بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "الشعب الفلسطيني.. شعب ثورة وهوية وطنية كفاحية"

منذر خلف.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

قلة من الشعوب التي اختزنت هذا الكم الهائل من العنف الثوري كما يفعل الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن كونه عنف عفوي أو منظم، المهم أن الشعب كشعب مكتمل الأركان والهوية، رغم كل المحاولات لإنكار وجود الشعب وحضور هويته، ورغم قرون من الاحتلالات والمؤامرات الهادفة لتمزيق هذه الكيانية، وتشويه هذه الهوية، ورغم الكم الهائل من الخيانات وخيبات الأمل المفترضة من الأخوة والأصدقاء، وربما البعض من الداخل، إلا أن هذا الشعب يَعيّ بدقة أنه شعبٌ، ويقع على عاتقه بوعيٍّ تاريخيٍ أن يُطلق الثورة ويستمر بها، ضد الصهيونية والاستعمار، بل أن ما يُحرك هذه الثورة ويؤطرها وينُظرّ لها ليس حزباً، أو تنظيماً أو مؤسسةً، هي ثقافة كفاحية راسخة في وجدان الشعب، أسست لهويته الوطنية الكفاحية، يقودها فكر وثقافة عصرية حديثة تؤطر فكرياً وثقافياً لهذه الهوية، وهذه المقاومة، وهي ثقافة فلسطينية محضة، وهنا مصدر القول أن الشعب الفلسطيني، وبرسوخ هو شعب ثورة، وأنه يمتلك هوية وطنية واضحة عنوانها الكفاح ضد المستعمر، وعلى ذلك فإن الأزمة التي تعتري المشروع الصهيوني، لم تكن من الدول والجيوش العربية، ولم تكن من الحركة الوطنية بقدر ما تكمن أزمته الوجودية بوجود الشعب الفلسطيني الذي حاول الاستعمار ترويضه تارةً بالتطهير والمجازر والإرهاب والعنف والطرد والتهجير ( 1948-1967)، وما بينهما وبعدها من مجازر (1970 – 1973-1982.. الخ)، وتارةً أخرى بالخديعة عبر اتفاق أوسلو وأوهام الحكم الذاتي.

إلا أن الشعب الفلسطيني بقيّ وفياً لثقافته، ومرسخاً عليها هويته، وتالياً فإن الحركة الوطنية هبوطاً أو صعوداً ستضطر للتوائم مع المجهود الثوري والكفاحي للشعب الفلسطيني الذي يعتبر شعباً مجدداً ومبدعاً، وربما لا يخشى التجريب، فقد راهن الشعب على الأمة العربية والقومية التي انهزمت 1948 وصولاً لهزيمة 1967، ليطلق ثورته الوطنية المعاصرة 1965-1967، وناضل في إطارها حتى دخلت في مأزقها التسووي والتفاوضي، ليطلق أداةً ثوريةً استندت إلى أشكالٍ رافضة للحل السلمي، تصدرها فصيل يتبنى الفكر الإسلامي 1993 بعد أوسلو، واليوم يبدع أشكالاً نضاليةً، وربما تنظيمية نشهد بواكيرها في جنين ونابلس والخليل والقدس وأريحا، وغيرها من المدن. إن هذا الجهد والطاقة الثورية الواعية ليست نتاج قراءة فكرية مستوردة، ولا نتاج جهد تنظيمي متراكم، وصولاً لإطلاق النضال؛ بل نتاج قراءة فلسطينية واعية للثقافة الممتدة منذ عز الدين القسام، مروراً بغسان كنفاني، وصولاً للنضال الذي يخوضه الشعب في شوارع الضفة الغربية، الذي نأمل أن يمتد على مساحة فلسطين كلها، مستنداً لتأطير ثقافي، استلهاماً من فكر القسام "لا تموتوا إلا شهداء"، وكنفاني "لا تمت قبل أن تكون نداً، واحذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص، وغيرها الكثير من الإرث الثوري الفلسطيني الفكري والثقافي.

دائماً برزت هذه المقولات الثقافية كمؤطر للنضال الفلسطيني، ولكنها تبرز اليوم بدقة عبر نضالات واضحة، كابراهيم النابلسي وتامر الكيلاني، والشهيد عدّي التميمي الذي أصّر إلا أن يموت بين زخات الرصاص كما ظهر في الفيديو الذي انتشر على وسائل التواصل، فيما تبعه الجعبري في الخليل الذي كان يعاني السرطان وفي سبيله إلى الموت الطبيعي، فلمِ لا يموت بين زخات الرصاص ويكون نداً، ويحذر الموت الطبيعي. طالما ليس من الموت بدٌ.. فمن العار أن تموت جباناً.

إن هذه الثقافة الراسخة لن تمحوها عمليات العنف والقتل والآلة الاستعمارية، ولا المؤامرات، ولا مهاجمة الثقافة الفلسطينية، أو محاولات محو الهوية، ولا عمليات غسل الدماغ، وسيبقى الشعب يقاتل، لأنه وببساطة شعب يريد الحرية. 

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين.