بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: قضيتنا "الأسرى" ما بين جذرية الحلول، وانتهازية الاستخدام

منذر خلف.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

تعتبر قضية الأسرى، من القضايا الُملحة في أيِ صراع، وعلى مدار التاريخ تم التعامل معها على اعتبار أنها حالة مؤقتة، يجب حسمها أثناء الصراع أو مع نهاية الصراع مباشرة، وهو ما يظهر في التاريخ من خلال العمل على تحريرهم، أو افتدائهم، وعلى ذلك جاءت المواثيق الدولية لتؤكد على موقوتية قضايا الأسرى، وخاصة أسرى الحرب.

وفي هذا السياق جاءت ردود أفعال الثورة الفلسطينية المعاصرة  1985-1965، متماشية مع هذا الفهم باعتبار الحرية قضية جذرية، والأسرى هم رمزية لهذه الحرية.

وكذلك باعتبار أن الثورة هي نقيض لحالة الاستعباد والتي يُمثلهّا السجن، ونقيض له عليها أن تحسم المسألة لصالحها من خلال نفي حالة الأسر، فجاءت كافة عمليات الثورة الفلسطينية تحت عنوان تحرير الأسرى بشكلٍ أساسي، أو في هذا الإطار من اختطاف الطائرات والرهائن والجنود، واقتحام المدن الاستعمارية واعتقال الرهائن، أو من حول العالم، بل وحَولّ الأمر من إنزال الطائرات في مطار اللد، والإعلان عن أسماء الأسرى المطلوب الإفراج عنهم عبر مكبرات الصوت.

ولأجل هذه الجذرية في مواجهة الأسر، استطاعت الحركة الأسيرة أن تُجذّر نضالها، وتُرسّخ شخصية المناضل المُلتحم بقضيته وثورته، على اعتبار أنه جزءٌ لا يتجزأ من عملية المقاومة، وقضيته جزء أساسي من قضايا الثورة، وهو ما تأكد من خلال عديد عمليات التبادل للأسرى.

أما بعد العام 1985، تَحوّلت قضية الأسرى إلى قضية رهانات موسمية، وقضية بحث عن شرعيات وبطولات؛ فخضعت القضية للأسرى والمزايدات والمراهنات، التي أغرقت القضية بالوحل وخاصة بعد مشروع  أوسلو، وخذلان الأسرى.

صحيح أنه جرى توطين عمليات الاختطاف في الداخل وخاصة من قبل حركة حماس، إضافةً  للمواجهة ما بين حزب الله والكيان الصهيوني، وهو ما خلق فرص وطاقة للأمل، وخاصةً في عملية وفاء الأحرار عام 2011، ولكن الملاحظ أن هذه القضية أصبحت موسمية وخاضعة للمزايدات والمراهنات أكثر وأكثر، ومصدر لشرعنة  البعض، وعلا خطاب الأسطرة والعملقة للأسرى، الأمر الذي وضع قضية الأسرى في ميزان الاستخدام الانتهازي من قبل بعض القوى، وكلًا حسب حاجاته ومُمكّناته؛ فقضية الأسرى هي مسألة الحرية، باعتبارها حفاظ على كرامة المقاتل، و تصليب للذات القتالية للأفراد ولاستعداداتهم للقتال المستمر، وليست القضية رواتب وامتيازات ورتب هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى ليست قضية مزايدات ومراهنات عبر إخضاع قضية الحرية للمراهنة الحزبية والمصالح من خلال عدم التعاطي مع ملف حرية الأسرى كأولوية، وخاصة في ملف صفقة التبادل التي يدور الحديث حولها منذ أكثر من 8 سنوات في حين أن الكثير من القوى نفضت يداها من القضية، وكأن الحديث يدور عن أسرى في كوكب آخر، وأن الأسير الذي سيترجل عن صهوة أسره بعد أربعين عامًا أو أكثر هو حالة  احتفالية سنوية، وكأن لسان الحال يقول "إشعال شمعة أو شعلة الحرية خيرًا من أن نبحث هناك في الظلام عن الأسرى الذين يمضون بسنواتهم، وبأرقام فلكية إلى ما لا أمل في الحرية، بعد أن نفض الجميع تقريبًا أيديهم من الحلول الجذرية في التعامل مع قضية الأسرى التي يتعامل معها الكيان كقضية استراتيجية بالغة الحساسية أمنيًا، ولا يمكنه التفريط بها إلا بالقوة، فكيف يمكن الإجابة عن سؤال الأسير - سؤال الحرية، ونحن تتنازعنا فكرتي التنسيق الأمني، والحفاظ على المنجزات الوطنية، والمصالح العليا، وإعادة الإعمار، وتصاريح العمل والمنح... الخ.

 فكيف يمكن لهذا الخطاب أن يعوض الشعب الفلسطيني عن ثوابته الوطنية والأخلاقية تجاه الأسرى..

لقد ذكرنا الأسير كريم يونس أن الثورة كان لديها عهد، واتفاق ضمني غير مكتوب والتزام أخلاقي بحرية الأسير، فهل لا زال هذا الالتزام قائماً، ولا زال الوعد صالحاً؟

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين.