قصيدة تكتبها الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

الليلة الأخيرة

IMG-20210403-WA0099.jpg

رشدي أبو مخ وليلته الأخيرة في القيد

بقلم : دعاء الجيوسي

ليلتي الأخيرة

في قاع لحدي المؤبد

أتنفس غبار الزنزانة بشغف

أَجمع مُقل الرفاق

وأهداب العشاق

إلى خيط طويل

قبل أن يصرخ الجدار فيّا فأقف 

وأساله ما الخطب

كل ما أريده

جمع شتات قلبي 

في مسبحة سماوية

تتوسطها دمعة أو شمعة

فليس هنا عاج يزين المسبحة ولا صدفْ

تُكشر الحجارة عن أنيابها

تهذر وتهدر وتنذر بصلف

ممنوع أن تخرج المقل من هنا

مقطوع حبل مسبحتك والمُنى

أصمت ألا ليت حكمك يطول ويطول

أنكفأ على ذاتي وأتنفس وليد وإبراهيم

أُخَزِنهم في رئتي أحررهم من إطار صورة مقتول

وأعود للحدي من جديد....

في ليلتي الأخيرة 

أفشل في جمع مسبحتي 

تُعييني سنوات الشظف

تدميني زنزانتي اللعينة سيدة الخَرف

قبل أن أغفو أجمع سترتي على ما تبقى فيّا من سعف

وأتكوم على سريري

يطير في سقف الزنزانة سرب حمام

أبيض ملائكي يطوقني كنخلات الرافدين

ثم يمضي صوب السماء إثنتين إثنتين

في رعشة الجناح الأولى ألمح وليد بِأُم العين

وفي الثانية يخطر إبراهيم بلا بون ولا بين

تتدافع أسراب الحمام ويعلو الطنين

فيحضر نائل وكمال وأحمد

لا يجبُّهم القيد ولا قهر السجين

بعد القبل ولظى المقل أنام لأصحو

في الغد على وعد أن أجمع المسبحة

من حبات القرنفل والتين

وأشّرع نوافذ البيت كل صباح

لتنّسل من صدري أسراب التائهين

أبذرها على طول البلاد

فتثمر باقة ورد وبراعم في اللد وجنين

وتمضي لأجل المذبوحين بسيف الوقت

المنسيين على الجدران ملائكة الحنين...

وأمضي لا أدري إلى أين أإلى المقابر

أو عسف السنين 

أإلى المغافر أو موسيقى الزمن العنين

لا أدري ولكنني سوف أمضي

لأعراس الزنابق في السماء وميلاد الياسمين

سوف أمضي بلا قيدٍ هذه المرة ولا سكين...

سوف أمشي في طريقي ولا أدري إلى أين.

ولكني سوف أمضي...