كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني

الأسرى مآل وواقع حال

3e6ac0a6dacbb0ac96dd94ee4662130d.jpg

بقلم : دعاء الجيوسي.

تقول الرواية التاريخية أن الفرنسييون إبان غزوهم لفلسطين إنطلاقاً من مصر أواخر شباط عام 1799 تعرفوا إلى موضع تل العجول جنوب مدينة غزة وقاموا بحفريات هامة بين جنباته وكان من بين ما وجدوا بردية كُتبت باللغة الهيروغليفية جاء فيها: 

( إحترف الفينيقيون التجارة .. واحترف الهكسوس الرعي .. أما نحن أبناء كنعان فقد احترفنا طرد الغزاة .. إن الكنعاني لا يعرف على وجه التحديد كم مرة دق منجله سيف غازي).

سيان صحت هذه المروية أو لا فإنها تُعَبر موضوعياً عن حال بلادنا مع الإحتلالات المتعاقبة والثورات الدائمة ولأن سنة النضال الشعبي تقول انه طالما وجد إحتلال وُجدت المقاومة وطالما وُجِدت هذه وُجِد الشهداء والأسرى فإن هذا يعني بالقطع أن شعبنا عرف الأَسرُ والأسرى منذ بدء تخلقه الذي تزامن مع تدافع الإحتلالات إلى أرضه.

وللأسرى في عقلنا الجمعي مكانة تصل حد التقديس في كثير من الأحيان وهي بقدر ما تُريح الأسير وتُشعِره بجدوى ما فَعَل وما قاده للسجن فإنها أولاً تلزم الأسرى الحالين والمُحَرَرِين نمطاً سلوكياً ووطنياً صارماً ليظلوا أهلاً للهالة التي رُسمت لهم وثانياً تفرض على شعبنا وقواه العمل الدؤوب لإنقاذ الأسيرات والأسرى من غياهب السجون كي لا تكون علاقتنا بأسرانا كعلاقة قُدامى العراقين بالحُسين ( نُحبك ونُقِر بحقك ولكن لا نقاتل معك وعندما تموت نبكيك ونرثيك).

اليوم وشعبنا يُحي يوم الأسير الفلسطيني تبدو الصورة في السجون وخارجها أكبر تعقيداً وأكثر فسيفسائية مما يحتمله أو يحمله مشروعنا الوطني برمته...

فيكفي أن نذكر أن الحركة الأسيرة وبفعل إرسابات إتفاقات أوسلو وما تلاها وصولاً للإنقسام الكارثي لم تَعُد تعيش وحدة الحال التي إمتازت بها سابقاً وقد شهدت السجون في الآونة الأخيرة رغم الحالة الثورية المتقدمة نسبياً التي تعيشها ظواهر سلبية زحفت على حياة الأسرى داخلها كالمناطقية والفردية وتراجع حالة الزخم الثقافي والانشغال بالهم الخاص على حساب العام بالإضافة لتضخم السلوك الإستهلاكي لدى بعض الحالات.

وهذه سلبيات ومثالب لا يمكن إخفائها ولا غض الطرف عنها بل يجب أن توضع على طاولة البحث وتُشَرَح كظواهر إجتماعية مست شريحة ربما هي الأهم بين مكونات شعبنا.

للإنصاف و كشاهدة دخلت السجون ومتخصصة تحمل شهادة جامعية في علم الاجتماع أقول: 

إن السجون رغم ما يعتري الحياة فيها من بعض السلبيات إلا أنها لا تزال تُشكل البؤرة الثورية الأكثر إشتعالاً في ساحة المواجهة ، كما لا تزال بارزة كأكثر التجمعات الفلسطينية إنضباطاً لفكرة الإشتباك المستمر مع العدو، يُضاف لذلك أن جُل ما تناولناه سابقاً من إشكالات لم تولد ذاتياً أو في سياق التطور الإجتماعي لحياة السجن وإنما تسللت إليها من الخارج عبر عدة مسالك أهمها سياسات وخطط مصلحة السجون الصهيونية. 

إن وضعنا إيجابيات وسلبيات حياة السجن في كفتي ميزان فإن كفة الإيجابيات ترجح لا سيما أننا نتحدث عن مجموعة من البشر من بيئات إجتماعية ومشارب فكرية مختلفة تمكنوا من خَلق حياة جماعية مُنتجة على الصُعُد الفكرية والثقافية والأكاديمية وغيرها وتمكنوا من الحفاظ على الذات كجزء فاعل في صيرورة الصراع مع العدو رغم ما اعترى هذا الصراع خارج السجون من هزات وإنتكاسات كفيلة بدفع فيلسوف مثل لبينتز للإنتحار.