أسيرنا المدجج بالارادة ...سينتصر

أكرم عاطالله
المصدر / أكرم عاطالله_ مركز حنظلة للأسرى والمحررين

ببساطة لن نتوقف عن الاعتذار ونحن نحصي قصورنا الذي تكرر، لن نتوقف عن التحديق في مرآتنا المحطمة بفعل صراعنا في غرفة السجن الواسعة عمن يحكم بعد السجان فنسينا معاركنا ، ولن نتوقف أيضاً عن احصاء الملاحم التي تنبثق من أبطال باتوا يسجلون ملاحم اسطورية وسط هذا الركام الوطني الذي صنعناه بأيدينا وفقرنا السياسي. كان محمد يصرخ على سريره معلناً أن ارادة التحدي أقوى كثيراً من كل الأسلحة، وأن الجسد النحيف الذي لا يقوى على الوقوف قادر على أن يجعل دولة مدججة تجثو على ركبتيها، هكذا فعل قبله خضر عدنان وسامر العيساوي والكثير من هؤلاء الذين يذكروننا وسط الضياع والكساح الوطني أن لدى الفلسطيني من فائض الارادة ما يكفي للانتصار، ولكن هذه الارادة بحاجة إلى ادارة قادرة على استثمارها وليس ادارة باتت تتصارع على السلطة والمناصب والكراسي والامتيازات والوراثة وتقسيم الحكومة وحوارات الانقسام وتوزيع الثروة والسلطة والرواتب. كيف يمكن لمسئول أن يغمض عينيه بعد الشريط الصغير الذي يصرخ فيه محمد القيق؟ كيف يمكن لقوى سياسية لا تشعل الأرض لهيباً؟ كيف لا تخجل ونحن الطلقاء الذين نجوب الأرض جيئة وذهاباً والعاجزون عن أي فعل عندما يفعل محمد بجسده ووحده كل هذه الملحمة؟ هو لا ينتظرنا يكتب رواية مجده ومجدنا بحبر آلامه وآلام عائلته الصغيرة التي لا تتوقف عن البكاء ونحن نراقب مترفين بانقسامنا وحواراتنا العبثية ومشغولون بتبديد ما تبقى لدينا من أمل انبثق يوماً من مقل الشهداء والأسرى والمعذبين الذين مدوا أرواحهم وأجسادهم جسورنا لعبورنا نحو الحرية وإذ بنا نسقط في مستنقع الغنائم وسط الطريق الطويل ونترك أبطالنا فرادى على قمة الجبل يقاتلون وحدهم كما يفعل الأسير القيق لكنه ينوب عنا جميعاً ويتركنا نلملم خجلنا لما نحن فيه. لقد أبكانا الأسير الكبير بصرخاته التي هزت أعماقنا وهو يخوض معركتنا وحده، يريد سماع صوت ابنه هذا كل ما تبقى له وما تبقى لنا ، فأية سياسة أو سيادة نمارسها أو نتنازع عليها يذكرنا المهمشون فيها أن علينا أن نصحو من الوهم الذي صنعناه ؟ وتصفعنا صرخات القيق وتوقفنا عن حدنا بعد أن تضخمت ذواتنا وأصبح الوهم يزيد عن مساحة الوطن. على خطوط النار الأمامية كان الصحفي محمد القيق يقف لكنه الآن تقدم في حالة اشتباك مباشر شاهراً أمعاؤه الخاوية وارادته العالية في وجه دولة نووية ولديه اصرار على أن ينتصر وسينتصر، سينتصر لأنه أراد الحياة ولم يستسلم لليأس والاحباط الذي نثره سياسيونا الذين أتعبتهم صراعاتهم مع أنفسهم من أجل أنفسهم ويبررون ذلك باسم الوطن. محمد يمضي غير آبه بنا وبصراعاتنا يهدينا ألمه وربما موته نصراً ربما بهدف حساب ضمير لم يبدأ لدى قادة الانقسام فالذي لم تهزه بشدة صرخات القيق وهو يناجي صوت ابنه مشكوك في قدرته على قيادتنا وعلى استكمال مسيرتنا، يا الله ..! كم كان مؤلماً وأنت تراه يتمزق لكن ذلك الأنين هو أجراس عودتنا نحو وطن لم يعد يحتمل صراعات أبناؤه. في لحظات الظلام ينبثق شعاع أمل بسيط ... محمد يعيد تذكيرنا بأننا شعب يستحق الحياة وبأن الحياة تستدعي التضحية، يعيد تذكيرنا بما لدينا من قوة وفائض ارادة اعتقدنا في لحظة التراجع الوطني أنها تآكلت بعد أن عبث العابثون برصيدها حين قدموا أسوأ نموذج للصراع على الحكم، لكن محمد يقول أن هناك من هم على استعداد لادارة معارك أكثر ذكاء مع المحتل، معارك بلا جعجعات ولا طحين ولا امكانيات ولا شعارات، انها معارك الارادة وفرسانها لا خيار أمامهم سوى النصر أو النصر. ستنتصر محمد لا محالة وستنهزم دولة الاحتلال، سينتصر لنا سواء عاد للحياة من الموت أو حتى حين يستشهد ففي الحالتين يكون قد قال أن الفلسطيني لا يعرف التراجع ولكن إن استشهد علينا أن ننظر لأنفسنا في المرآة المحطمة ونرى شظايا ملامحنا لنعرف أن محمد كان جديراً بالحياة أكثر كثير مما لم نعمل من أجله..!!