كتاب على شكل حلقات يكتبه الأسير الأديب كميل أبو حنيش..

الكتابة والسجن، الحلقة العشرون، "وقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث"

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif
المصدر / السجون-حنظلة

لم أخطط سلفًا لهذا الكتاب، وقد ولدت حلقاته على حين غرّة، كنتُ قد أحجمتُ لسنوات عن الكتابة في مجال النقد الأدبي بعد تجربتي مع كتاب (جدليّة الزمان والمكان في الشّعر العربي) الذي استنزفني لسنوات، وكنتُ أخشى التّورط في كتاب مثيل له، يحول بيني وبين استكمال الكثير من الكتابات التي أخطط للشّروع في إنجازها.

ومع ذلك، وفي إطار كتاباتي في حقل المقالات المتنوعة، كنتُ قد كتبتُ على نطاق محدود بعض المقالات الأدبيّة، وكتبت مقالة نقديّة أسميتها (تأملات فلسفيّة في رباعيات الخيام)، ومقالة أخرى بعنوان (الثّورة حجر الزاوية في شعر مظفّر النّواب) ولقيت المقالتين استحسان القرّاء وبعض النّقاد، ونلتُ على مقالة الخيام شهادة تقديريّة من إحدى المؤسسات الثقافيّة العربيّة في الجزائر، وكنتُ أحرص في مكالماتي مع بعض المختصين والنقاد على السؤال عن رأيهم بهذا النوع من المقالات، فكان -مثلًا- رأي الدكتورة أمل أبو حنيش المختصة في الأدب العربي، أن أسلوبي في نقد وتحليل النص الشعري يعتبر جيدًا، وأنّه يشبع في الدراسات النقديّة الحديثة ما يعرف بالدراسات أو القراءات الانطباعيّة التي تعتمد على القارئ وقدرته على تذوق وتحليل النّص الأدبي، وكذلك كان هذا رأي الناقد فراس الحاج محمد، والصديق رائد الحواري إضافة إلى أصدقاء آخرين كالدكتور عبد المجيد حامد. 

شكّلت هذه الآراء والمواقف عناصر محفّزة لمواصلة الكتابة في مجال النقد الأدبي. أمّا عن بداية الكتابة في حلقات (وقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث) فكانت في شهر أكتوبر في العام 2019. وقد كنتُ قد انتهيت من كتابة رواية الجهة السابعة. وبات لدي الكثير من الوقت الفائق الذي ينبغي استغلاله بعملٍ مفيد.

قبل أسابيع قليلة كنتُ قد تلقيت ديوانين للشاعرة الشّابة شذا أبو حنيش. الديوان الأول بعنوان (حبٌ يحوم كبعوضة مزعجة) أما الثاني، فحمل العنوان (أغرتني الهاوية) أعجبتُ بنصوص الديوانين مع أنه لم تستهويني يومًا القصيدة النثريّة، وكنتُ أثناء مناقشاتي مع شذا على الهاتف عن القصيدة النثريّة برزت أسماء العديد من الشعراء والشاعرات. كما تعارفتُ خلال هذا العام على عدد من الشعراء منهم: عبد الرحيم الشيخ بعد أن قرأت ديوانه (سرّ الشفاء من الفرح) وكتبتُ قصيدة مستوحاة من نصوص الديوان ونشرتها بعنوان (سرّ الشفاء من الحنين)، وتعرفتُ أيضًا على الشاعر والناقد فراس الحج محمد، وأرسل لي عددًا من دواوينه الشعريّة وكتبه النقديّة، كما تعرّفت على الكاتبة عفاف خلف التي قرأت روايتها (لغة الماء)، وأرسلت لي ديوانًا شعريًا بعنوان (شغف الأيائل)، وكتابًا آخر مشتركًا بينها وبين الشاعر مازن دويكات بعنوان (حرائق البلبل على أعتاب الوردة) كما تعارفت هذا العام على الكاتب والقارئ النهم رائد الحواري الذي دأب على متابعة كتاباتي والكتابة عنها باستمرار، وعلى الشّاعرة نداء يونس والتي أرسلت لي ديوانها الجديد (كتابة الصمت)، وعلى الشاعرة إيمان زيّاد وأرسلت ديوانها (شامة بيضاء) و (ماذا لو أطعمتك قلبي)، وعلى الشاعرة آمال عواد رضوان وأرسلت ديوانها (أدموزك وتتعشترين). 

وكما ساهمت الحملة التي أطلقها الصديق المحامي حسن عبادي بعنوان (لكلّ أسيرٍ كتاب) في إيصال عشرات الكتب والروايات ودواوين الشّعر إلى السّجن، وهو ما مكنني من الكتابة عن عدد من هذه الروايات والدواوين الشعريّة، كما وتعارفت من خلال هذه الحملة على عدد كبير من الكتاب والروائيين والشّعراء سيجري ذكرهم في السّياق، وقد بدأت هذه الكتب تتراكم في بيتي، إلى جانب الكتب التي كان يجمعها فراس ورائد، وتلك التي يرسلها عدد من الأصدقاء، وبدأنا بعملية إدخالها للسجن مع كلّ زيارة عائليّة، ففي كل شهر نتمكن من إدخال بين 5-10 كتب.

كنتُ قد هيأت عددًا من الشّباب والشّابات الذين تطوّعوا لتسجيل هذه الحلقات وطباعتها ونشرها، وكانت البداية في أولى هذه الحلقات مع الشاعرة شذا أبو حنيش وحملت العنوان (تأمّلات وأحزان وروح التّمرد التي تفوح من بين النصوص الشّعرية للشاعرة شذا أبو حنيش). وكانت دراسة طويلة نسبيًا، سجلتها لدى محمد شرافي وتولّى طباعتها ونشرها لاحقًا. أما الحلقة الثانية فقد حملت العنوان (ثنائية الماء والنار في ديوان شغف الأيائل للكاتبة عفاف خلف) وكانت أيضًا دراسة طويلة وسجلتها لدى أحمد المصري وتطوّعت عفاف بطباعة المادة علمًا بأنّنا قد أعدنا التسجيل في بعض أجزاء الدراسة، وتولّت ميرال الدجاني تسجيل هذا الجزء، وإرساله لعفاف التي أنجزت الدراسة وجرى نشرها.

وحملت الحلقة الثالثة العنوان (رمزيّة الغيوم في ديوان شامة بيضاء للشّاعرة إيمان زيّاد) وسجلت الحلقة لدى أحمد المصري، وتولّى مهمة طباعتها، وجرى نشرها. 

أما الحلقة الرابعة فقد حملت العنوان (شمس الأنوثة المتوهجة في ديوان أدموزك وتتعشترين للشّاعرة آمال عواد رضوان). وقد احتجتُ وقتًا لإنجاز الدّراسة؛ لموضوعها العميق والشائك، وقد تم تسجيلها لدى محمد شرافي على مرحلتين، وكان محمد يضّطر لوضع الهاتف في درج المكتب لئلا يتداخل صوت التسجيل مع أصوات زوار المكتب في غزة، وتولى محمد طباعة قسم منها، فيما تولت رغد فنه طباعة القسم الثاني وجرى نشر الدراسة في آواخر كانون أول. 

أما الحلقة الخامسة وهي الدراسة الأطول من بين هذه الدراسات فحملت العنوان (المعنى والعدم في ديوان كتابة الصمت للشّاعرة نداء يونس)، ومثل المرّة السابقة سجلت لدى محمد شراقي على قسمين، تولّى هو طباعة قسم وتولت رغد طباعة القسم الثاني، وجرى نشرها على المواقع على مرحلتين؛ لأن حجمها كان كبيرًا. 

ومع مجيء العام 2020، وظهور أزمة وباء الكورونا وانقطاع الزيارات العائلية، وما خلفه الوباء من اضطرابات، وصلت إلى السجن مجموعة جديدة خلال الأشهر اللاحقة ضمن حملة (لكل أسير كتاب) وأتاحت لنا الاطلاع على المزيد من الإصدارات والكتابة عنها، وتعارفنا على المزيد من الكتّاب والشعراء والنقاد من بينهم: أكرم مسلم، ومازن دويكات، وروز شوملي، وإسماعيل الحاج، وأسامة ملحم، ومرزوق حلبي، وأماني الجنيدي، ومصطفى عبد الفتاح، ورجاء بكرية، وحنان باكير، وقمر عبد الرحمن، وعادل الأسطة، وابراهيم جوهر، وجمعة الرّفاعي، وعبد السّلام عطاري، ورزان بنورة، وكتاب وروائيّون آخرون من خارج فلسطين. 

اقترح عليّ فراس الحاج محمد كتابة مقالات نقدية عن الروايات إلى جانب الشعر، غير أنّني لم أتحمس في البداية؛ لأنّني لم يسبق لي الكتابة في هذا الشأن، غير أن فراس شجّعني على المحاولة، وكانت البداية مع رواية (بنت من شاتيلا) لأكرم مسلم، والمقالة الثانية عن رواية (عودة ستي مدللة) لمصطفى عبد الفتّاح، والثالثة عن رواية (بيت النملة) لأماني الجنيدي، والرابعة عن رواية (ارفوار عكا) لعلاء حليحل، والخامسة عن رواية (أبناء الريح) لليلى الأطرش، والسادسة عن رواية (غريب النهر) لجمال ناجي، والسابعة عن رواية (امرأة الرسالة) لرجاء بكرية، وقد لاقت هذه الكتابات استحسانًا من جانب القراء والنقاد.

غير أنّني واصلت الكتابة في حلقات الوقفات الشعريّة، فقد كانت الحلقة السادسة في هذه الحلقات مخصصة للشاعر فراس الحج محمد، وحملت العنوان (الحب والغضب والحزن في نصوص الشاعر فراس الحجّ محمد)، والحلقة السابعة حملت العنوان (الرسائل والتساؤلات في ديوان (الرساؤلات) للشاعر أسامة ملحم). والحلقة الثامنة حملت العنوان (الوطن والإحسان بلغة التراب في ديوان (واقطف صمت التّراب الجميل) للشّاعرة فاتن مصاروة. أما الحلقة التاسعة والأخيرة فحملت العنوان (تأملات ومواقف وثنائية الوطن والمنفى في ديوان في مديح الوقت) للشّاعر مرزوق الحلبي، وقد نُشرت هذه الحلقات كافّة.

ويجدر التّنويه إلى أن من تولّوا تسجيل هذه الحلقات إلى جانب القراءات النقديّة في الروايات سالفة الذكر، وطباعتها وإعدادها للنشر هم: شقيقتي ميساء ونداء والعزيزة صفا تركي، والأصدقاء: محمد شرافي، وأحمد المصري ومالك الشنباري. وتولّى الصديق ثائر حنيني من طرفي في السجن أمر تسجيلها وتسريبها لخارج السجن. 

كما وأنجزتُ مقالة نقدية في هذه الفترة حملت العنوان (شيفرة الحزن النّوابية)، وتولّى مركز حنظلة أمر طباعتها ونشرها. 

وبعد هذه السلسلة من الحلقات في القراءات الشعرية والمقالات النقدية في الروايات السالفة الذكر، وغيرها من المقالات النقدية المنشورة منذ سنوات، ظهرت فكرة إعدادها جميعًا وإعادة تحريرها وطباعتها في كتاب. وقد رحب العديد من الأصدقاء بهذه الفكرة، وأبدى الصديق فراس الحج محمد استعداده لإعادة تحريرها وكتابة تقديم للكتاب الجديد. 

وشجعني أيضًا فراس، على عرض الكتاب على وزارة الثقافة وبالفعل تواصلت مع الوزارة وتحدثت مع الشاعر عبد السّلام العطاري المسؤول عن قسم المطبوعات في الوزارة، ورحب بالفكرة، وتعارفت أيضًا على الوزير عاطف أبو سيف الذي أبدى استعداد الوزارة لطباعة أيّة مادة تخرج من السجن.

وأثناء مطالعة فراس لمادة الكتاب الجديد، اقترح عليّ فصل الدراسات الشعريّة عن المقالات الأدبيّة الأخرى، وإصدار الكتاب بما يحويه من دراسات ومقالات عن النصوص الشعريّة وحسب، وقبلتُ اقتراحه على أن أعمل على إصدار آخر في المستقبل يشتمل على المقالات النقديّة الخاصة بالرواية. 

وأثناء الحديث عن الكتاب مع عبد السلام العطاري اقترح بدوره أن تقتصر مادة الكتاب على حلقات الشعر الفلسطينية وحسب، وهي الحلقات التسعة التي نشرت تحت عنوان (وقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث)؛ لأنّه 

-وحسب رأيه- من غير المناسب أن يشتمل الكتاب على الشعر الفلسطيني الحديث مع شعر النّواب والخيّام. 

وكان اقتراحه جيدًا، ووافقتُه على الفور واستقر المشروع على العنوان (وقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث) حيث قبلته وزارة الثّقافة مشكورةً، وبدأت في إجراءات إعداده ليكون جاهزًا للطباعة في نهاية العام 2020.

كميل أبو حنيش 

سجن ريمون الصحراوي