كتابات من داخل السجون

صرت لزاماً يا موت

F3645EF0-8B94-41BB-AFD7-1AAF8402B4B0.jpeg

يبدو أن ارتطاماً بحافة الصدأ المدببة قد شارف على الاقتراب.. 

أستشعر ذلك.. هذا الضجيج الذي لا يمكن لأحدٍ سماعه سواي

يا موت.. صرتَ لزاماً فاقترب

أشتَمُّك جيداً

يا موت قلبي بات يهددني بالرحيل فاقترب

أنا يا موت لا أطلب منك إلا أن يكون ارتطامك فظاً عنيفاً يجعل اللحظة كاملة الجهات..

 لنُثبت معاً أن هناك فروقاً كثيرة بين ارتطامٍ وآخر.. حان الرحيل يا موت

لأن المرايا سالت جميعها وغدت أشبه بدمعةِ جدةٍ تبكي وداع غزالها،

 وسنابل القمح أكملت دورة انحنائها بجلالٍ حتى أضحى ركوعها أجمل،والعصافير احتضنت صغارها الموتى..

فاقترِب..

لأن الليل اشتد حلكةً.. وغدوت أنت غدوت ضرورةً لا صيفاً موسمياً ثقيل..

لأن الصدأ استحال لأشرس حالاته وغدا الفولاذ شجعاً للسماكة والخريف 

ما عاد مملاً بل صار بازاراً لاستعراض آليات التكيف

فلتقترب يا موت

لأن العملة فقدت وجهها بعد ان أُدخلت عالم النسبية.

والاغتراب أحكم لف حبائله حول عنقي فأقعدني طريحًا للمقارنات؛ 

لأن الوطن والبلد والظروف والواقع والصف الوطني صاروا جميعاً مشجباًنعلق عليه ما أُمرنا..

لأن زنزانتي غاصت أكثر من الازم.. 

وصليب مؤبداتي الخمس أكمل غرس وتده الأخير في رئتي..

صرتَ لزاماً يا موتُ فاقترب..

فأنا بِتُّ لا أعرفني.. لأني أفتقدني هنا في مكانٍ لا أراني فيه فهو لا يراني لأني لم يعد لي باب أعود منه للحكاية

لأن الفولاذ أصابني بزكام البلادة.. فبات الأسر مصيدة وارتخت توابيت الشهداء، نبهت خشبها بعد أن نشل اللص بسبحته الطويلة آخرمسمار في النعش..

ولأن عُري التطاريز غادرت ثوب امي فغادرني الحنين

أرجوك ارتطاماً يا موت

لأن الراية أصابها داء الحداثة فأثقل وزنها عنق السارية.. 

لأن حُر البنادق حوكمت بالنفي خارج محيط أهدافها فغدت طريدة..

 ولأن كنزةصوفية من تل أبيب باتت كافية لعقد صداقة مع الشتاء.. 

لأن نجمتهم باتت أكثر بريقاً بعد أن نُظِفت بنفطنا.. 

لأن شتاتي يزداد شتات كلحكومة فاستحالت الارض قاعة انتظار.. ولأني لم أعد أعرف كم مرة متنا..

تعبت..

لأن الجلاد صارتنُ نصٍ مقدس، فأحالني أنا.. أنا الضحية عبدٌ يقطن حاشية.

لأننا غدونا قرضاً لاجئاً في البنوك..

لأننا علقنا غي الافتراض.. فغدا مكبر الصوت ساستنا.. وامتلأ الظل بالإنارات.

اقترب يا موت.. 

لأن احلامنا.. حتى احلامنا باتت موشحة بالتدخل.. بالإملاء..

لأن نصفنا ما عاد يصغي لاستغاثات البيوت المدفونة أسفل المستعمرات.. 

لأن الكنائس والمساجد أعارت أجراسها ومآذنها لكنيس الضحيةفي أوشفيتس

ولأن دولتنا يا درويش لازالت نصاً أدبياً حسن الصياغة لا أكثر..

والتاريخ كلما انعطف بنا شظانا الارتطام..

ولأن الكوخ.. كوخٌ بات على أعتاب معاهدة سلام مع جاره القصر..

فاقترب يا موت

 

بقلم الرفيق الأسير أمجد عواد

سجن رامون