كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

يا أيها المُدَثر

c9e1fe8b-55d0-4f55-a420-77aba81c8bed.jpg

بقلم: دعاء الجيوسي

يا أيها المُدثر يا من ترفل في الدفء وتتفيء ظل عيني أطفالك وذويك في هذا الجو القاس...أعتذر مُسبقاً عن إخراجك من جوك العائلي وتشتيت ذهنك عن التفكير في ولائم الحلوى وَمُزَوِدات الطاقة أغمض عينيك وهب أنك الآن تقطن زنزانة تتوسط أحراش الكرمل الموحشة الماء ينساب من بين يديك ومن فوق رأسك.... فضلات الثياب التي أبقتها سنوات السجن الطويلة غرقت في سيل المياه...الأغطية المُمزقة طَفت على وجه السيل فإنكشفت ثقوبها ،قذاراتها و ما جاهدت طويلاً كي تُخفيه...
تَخَيَل المشهد وسط كل هذه السريالية يدهمك ضباط الإدارة لإجراء عددهم الإستفزازي وقد خرجوا لتوهم من مكاتبهم ذات التدفئة المركزية وأتوك تَلُفهم المعاطف وثقيل الثياب لم يلتفتوا لكوارث الزنزانة نفذوا مهتهم بشكل ميكانيكي ثم عادوا لأحضان الدفء من جديد.

أعذرنا أطلنا عليك ولكنك ستعود لِحِصنك العائلي الدافئ بعد قليل ولكن سر معنا صوب نفحة أولاً...إصعد جبلاً وإهبط وادياً يا لحسن حظك ....ها أنت تنتقل من مكان لآخر بذهنك أما نَحن فَنُنقَل بين الأماكن التي ذكرت وغيرها مكبلي الأيدي في سيارات صُممت لتكون ثلاجات مُتنقلة في مثل هذه الأجواء وعند وصولنا المكان المُراد لنا لا ندخله إلا بعد روتين طويل يتخلله أسئلة مُكَرَرَة وثياب تنقط ماءً وأسنان تصطك حتى يبدو أنها ستخرج من أماكنها.

وبعد طول عناء تَحلُ بالمعبار وليس فيه أهلاً ولا تبدو أرضه سهلاً و عليك أولاً أن تجد لنفسك مكاناً بين فيض مياه الأمطار التي ترشح من السقف والمياه العادمة التي تُقسم عليك ألا تُغادر مرابعها قبل أن تعطيك حماماً تايلاندياً كاملاً يترك أُثره وعطره على ملابسك وجلدك ويرافقك إلى الأقسام إن كان حظك جيداً ونُقِلت إليها قريباً.

في الأقسام يا دام دفؤك وإستطال عِزُك...
تَجد ما لا يوصف....أجساد هزيلة لا تعبير لديها سوى إبتسامات مخنوقة أسنان تصطك وكرم حاتمي حقيقي...أحدهم أو إحداهن يتبرع بسترة ينزعها ويلقيها عليك وآخرون أو أخريات يأتونك بأغطيتهم الشخصية يُدثرونك بها ويبحثون في الزوايا عن طعام يُمكن للقادم الجديد أن يَسُدَ رمقه به.

فأيهما أكثر دفئاً تَدثرك بثقيل الثياب وفرش البيوت أم تَدَثرنا وتزنرنا بالكرامة وظل الأرض وفي سبيلها ثِقَل القيد.