كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

شبح وحكايا (2)، بقلم دعاء الجيوسي

IMG-20210109-WA0003.jpg

بقلم: دعاء الجيوسي.

رُفع السوط...إختنق الصوت...غادر الجلاد وعدنا للحكواتي السجين....

في غشاشة الصبح...مع رعف الجرح قال عامود الشَبْح...

أنا يا ملح الأرض....يا معطي قلبك للبلاد نافلة وفرض ، شربت دماء لو كانت مُداماً لأثملت أبا نواس وأفقدته الحواس...

تحتي هنا نزف أبو الفحم...وتكوم الراعي أكداس عظم...هنا ذوت روح العكاوي وذاب اللحم....عزيزي المشبوح إني اليوم غير رائق المزاج فمي مُرٌ كمن كرع من ماء أجاج...إن أردت المزيد فدونك هذا المُدلى من الجدار لا يغرنك شكله والعث والصدأ يعلوه...فهو راوٍ حاذق يُخزن الحكايا مُذ إلى الجدار علقوه.

صرير عالي أزيز وإحتكاك ثم هدوء تلاه صوت قاص جديد قال القيد : 

يا سيد الأسماء ومُنَسَب الأباء....في البدء أرجو أن تعذر ركاكة بياني ورطانة لساني فلغتكم التي باتت لغتي لا تزال بحورها عميقة لم أسبرها وفيها فنون كلم لم أَخبُرُها...

أنا يا رفيقي في الداء وقسيمي في بغض الأعداء خرجت للدنيا من رحم جبال اللورين...طوعني حداد من الفرنسيس برم بزوجه متشائم من بُرجه....ولسوء الطالع شَكَلني سلسلة تذمرت ثم حمدت الله أنه لم يعطني هيئة المقصلة....المهم يا سرمدي العذاب وُمُشَرِع للفجر ألف باب...نُقلت من بين يدي صاحبنا الحداد....إلى وكر القهر والإستبداد لا تعجب ، إلى الباستيل أخذوني وعلى جداره علقوني فشهدت بلايا وسمعت حكايا إلى أن اعتمل المرجل وفاض الكيل بعد طول ليل فداهم الفرنسيس الحصن لم يمنعهم قدرة إنس ولا معاجز جن...وبين الفرنسيس جاء خبيث دسيس عرفته من قبعة صغيرة يدلي من تحتها ضفيرة....كان الناس في هرج شديد للبغاة يكيلون الوعيد إلا صاحب القبعه . قيود الحديد شَدته وباتت الزنازين مرتعه...سأل عن فنون التعذيب ، دونها في ورقة وضمها لصدره ضم الحبيب ثم حملني وغادر...أسفل شمعدان خبأني بأكداس كتب تعلوها نجوم سداسية دثرني...وبات كل يوم يتلو عليّ أخبار الشتات والميعاد والبلاد ، السبي المزعوم والتسيد على البشر كوعد محتوم....

سمعت في محبسي عند الخبيث عن الكابلاه ورب الجنود....ونقاء دم البشر...لم يقنعني شئ فأنا بالأساس أعلم كل قصة مملكة الخزر....

في أربعينات القرن الماضي من محبسي ذاك أخرجوني على ظهر سفينة ألقوني وفوق شاطئكم هذا سحبوني...في البدء زنروا بي بوابة كيبوتس...ومن ثم مقهى فملهى بعدها أتوا بي إلى هنا...

وفي رحلتي هذه باتت بلادكم بلادي آراها أجمل ما في الدُنى...

في سنواتي العشرين كنت صامت لثقتي أن مُفردي هجين لا يفهمه فلاح عالمه محراث أرض وطين....

وبمرور العقدين ولهول ما رأيت قُلت أسدد لبلادي الجديدة الدين....

فبت قاص السجون...باعث الشجون...أرشيف المأسورين رفيق رقيق على أيادي المشبوحين أحدثهم عن الباستيل فيوقنوا بنصر وفجر وإن بات الهم ممتد طويل...

وفي محبسنا هذا سمعت ورأيت ما لم يحدث في قلعة رعب البوربون ولم تسجله مراجع السوربون....

رأيت الموت إلهاً يعبده مُتصهينة الخزر...سادية لا يتخيلها بشر ولا حجر...

هنا يا خليلي سحقوا العظم....حرقوا اللحم....إقترفوا كل ما يوصل للجنون....لا والله ما هذي بسجون.....هذه محرقة حقة....هؤلاء خلائف النازية والسادية والأساطير المعتقة....

حتى معبودهم لم يقدسوه....تابوتهم المفقود أحرقوه...

هذي السحن الغريبة...واللغة العجيبة....هذي المعتقدات بباطنيتها المريبة...ليسوا إلا موجة في بحرنا ستنقضي....صنو كل معتدي...

تبدد اليأس ....علا ثم هبط كيس الرأس...وجاء من خلفه الصوت مخنوقاً ولكن ذي بأس...إصمت رفيق الحبس....فالخطى منا تقترب والسوط سيأخذ دورته ليعد كل منا لخلوته....ولنا بقية حديث لن تخبو شعلته...

دخل السجان...غربان المنية تَحُف جبهته...وبدأت دورة الموت فبلغ الوجع ذروته......