كتاب على شكل حلقات يكتبها الأسير الأديب كميل أبو حنيش..

الكتابة والسجن، الحلقة الثانية والعشرون، "مقالات..دراسات..قصائد"

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif
المصدر / السجون-حنظلة

بدأت عملية كتابتي في مجال المقالة والدراسة في ربيع العام 2016 في سجن ريمون. فطوال السنوات الماضية كنا نعاني من حملة تنكيل وتنقلات دائمة بين السجون، وقد شهد ذلك العام استقراراً نسبياً على الأقل حتى الصيف، وكنا قد قررنا الاستقرار في سجن ريمون لأسباب تنظيمية بالأساس، فضلاً عن وجود الهواتف في السجن مما يتيح لنا المتابعة والكتابة أيضاً. 

حتى ربيع هذا العام كنت أجهل تقنيات التواصل الهاتفي لا سيما في مجال الكتابة، وكنت أعتقد أن من يسعى لكتابة مقالة -مثلا- يعمل على قراءة الموضوع ببطء، وفي الطرف الآخر يوجد من يكتب بقلمه ما يمليه عليه الأسير. وهو ما جعلني أحجم لسنوات عن كتابة المقال أو الدراسة، إلا أن الرفاق أقنعوني بضرورة الكتابة، وأن العملية سهلة إذ تجري عملية التسجيل بطريقة آلية. وحتى ذلك الحين لم أكن قد كتبت أي مقال أو دراسة منشورة، واقتصرت كتاباتي على الرواية والشعر والمؤلفات الأخرى.

فتحت هذه الفرصة شهيتي للكتابة وصرت أكتب بشغف كبير، بعد أن رأيت أن ما تكتبه اليوم ينشر في اليوم التالي، وفي تلك الأثناء بدأت مع الرفيق وائل الجاغوب إضافة إلى رفاق آخرين بالكتابة اليومية لموقع حنظلة الذي كنا قد أنشأناه في العام الماضي كمعبّر عنا، وتابع لمنظمة فرع السجون، وكان يتعين علينا الكتابة في الشؤون العامة، وإعداد التقارير والبيانات والأخبار باسم لجان منظمة الفرع، إلى جانب المقالات والدراسات التي نكتبها بأسمائنا.

وفي تلك المرحلة تعارفنا على عدد من الأصدقاء خارج الأسوار لا سيما أسرة موقع حنظلة الرفيق محمد شرافي ولاحقاً مالك الشنباري، إلى جانب الرفيق أيمن فرحات وآخرين، وكلهم من قطاع غزة الذين سهروا وتعبوا معنا لسنوات طويلة في إنجاز المئات، وربما الآلاف من التقارير الإعلامية والبيانات والمقالات والدراسات والإخباريات.

إذ كانت البداية في ربيع العام 2016، وبدأت أنا ووائل وآخرون في الكتابة المثابرة وتغذية موقع حنظلة، وتزويده يومياً بالأخبار والتقارير والمقالات عن الحركة الأسيرة، وأخبار السجون إلى جانب الكتابات السياسية والفكرية، حيث كان يتولى الرفيق ثائر حنيني وأحياناً الرفيق حكمت عبد الجليل مهمة تسجيل هذه المواد، ونعمل على تدقيقها أولاً بأول لتكون جاهزة للنشر، وأذكر في تلك الأيام أننا -أنا ووائل- قد أنجزنا مشروع الذاتيات وهو الكتابة عن أعضاء منظمتنا ممن حكم عليه بالسجن 5 سنوات فأكثر، وبلغت أعدادهم حتى ذلك الحين حوالي 115 رفاق . وكتبنا عن كل واحد منهم ذاتية بمعدل صفحة إلى صفحتين عن كل واحد، وقد استقينا المعلومات الأساسية من الأرشيف التنظيمي إضافة لمعرفتنا للغالبية العظمى من هؤلاء الرفاق . وقمنا بتسجيلها وطباعتها ونشرها تباعاً على موقع حنظلة.

هذا على صعيد الكتابات العامة التي كنا نثابر على إعدادها بشكل شبه يومي، أما على صعيد كتاباتي الخاصة، فقد كانت باكورة كتاباتي للموقع قصيدة بعنوان ( العودة) ثم مقالة عن النكبة، ونشرت أيضاً دراسة مطولة كنت أفكر بها كمشروع كتاب، وحملت هذه المادة عنوان (إسرائيل في العقدين القادمين) وهي تحاول مقاربة مستقبل إسرائيل من زاوية نظرية وفكرية.

ثم تعددت المقالات الأدبية والسياسية، وأذكر بعضاً من هذه المقالات (السلام الاقتصادي) (جدتي الغالية) (اللحظة السياسية المتكررة) (الأزمة الاقتصادية في اسرائيل) وأيضاً قصائد شعرية (الحبر الأسود) (يافا عروس البحر).

ولم يطل الوقت حتى انفجرت أزمة إعادة وتجديد اعتقال الرفيق بلال كايد، فإلى جانب الانهماك في إعداد كتاب التجربة التنظيمية والاعتقالية لمنظمة فرع السجون المشار إليه في حلقة سابقة وأيضاً متابعة الخطوات التصعيدية من جانبنا ضد مصلحة السجون كتبت بالاشتراك مع وائل مجموعة من المقالات المشتركة منها: 

(على أعتاب معركة جديدة)، (مواجهة الاستثناء قبل أن يصبح قاعدة)، جدلية العلاقة بين النضال الاعتقالي والنضال الجماهيري) إلى جانب رسالة وجهتها لبلال (إلى بلال وهو يخوض غمار المعركة) غير أن تطور معركة الإضراب المساند لبلال قد حال دون متابعة الكتابة؛ إذ جري نقلي إلى هدريم ومن ثم إلى جلبوع.

ورغم الانتقال إلى سجن جلبوع، واصلت إلى جانب الرفاق نادر صدقة، وشادي الشرفا الكتابة وإرسال هذه الكتابات من خلال البوسطات إلى سجن ريمون ليتولى الرفاق من هناك تسريبها عبر الهاتف. ومنذ نهايات 2016 وحتى صيف 2017 كتبت عددًا من المقالات منها: (أزمة المياه العالمية) و(أزمة مياه قطاع غزة) و (معركة لا بد منها) و(الاقتصاد السياسي للخليج العربي) و(الذكرى السنوية لاستشهاد فادي حنيني وجبريل عواد) و(الذكرى السنوية لاستشهاد ربحي حداد) و(الأرض وذكرى يوم الأرض) و(أرض اللبن والعسل) ومقالة مشتركة مع الرفيق نادر صدفه بأسلوب حواري عن الشهداء حملت العنوان: (كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) و(العيادات والمشافي في السجون الاسرائيلية) و(الأسرى المنسيون في السجون الاسرائيلية)و (الأسرى المنسيون في زمنهم الموازي) و(عندما يصهل الرجال).

انتهت هذه المرحلة في الكتابة عن بعد فور عودتي إلى سجن ريمون في آب 2017، ورغم انهماكي في رواية مريم مريام، إلا أنني واصلت الكتابة في حقل المقالة والدراسة والشعر إلى جانب المهام الاعتيادية في إعداد التقارير الإعلامية والبيانات. وحتى نهاية العام 2017 كنت قد أنجزت عدداً من المقالات المتنوعة، فعلى صعيد المقالة الأدبية كتبت عدداً من المقالات منها: (الأبواب الزرقاء) و(النملة) و(في البدء كانت الكلمة) و(واجه ذاتك) و(إلى أبي وهو يستنبت الأمل في دفيئة الحياة) و(عبق الياسمين) و(الحب في الزمن الموازي) و(أيمرض حلمُ كما يمرض الحالمون).

أما المقالات السياسية، فهي: (العامل الذاتي في المواجهة) و(مئة عام على وعد بلفور) و(الخيارات السياسات المتبقية) و(ملاحظات على هامش المصالحة) (اليونسكو) و(مسلسل الخطط الأمريكية) و(السيدة والجارية) و(انحسار اللحظة الأمريكية) و(اتسع الخرق على الراتق) و(العربي يخنع؟!).

شكل العام 2018 ذروة نشاطي على صعيد كتابة المقالة والدراسة والقصيدة، فعلى صعيد المقالة الأدبية، كتبت عددا من هذه المقالات: (امرأة من فلسطين) و(عن الحب وبراءة الأطفال والسجون) و(في ذكرى استشهاد يامن فرج وأمجد مليطات) (الانتظار الجميل) و(صرتُ أباً)و (القرص المربع) أما قصائد الشعر : (البرزخ) و(نشيد الشهداء) و(صمت العزلة) و(وطن الصغيرة) و(المعنى) كما نشرت دراسات أدبية منها: (تأملات في رباعيات الخيام) و(الثورة حجر الزاوية في شعر مظفر النواب).

وفي هذا العام أيضاً أنجزت عدداً من الدراسات وآثرت نشرها على المواقع دون تحكيم، أو نشرها حصرياً على أحد المواقع؛ وذلك كي يتسنى لأكبر عدد من الناس الاطلاع عليها، وهذه الدراسات تراعي المنهجية العلمية في التوثيق واللغة، أما عناوينها: (الفلسطينيون الحمر) و(مقاربات في نظرية التخلف) و(القلعة) و(الترانسفير في الفكر والممارسة الصهيونية) و(صفقة القرن الماضي).

أما المقالات السياسية، فهي: (سوق النخاسة السياسية) و(بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة) و(الدولة التي تشير إلى القدس مشبوهةُ) و(الدولة المقصلة) و(عجائز إسرائيل) و(الشيزوفينيا الاخلاقية في اسرائيل) و(الحرب القادمة) و(دولة من قلق) و(الأمن يعني الاستيطان) و(السلام المستحيل) و(كثافة اللحظة التاريخية) و(اشيرائيل) و(بومة البيت الأبيض) و(جمهورية اسرائيل الفاضلة) و(الحراك الشبابي) و(ثلاثة معالم في الطريق إلى الحرية) و(الإرهاب الرياضي) و(معضلة الحرب على غزة) و(ومعجزة غزة) و(وجه الشبه بين بنات آوى والبالونات الحارقة) و(صفقة القرن هي الابنة الشرعية للتسوية) و(العنصري والكذاب) و(مفارقات الرقم 6 مليون) و(الممر الإجباري) و(تهافت التنابلة) و(خيارات اليائسين) و(مسرح الكوميديا السوداء) وبسبب المقال الأخير عملت مصلحة السجون على نقلي من سجن ريمون إلى سجن هدريم في أواخر نوفمبر 2018، وحسب ذريعة الإدارة فإن هذا المقال يحرض ضد التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربي.. وعلى الطريق أبلغني ضابط استخبارات السجون حين أبديت استغرابي من عدم نقلي على مقالات تتناول الشؤون الإسرائيلية بالنقد والتحليل، بينما يجري نقلي لأنني أنتقد الدول العربية المهرولة للتطبيع، قائلا لي: بإمكانك أن تنتقد إسرائيل وتشتم قادتها لكن غير مسموح لك بانتقاد هذه الدول وزعمائها؟

أمضيت بضعة أشهر في سجن هدريم، وتمكنت من إتمام دراسة الماجستير، وبعد عودتي إلى سجن ريمون في شباط 2019 وانهماكي في عدد من المشاريع الكتابية التي أشرت لها في حلقة سابقة، حيث أنجزت كتابة قصة (عقدة العصفور) وخلال هذا العام أيضاً أنجزت دراسة (إشكالية الآخر في الفكر الصهيوني) وكتاب (دولة بلا هوية) ورواية (الجهة السابعة) وحلقات لوقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث، وعلى هامش هذه الأعمال الكتابية واصلت كتابة العديد من المقالات السياسية الأدبية وقصائد الشعر.

فعلى صعيد المقالات الأدبية كتبت: (كعك على بوابة السجن) و(رحل ثوري ولم يرحل حضوره في القلب) و(كنفاني كلمة السر في أدب المقاومة) و(ماذا تبقى لنا).

أما قصائد الشعر (سر الشفاء من الحنين) (صفا فؤادي) (وعمت صباحاً/ مساء أيا وقتنا) (درب الانعتاق) (مملكة الخراب) (لعلي أعود نهاراً) (فتاة البرتقال).

أما المقالات السياسية، فهي: (نتنياهو وحكومته الخامسة) و(إيران وإسرائيل والحسابات الاستراتيجية) و(ماذا يكمن وراء الانتخابات الجديدة في اسرائيل) و(خرافة اليسار الإسرائيلي) و(الكهانستم) و(الصهيونية وما بعدياتها) و(الاستقصاء السياسي في تشكيل الحكومة الإسرائيلية) و (نتياهو ولائحة الاتهام) و(الإجابات الخاطئة على أسئلة صحيحة).

وفي العام 2020 واصلت الكتابة بذات الشغف، فعلى صعيد الكتابات الأدبية : (لكل أسير كتاب) و(أم عسكر) و(مجاز الخارج وانقلاب الأدوار في زمن الكورونا) و(جولة في وادي النسناس) و(صوت الأسرى ينبض من قلب الجزائر) و(امرأة من بلدي في اسكندنافيا) و(عرس آخر يضيء ليل السجن) و(شيفرة الحزن النوابية) و(كل التحية لمجموعة أكثر من قراءة) و(ذكريات الزمن الآتي) و(وداعاً أبا ضياء).

أما القصائد الشعرية هذا العام: ( نجم شحيح الضوء) و(في رثاء الجدة عريفة) و(نحن الوباء وأنت يا ملك الملوك لنا الدواء) و(وليس لنا أن نرى) و(أرتل هذا النشيد) و(دلني يا حلم) و(هنا/ الآن) و(من وحي اتفاقية إبراهام) و(أحب بلادي) و(القرن الأعمى) و(أنا لست يوسف).

وفي هذا العام نشرت عدداً من المقالات النقدية في حقل الرواية: (رواية بنت من شاتيلا – حكاية الجرح والغضب والأمل الفلسطيني) و(رواية عودة ستي مدللة – حكاية الإصرار الفلسيني على العودة والبقاء) و(رواية اروڤوار عكا والمفارقة التاريخية) و(الطفولة المحاصرة وسؤال الاختلاف في رواية أبناء الريح) و(رواية غريب النهر قلوب ترسم خرائط العودة) و(من يقاوم سحر امرأة الرسالة).

أما المقالات السياسية: (صفقة الإفلاس السياسي والاخلاقي) و(الترانسفير الإجباري) و(من يتذكر خارطة الطريق) و(النكبة) و(حكومة نتنياهو- غانتس) و(الرأسمالية والجائحة) و(الزمن الفضائحي) و(نهاية الصهيونية الدينية) و(نتنياهو الضم والتوسع) و(الحل المرحلي الدائم) و(انتكاسة مشروع الضم) و(البرغي والآلة) و(المشهد السياسي المتأزم في إسرائيل) و(دور يبحث عن بطل) و(سلام الردع الصهيوني) و(المتصهيونون العرب) و(العمل الوطني الموحد).

من الجهد المثابرة، ليس بهدف المناظرة بالإنجاز، وإنما لتسجيلها أولاً كي يتاح أمام القارئ أو الباحث أن يكون على اطلاع على هذه الأعمال. ومن زاوية ثانية لكي يتأمل القارئ أن كل مقال أو دراسة أو قصيدة أو مقالة نقدية إنما كانت تتفاعل مع الحدث السياسي والثقافي، وتحاول أن تنقل صورة ما يجري في السجون، وأن تبني جسراً بين القارئ والمثقف الفلسطيني والعربي بشكل عام.

إن هذا الزخم في الكتابات التي كانت تتناقلها المواقع الإلكترونية بشكل متواصل، خلقت نوعاً من التفاعل الثقافي وفتحت لنا نافذة الاطلاع من خلالها على هذا التفاعل، كما أتاحت لنا التعارف المباشر وغير المباشر على المئات من القراء والكتاب والمثقفين، وساهمت بإثراء النقاش والتفاعل ومدَ القارئ بالكثير من المعطيات عن واقع الأسر وأيضاً في الشؤون الإسرائيلية التي نتابعها بمثابرة وبشكل يومي.

كما ينبغي الإشارة إلى أن هذه الكتابات قد خرجت إلى النور بطريقة غاية في الصعوبة، واعتمدت في غالبيتها على التسجيل الصوتي، الأمر الذي تطلب جهداً كبيراً ممّن كانوا يتولون عملية التسجيل، واحتاجت -أيضاً- إلى استهلاك وقت ثمين على الهاتف يقدر بمئات الساعات. كما تطلب جهداً ومثابرة من قبل من كانوا يتولون طباعة هذه المواد وتدقيقها ونشرها.

كما أنوه بأن كثيرين غيري من الأسرى قد كتبوا بدورهم بهذا الأسلوب، وساهموا في إغناء العملية الثقافية والأدبية والتفاعل مع ساحة الخارج.

كميل أبو حنيش 

سجن ريمون الصحراوي