّ الأسرى العام 2006 مبادرتهم التي تُعد إحدى المبادرات السياسية الداخلية، واليوم لماذا تراجع دور الحركة الأسيرة السياسي والتنظيمي، وهي التي أدت تاريخيًّا دورًا مهمًّا في هذا المجال؟

دور الأسرى والحركة الأسيرة يتعاظم ويكبر في إطار النضال الوطني الفلسطيني وقد بدأ يظهر ذلك جليًّا بعد دخول الانتفاضة الثانية في عام 2000 حيث تعرض عدد كبير من المناضلين إلى تجربة الأسر،  والذين كان لهم دور بارز في المقاومة، وتُعد "وثيقة الأسرى" التي تَحولّت لوثيقة الوفاق الوطني عام 2006 أبرز المبادرات التي قَدمتّها قيادة الحركة الأسيرة في سبيل انجاز الوحدة الوطنية.  كما كان للأسرى دور مهم في تشكيل هيئات موحدة للفصائل على مستوى السجون، فأصبح لكل فصيل هيئة تُمثّله وتدافع عنه وتتحدث باسمه أمام مصلحة السجون وتصدر المواقف، وهذا الأمر كان لكل الفصائل باستثناء حركة فتح، وهذه الهيئات هي من تقود العمل داخل السجون، وتساهم بدورها الوطني خارجه. كما هناك عدد من الفصائل داخل السجون لها تمثيل على مستوى هيئاتها المركزية في المكاتب السياسية واللجان المركزية ومجالس الشورى، وعلى سبيل المثال فالجبهة الشعبية في السجون تَتمثّل بـ8 أعضاء في اللجنة المركزية العامة وثلاث أعضاء في المكتب السياسي. ولا شك أن هذا التمثيل للأسرى داخل الهيئات جاء نتيجة دورهم المميز والأساسي في العمل الوطني الفلسطيني. وبذلك فالمشاركة السياسية والتنظيمية الفاعلة حاضرة بقوة لكل الفصائل التي لها تمثيل في هيئاتها المركزية. ولا أرى أن هناك تراجع لدور الأسرى وإنما هناك تغيير في شكل المشاركة، مع العلم أن الأسرى لم يتوقفوا عن إصدار مواقف في كل الأحداث والمناسبات باسم قيادة الحركة الأسيرة، ودورهم فاعل كما قلنا سابقًا بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر.

السؤال الرابع: كيف تَتّحدد أولويات واتجاهات الجبهة في المرحلة الراهنة، فكريًّا ووطنيًّا ونضاليًّا وجماهيريًّا وسياسيًّا؟

كل المسارات مرتبطة مع بعضها البعض، والظرف الموضوعي هو ما يحدد أولويات واتجاهات العمل، فالمرحلة الحالية وفي ظل الهجمة الشرسة والمستمرة على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة، تستوجب وحدة القوى والفصائل، والعمل من الكل الفلسطيني على الوقوف خلف العمل الكفاحي المقاوم وتوسيع حالة الالتفاف والاحتضان الشعبي والوطني مع المقاومين لمواجهة سياسات العدو الصهيوني، ودعم كل أشكال المقاومة، وخاصة الظواهر الكفاحية التي ظهرت في عددٍ من المناطق في جنين ونابلس والقدس وبيت لحم  وأريحا مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وشهداء بلاطة، ودعم كل المبادرات الفردية الكفاحية التي يقوم بها أبطال القدس المحتلة خاصة المناطق التي تشهد اشتباكًا مستمرًّا واستنزافًا متواصلًا للجنود الصهاينة والمستوطنين. وهذا الفعل  الكفاحي يحتاج إلى حاضنة جماهيرية واعية ومستعدة للعمل وتبني برامج نضالية لمواجهة العدو بكل إجراءاته التعسفية، وكل ذلك يحتاج إلى الخروج من حالة الانقسام والالتفاف حول برنامج المقاومة ورؤية سياسية تجمع عليها كافة فصائل العمل الفلسطيني وتلفظ اتفاق أوسلو وما تبعه، والخروج من الالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية؛ المكبلة للمقاومة الفلسطينية، خاصةً في ظل الهجمة المتصاعدة المسعورة التي يشنها العدو ضد أبناء شعبنا والتي كان آخرها ما جرى في نابلس وحوارة من استهداف أهل المدينة، وارتقاء عشرات الشهداء والجرحى. 

بإجمال، إن الرد المباشر على هذه العمليات الإجرامية بوحدة الصف الفلسطيني والخروج من حالة الانقسام، والتزام القيادة المتنفذة بتنفيذ قرارات الإجماع الوطني وخاصة قرارات المجلسين المركزي الوطني بسحب الاعتراف بالاحتلال والقطع مع أوسلو ووقف التنسيق الأمني، واتخاذ السلطة قرارات جدية ومسؤولة في دعم وحماية أبناء شعبنا ومقاومتهم الباسلة على الأرض، وعدم الاكتفاء بالعمل الدبلوماسي والذهاب إلى المؤسسات الدولية على أهميتها. 

السؤال الخامس: من المؤكد أنكم تتابعون الوضع الفلسطيني العام، ومأزق الحركة الوطنية الفلسطينية، وغياب الأفق في الاستراتيجيات الوطنية، والانقسام.. الخ، ما الدور الذي يمكن أن تؤديه الجبهة بشكلٍ عام، وفي السجون بشكلٍ خاصٍّ من أجل رفد التجربة الوطنية الفلسطينية؟

استمرار حالة الانقسام ما زالت تلقي بظلالها على الواقع الفلسطيني العام، لذلك نحتاج جميعاً الخروج من هذه الأزمة المستعصية منذ سنوات، مع العلم أن الجبهة ناضلت وما زالت وستبقى تقدم جهدًا كبيرًا، وتكثف مساعيها الحثيثة من أجل الخروج من هذه الأزمة، وتعمل مع طرفي النزاع لردم الهوة ، عبر الحوارات معهم، أو الضغط عليهما بالفعاليات والمبادرات.

 إن الحل المناسب كان وما زال هو الاحتكام للجماهير الفلسطينية، من خلال إعادة إصلاح المؤسسات التمثيلية الفلسطينية وتحديدها وتفعيل دورها خاصةً المجلس الوطني الفلسطيني من خلال إجراء انتخابات شاملة ومتزامنة، وهذا يحتاج تحضيرات مسبقة عنوانها اجتماع للأمناء العامين للفصائل من أجل الاتفاق على آليات وبرامج وخطط العمل، وإعادة التأكيد على كل ما اتفقت عليه سابقًا في مؤتمر بيروت ومؤتمر الجزائر، وتنفيذ مخرجات اجتماعات المجلس المركزي. وكل ذلك لن يكون إلا من خلال حراك جماهيري واسع ضاغط على الأطراف المتنازعة تقودها الجبهة وباقي الفصائل الحريصة على وحدة الشعب الفلسطيني، خاصةً في ظل الهجمة الصهيونية الواسعة ضد أبناء شعبنا.

ويمكننا كأسرى أن تؤدي دورًا في ذلك من خلال العمل المباشر والتواصل داخل السجن أو خارجه مع قيادات فتح وحماس لتقريب وجهات النظر وممارسة الضغوط عليهم لعقد اجتماعات لنقاش سبل الخروج من هذا المأزق، كما يمكننا دعوة جماهير شعبنا إلى تنظيم فعاليات عنوانها الضغط على الطرفين لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه وجميع المبادرات ومخرجات المؤتمرات والاجتماعات على المستوى المحلي أو العربي.

السؤال السادس: رغم النداءات الوطنية والشعبية الرافضة لقمة العقبة، ودعوة السلطة لعدم المشاركة فيها لأهدافها الخبيثة في تصفية المقاومة، رضخت القيادة المتنفذة كعادتها وشاركت في هذه القمة. ما تعليقك على ذلك؟

للأسف القيادة الفلسطينية المتنفذة لا تستخلص العبر، وتضرب بعرض الحائط حالة الإجماع الرافضة للمشاركة في هكذا لقاءات هدفها بالدرجة الأساسية تحقيق مصالح وأهداف الاحتلال على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني.
 

فأحد أهم أهداف قمة العقبة هو تصفية المقاومة وإطالة أمد الاحتلال وتكريسه، لذلك كان يجب على هذه القيادة أن تستجيب للحالة الشعبية والوطنية برفض المشاركة في هذه اللقاءات، خصوصًا في ظل إمعان العدو الصهيوني في عدوانه على شعبنا، والتي كان آخرها في نابلس.
 

وللأسف يتم استثمار حالة الانقسام الفلسطيني في التماهي مع هذه التفاهمات والحلول العبثية برعاية الإدارة الأمريكية الوسيط المنحاز تماماً للاحتلال.

على هذه القيادة أن تعود للكل الوطني وتتمسك بالثوابت الوطنية وبقرارات الإجماع الوطني،  وأن لا تقدم أي تنازلات تلحق الضرر بالقضية الفلسطينية، بما يُمكّن الجميع من العودة إلى طاولة الحوار الوطني من أجل استعادة الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه شعبنا الفلسطيني. وهذه دعوة مفتوحة للجماهير الفلسطينية للقيام بأوسع تحرك شعبي رافض لهذه اللقاءات، والتصدي لمحاولات تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

 السؤال السابع: كلمة أخيرة توجهها لجماهير شعبنا؟

كل الفخر والاعتزاز بجماهير شعبنا السباقة في المبادرة ودفع التضحيات تلو التضحيات، وكل الثقة بالمقاومة وقدرتها على تحقيق إنجازات ميدانية ضد الاحتلال. ونحن في داخل قلاع الأسر على ثقة بأن حالة الصمود الشعبية وتصاعد أعمال المقاومة، وتصليب ووحدة الموقف الفلسطيني هي مفتاح الانتصار على هذا العدو، وإفشال مخططات قادته الفاشيين والعنصريين. وستكون الحركة الأسيرة كما عودتكم دائمًا في قلب هذه المعركة تواجه مع أبناء شعبها هذا التوحش الصهيوني، وإفشال مخططاته بحق الأسرى.