كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

لا تُحيوا ذكرى جيفارا

١٠-٢٢-١٢-rdyhO.jpg

بقلم: دعاء الجيوسي

رجل من حديد كان محمد الأسود لاجئاً يعرف موقعه ودوره ويتلمس طريقه بفطنة الفقراء وألمعية أبناء المُخيم.

ولمحمد بأسمائه المتعددة دواس البحر وجيفارا غزة وغيرها من الكُنى سواء التي نعلمها أو تلك التي ظلت تغوص في بيئة العمل السري ولم تخرج للعلن حيز واسع في ذاكرة أجيال من الفلسطينين الذين جائهم كواحة توسطت صحراء النكبة والنكسة وما بينهما من مجازر ، وبالقطع فإن هذا الحيز يتسع لدى أبناء الحزب الذي إنتمى إليه وقاتل من خلاله.

ورغم التكريم المتواصل لجيفارا منذ إستشهاده الملحمي حتى اللحظة إلا أنه غُبِن بقدر ما كُرِم ودُفعت تجربته كي تكون صنمية أكثر من زجها في ميادين العمل والنَضال لتوثيقها أولاً ولإستخلاص العبر والدروس ثانياً على طريق إنصاف الرجل والمراكمة على ما بناه.

 

فلو عدنا مع الزمن إلى حقبة النار في غزة نجد الرفيق حاضراً في تفصيلاتها مُقاتلاً وقائداً عسكرياً وجماهيرياً ومُنظراً ومُصلحاً إجتماعياً...أما إن إنتقلنا للسنوات التي تلت إستشهاده نجد أن حالة التكريم والتغني بالمآثر بدأت تزحف على التجربة شيئاً فشيئاً وتحديداً بعد أن تقاطر روادها للسجون والمقابر وعلى هذا المنوال سارت الأمور بمد وجزر وصولاً إلى مرحلة الإنتفاضة الأولى التي إنهمكت فيها الفصائل والجماهير الشعبية ولم يعد مُتسع لأحد كي يلتفت للقضايا البحثية إذ إلتهم الميدان المُشتعل الوقت والجهد وحتى الكادر الكفاحي فزحفت المزيد من مظاهر التقديس على تجربة محمد الأسود وزياد الحسيني وغيرهم من رواد حقبة السبعينات..وبعد رحلة الإشتباك خلال الإنتفاضة جاء أوسلو وزمنه العجائبي مُحدثاً صدمة عامة وزلزلاً لا زلنا نُعاني إرتدادته مع ما تحمله من هبوط وسقوط وتردي إنسحب على كُل شئ فما عاد للشهيد القدسية ذاتها ولا لحالة الإشتباك مع العدو الأولوية المعهودة وعليه حتى المظاهر الإحتفالية لتكريم الشُهداء باتت بالنسبة لنا أمنية وحنيناً.

ما أود قوله في مرثيتي هذه لواقعنا إن جيفارا غزة ورفاقه الرواد الأوائل كانوا بشراً مثلنا أحبوا وشعروا بالخذلان تمردوا وقاتلوا ومن ثم مضوا نحو المقابر والسجون أو أقعدهم الزمن الرديئ في بيوتهم تأكلهم الحسرات...وعليه فإن ما عاشوه وآمنوا به وقاتلوا لأجله أكبر من أن يُدفن في كرنفالات إحتفالية أو بيانات موسمية أو حتى التغني بماضٍ يبدو أننا أضعناه.

إن تجربة جيفارا أسيراً ومقاتلاً وشهيداً بكل ما فيها من تفاصيل تستحق أولاً أن نُخرجها من ضيق العمل المكتبي إلى الشمس لتحيا بين الجماهير تُعلمها وتتعلم منها عسانا نُفلح في إكمال ما بدأه شهيدنا ناراً ورصاص وكفاح لا يهدأ فما كان محمد الأسود رجل خطابات ولا بروتكول كي نسجنه نحن في هذا القالب إن من عاش في السجون وخنادق القتال تضيق به الدنيا إن غادر ساحات الإشتباك ومن توسد الكارلو ستاف لا يرتاح لوسائد المُرفهين ومن توشح بالكاكي لا تستهويه الياقات البيضاء ولا أصحابها....المجد لجيفارا غزة ورفاقه ولا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها.