كتاب على شكل حلقات يكتبه الأسير الأديب كميل أبو حنيش..

الكتابة والسجن، الحلقة الحادية والعشرون "على شاكلة الفجر ومناخات ماطرة"

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif
المصدر / السجون-حنظلة

 

أحببتُ الشعر منذ سنوات الطفولة المبكّرة، وكان بوسعي أثناء رحلة حياتي حفظ الآلاف وربّما عشرات الآلاف من الأبيات والنّصوص الشعريّة، رافقني الشعر في مختلف فصول حياتي، حاولت نظم بعض القصائد الشعريّة في محطات مختلفة، لا سيّما مرحلة الجامعة، غير أنّ الانهماك في الأعباء والمهام ورحلة النّضال قد حال دون اهتمامي الكافي في تطوير ملكة الشعر أو حتّى اكتشاف إمكانياتها في داخلي. 

وفي مرحلة السجن، كانت لي بعض المحاولات التي بدأت منذ العام 2003، أكتب قصيدة شعرية على هامش وقت السجن المكتظ بالتفاصيل اليوميّة، غير أنّي أسارع لإتلافها في اليوم التالي، عدتُ لاستئناف قراءة النّصوص الشعريّة بعد انقطاعٍ لسنوات، بسبب الانهماك في الانتفاضة الثانية، وتأثرت كثيرًا بالإصدارات الجديدة لمحمود درويش الذي كنتُ قد قرأت نصوصه جميعها قبل السجن، حتّى ديوان لماذا تركت الحصان وحيدًا، غير أنّ قراءتي الجداريّة وديواني (حالة حصار) و (لا تعتذر كما فعلت) قد تركت تأثيرها البالغ في نفسي. وعدتُ بالتدريج إلى المطالعة في حقل الشعر ثم بدأت منذ العام 2005 بكتابة بعض القصائد التجريبيّة ولكن من دون انتظام. ومع الوقت بدأت ألمس أن بعض هذه القصائد يحمل في طياته شيئًا من الإبداع وأنّها باتت تتطوّر من عام لآخر. وأذكر أول قصيدة كنتُ قد نظمتها في سجن جلبوع في العام 2005 حملت عنوان (أحلم في حلمي)، وأرسلتها عبر البريد لصحيفة القدس وفوجئت بنشرها، ولم أكن في ذلك الحين أفكر بالنشر وأرسلتها عبر البريد فقط لاختبار ما هو مسموحٌ لنا بنشره بالصّحف. وكتبتُ بعدها عدة مقالات سياسية وأرسلتها عبر البريد وعلى ما يبدو أنهم لم يسمحوا بوصولها إلى الصّحف وبعدها توقفت عن النشر في الصّحف عبر البريد. 

أمّا قصائد الشعر فقد انتظمتُ في كتابتها ولكن بصورة متقطعة ربّما كان يسمح الوقت، وفي نهاية العام 2008 كانت قد تجمعت لدي عشرات القصائد المتنوعة، فأعدتُ تنقيحها في كراس وأطلقت عليها (على شاكلة الفجر) وكانت هذه القصائد تتناول موضوعات السجن والحبّ والحريّة والشهداء. 

حاولت مرارًا تسريب "الديوان" خارج الأسوار ولم أفلح، وصودرت المجموعة الشعرية أكثر من أربع مرّات، ومع تطور كتاباتي الشعريّة خلال السنوات اللاحقة وحتّى العام 2013، ألحقتُ بهذه المجموعة عدداً من القصائد الجديدة من بينها: (عناة)، (هل كان حلماً ما رأيت)، (فأل الحمام)، (الحبر الأسود)... الخ.

وفي عام 2011 علمت أنّه بالإمكان تسريب الأوراق عبر المحمول في سجن النّقب، فأرسلت هذه المجموعة الشعريّة إضافة للقصائد الجديدة إلى سجن النّقب. ولم أكن أعرف إن كانوا قد أرسلوها إلى الخارج أم لا، غير أنّني وأثناء إضراب نيسان 2012، التقيتُ مصادفة بأحد الشباب المضربين القادمين من سجن النّقب إلى سجن ريمون، علمتُ منه بأنّ كراسة الشعر بحوزته بعد أن عثر عليها في كومة النّفايات في أعقاب إحدى التّفتيشات من قبل إدارة السجن. وأنّه احتفظ بها لإنه استحسن قصائدها الشعريّة ولم يكن يدور في خلده أنّه سيلتقي بي. 

بعد انتهاء الإضراب سلّمني الشاب كراسة الشعر، فشكرته من كلّ قلبي. وأعدت قراءتها وإضافة المزيد من القصائد إليها. إلى أن صار متاحًا تسريبها في العام 2013، وطباعتها وتدقيقها لغوياً. وباتت جاهزة للإصدار بعد اطلاع عدد من المختصين عليها ونصيحتهم بضرورة إصدارها كأوّل ديوان شعريّ. 

ومع الأسف لم تجد هذه المجموعة طريقها إلى النّور حتّى هذه اللحظة فاضطررت لنشر معظم قصائدها على مواقع التواصل، ولاقت بعض هذه القصائد استحسانًا من القرّاء، وكتبت عن بعضها، عددًا من المقالات النقديّة. 

أما المجموعة الثانية فقد حملت العنوان (مناخات ماطرة) وقصائد هذه المجموعة كتبت في معظمها في العام 2011، وكانت محض قصائد غزليّة، كتبتها بأسلوب جديد، وتمكنتُ أيضاً من تسريب هذه المجموعة في العام 2013، وأحجمت عن نشر أي من قصائدها على الشبكة، وهذه المجموعة أيضًا لم تجد طريقها للطباعة. وقد أرسلتُ المجموعتين (على شاكلة الفجر) و (مناخات ماطرة) إلى عدد من الأصدقاء والشعراء من بينهم الشاعر فراس الحج محمد، والشاعرة آمال عواد رضوان، والكاتبة عفاف خلف والكاتب رائد حواري، وأبدوا ملاحظات مهمّة حول نصوص المجموعتين تراوحت بين الاستحسان والتشجيع على نشرها، وبين ضرورة التريث وإعادة تنقيح بعض القصائد. وبصراحة تلكأت ولم أتعجل في إصدار المجموعتين وركزت على إصدارات أخرى كالروايات والدراسات السياسيّة والنقديّة، ومع هذا ستجد هاتان المجموعتان طريقهما للطباعة في أيّ وقت. 

ويجدر أخيرًا التنويه بهذا الإطار، إلى أنّني أثابر منذ العام 2016 على نشر قصائد متنوعة على مواقع التواصل من دون تضمينها في مجموعة شعريّة، وقد تشكلت هذه القصائد التي حظيت بالاهتمام والكتابة النقديّة في العامين الأخيرين مادة لمجموعات شعريّة في المستقبل، وأنّه من الواجب أن أذكر عددًا من الذين ساهموا في طباعة وتدقيق هذه القصائد والكتابة عنها، منهم: شقيقتي ميساء، ورغد فنّة، وميرال الدّجاني، وأحمد المصري، وعفاف خلف، وأيمن فرحات، ومحمد شراقي، وإيمان الحاج إذ ساهم هؤلاء في الطباعة، كما تولّى أبو أحمد فنّة، وفراس الحجّ محمد، وزياد صبيح، ورشا الطرابلسي، وربا الأطرش من سوريّة، وجميلة سلامة من الأردن مهمة التدقيق اللغويّ، أمّا رائد الحواري وقمر عبد الرحمن، ومادونا عسكر من لبنان، وآمال عواد رضوان، فقد كتبوا عن هذه القصائد مقالات نقدية وسجّل البعض منهم عددًا منها بأصواتهم كقمر عبد الرحمن وآخرين، ممّا ساهم بانتشارها لدى القرّاء المهتّمين.

كميل أبو حنيش

سجن ريمون الصحراوي