كتاب على شكل حلقات بقلم الأسير الأديب كميل أبو حنيش..

الكتابة والسجن، الحلقة السابعة عشر "إشكالية الآخر في الفكر الصّهيونيّ"

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif
المصدر / السجون-حنظلة

طوال السّنوات الماضية، دأب صديقي الدّكتور عقل صلاح والمتخصص في الشّؤون السّياسية، على متابعة كتاباتي التي أنشرها على المواقع الإلكترونيّة، وكان دائمًا يحثّني على مواصلة الكتابة في الشّأن السّياسي، والنّأي عن الكتابة في مجال الأدب.

وكلما نشرتُ مقالًا أو دراسة سياسيّة، كان يوجّه انتقاداته اللاذعة لي بعد امتداحه للمقالة أو الدّراسة، فيقول: لماذا لا تنشر دراساتك في مجلات محكمة؟ 

فأجيبه: 
- أنا لا أحفل بذلك، المهم أن أكتب مادة جيّدة، وأنشرها ليتاح للناس قراءة ما أكتب.

- لكن نشر الدّراسات المحكمة تساعدك في الدّراسات العليا مستقبلًا.

- لستُ متحمسًا، وإذا تحررتُ من السّجن سيكون لكل حادثة حديث.

كنتُ في العام 2018 قد نشرتُ عدة دراسات سياسيّة: الفلسطينيون الحمر، مقاربات في نظرية التخلف، والقلعة... إلى جانب بعض الدّراسات النقديّة، وكان الدّكتور عقل يمتدح هذه الدّراسات ويلح عليّ ضرورة نشر مثل هذه الدّراسات في مجلات محكمة إلى أن وافقتُ على مضض، وذلك قبل انتقالي إلى سجن (هدريم) في خريف العام 2018، كنّا قد اتفقنا على نشر الدّراسة القادمة في مجلة المستقبل العربيّ، وهي من أبرز المجلات المتخصصة في العالم العربيّ، واستقر رأيي على دراسة بعنوان: (إشكالية الآخر في الفكر الصّهيونيّ) وكانت الدّراسة شبه جاهزة وتحتاج إلى القليل من المراجع، كما كنت أنا وعقل قد ناقشنا فكرة أن نعمل على كتاب مشترك عن المجتمع الإسرائيليّ واستقر الرأي مبدئيًا أن يبحث الكتاب في مسألة هويّة هذا المجتمع وتناقضاتها...

غير أن انتقالي المفاجئ إلى سجن (هدريم) حال دون الانتهاء من الدّراسة ومتابعة الكتاب المشترك مع أنّني كنتُ قد أنجزت معظم الدّراسة، وجمعت مادة بحثيّة جديدة في موضوع الهويّة وتناقضاتها في المجتمع الإسرائيليّ. لكني وجدتُ أنّ الانتقال إلى (هدريم) سيمكنني من الانتهاء من دراسة الماجستير، حيث كانت قد تبقت أربع مواد يمكنني الانتهاء منها في هذا الفصل كما يمكنني الاستفادة من مكتبة السجن الثريّة بالمراجع والدّوريات وهذا ما حدث؛ حيث صرفت وقتي في القراءة والبحث إلى أن جمعت مادة مهمّة تكفي لأكثر من دراسة، وسجلتها في كراساتي.

بعد عودتي لسجن (ريمون) في أوائل شباط 2019، وإنجاز قصّة (عقدة العصفور) باشرتُ في وضع اللّمسات الأخيرة على دراسة (إشكالية الآخر في الفكر الصهيوني). حاولت الدّراسة أن تبرز الطّبيعة الاستعماريّة والعنصريّة للفكر الصّهيونيّ، وأنّه لا يمكن لهذا الفكر أن ينتج ثقافة إنسانيّة تسمح بإقامة علاقات إنسانيّة متوازنة مع كل ما هو خارج عن الانتماء للتّشكيلات الاستعماريّة من ناحية، ومع كلّ ما هو خارج عن الذّات الصّهيونيّة، اليهوديّة ودولة إسرائيل من ناحية أخرى.

وتلخّص الدّراسة نظرة الفكر الصّهيونيّ للآخر، وما ينطوي عليه هذا الفكر من تصورات استعماريّة استشراقيّة، ومضامين يهوديّة توراتيّة عنصريّة.

فور الانتهاء من الدّراسة، واجهتُ مشكلة تسريبها بطريقة التسجيل الهاتفي، إذ أن بقاء التّوتر سائدًا في القسم وقلّة استخدام الهواتف واقتصارها على الاستخدام الضّروري وبدقائق محدودة في اليوم، قد حال دون إمكانية تسريبها، ثمّ جاءني الصّديق بهاء الشبراوي وهمس لي قائلًا: 

- سأساعدك في إخراج الدّراسة بصورة سريعة وأفضل من التسجيل. 

شكرته وفعلًا كنا قد سرّبنا الدّراسة خلال دقائق قليلة، ووصلت عند أيمن فرحات في غزة الذي باشر في طباعتها. أنجزها أيمن سريعًا وأرسلت عبر الإيميل للدكتور عقل الذي عاينها وتولّى مهمّة إرسالها إلى مجلة المستقبل العربيّ في بيروت على أن تعرض على لجنة تحكيم المجلة. 

انهمكت في اليوم التّالي (أواسط شباط) في العمل على الكتاب المشترك مع الدّكتور عقل، وبعد شهر تفاقم الوضع بيننا وبين إدارة السّجن، بعد نقل قسم 7 إلى قسم 1، وتعرضنا للقمع الشّديد بعد إحراق القسم، وهو ما سأروي عنه في الحلقة القادمة.

وبعد العودة إلى قسم 7 في شهر نيسان، علمتُ أنه جرى تحكيم الدّراسة، وسيجري نشرها قريبًا على صفحات المجلّة.

وبالفعل نشرت الدّراسة في مجلة المستقبل العربيّ في الأوّل من تموز من العام 2019.


كميل أبوحنيش 
سجن ريمون الصحراوي