كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

الانطلاقة في السجون، الجزء الثالث، "تكامل حَشد الجيش وبدأنا الزحف"

IMG-20201208-WA0009.jpg
المصدر / حنظلة

بقلم : دعاء الجيوسي

في مقالي السابقين سردت ذكريات إحياء إنطلاقة الجبهة الشعبية في محطتين الأولى في سجن الرملة والثانية في الشارون خلال المرحلة التي ازدادت فيها أعدادنا قبل أن تُولد منظمتنا الحزبية التي ستحمل خلال السنوات اللاحقة إسم مُنظمة الشهيدة شادية أبو غزالة.

بعد العام 2007 كنا مجموعة تربو على الأربعة عشر رفيقة في سجن الدامون جزءً منا إِعتُقِل على خلفية تنفيذ عمليات فدائية من خلال الجبهة الشعبية وكتائب أبو علي مصطفى وجزء آخر إِعتٌقِلن وهن ينتمين لفصائل العمل الوطني الأُخرى وخلال فترة الأسر إنتمين للجبهة الشعبية وإنتظمن في صفوف منظماتها الأسيرة.

وبازدياد عددنا بتنا قوة تحسب لها الإدارة حساباً إرتباطاً بتجاربها معنا في التحقيق والصورة السائدة لرفيقات ورفاق الجبهة في الأسر بأنهم مقاتلون عقائديون أو على رأي ضابطة مخابرات سجن الدامون مايا (روسهم أيبس من الصخر).

وبسبب كل ما ذُكِر وغيره من تناقضات حياة السجن اتخذت قيادة منظمة الشهيدة شادية أبو غزالة آواخر نوفمبر لعام 2008 قراراً بأن تُحيا ذكرى الانطلاقة بشكل مميز يُحفر في ذاكرة السجن وإدارته طويلاً وهذا ما كان بعد مخاض عسير وأيام طوال قضيناها نُحاول تهريب مستلزمات اليوم الموعود فنجحنا في توفير بعض المقومات وفشلنا في تأمين الجزء الآخر ولن أُعطي تفاصيل هنا حتى لا نُحرج رفيقات القيد الباقيات في السجن إن كانوا لا زالوا يستخدموا بعد طُرقنا المجنونة في نقل الرسائل والمستلزمات بين الأقسام.

المهم أننا وصلنا صبيحة يوم الخميس 11/12/2008 ونحن نرى في أنفسنا جيشاً بعظمة الجيش الأحمر السوفيتي وهو على أعتاب برلين , خرجنا عند الثامنة من صباح اليوم المذكور للفورة انتظمنا في طابورين ركضنا في الساحة فهدأ روع الإدارة قليلاً وقَدرت أننا لن نفتعل أي مشكلة في السجن فجأة وبعد إتمام نصف ساعة متواصلة من الركض وعندما تراخت مراقبة ضباط الشاباك والشرطة أوقفنا الركض فجأة وأخرجنا من طيات ملابسنا منشوراً موحداً كنا قد نسخناه في الأيام السابقة بخط اليد عشرات النسخ وبدأنا نوزعه على الأسيرات وألقينا الفائض من المناشير في الهواء واحتفظت بنسخة واحدة كنت أنوي أن أُشهرها سلاحاً في وجه ضباط المخابرات عند التحقيق الذي حدث كما توقعته.

إذ أنه وفور تنبه الإدارة للمنشورات التي توزع في فورة السجن قدمت ضابطة المخابرات وإقتادتني برفقة مجموعة من الشرطيات وعناصر مصلحة السجون لمكتبها وقالت بعد تنهيدة طويلة وبلغة عربية ركيكة : أه دعاء وبعدين مناشير في السجن إيش ضايل ممكن تعملوه.

لم أرد على سؤالها بأكثر من أن ناولتها المنشور فناولته بدورها لضابط دُرزي إسمه كميل وقالت اقرأ بماذا تُهددنا الجبهة الشعبية هذه المرة

قرأ كميل افتتاحية البيان والتي أذكر منها:

(يا أسيرات وأسرى الحُرية,,,,

أيها الزاحفون نحو الشمس,,,,

في ذكرى الانطلاقة منظمة الشهيدة شادية أبو غزالة عرين الإستشهاديات تعاهدكم بمواصلة الكفاح حتى كسر القيد وكنس الغزاة عن أرضنا.... قرأ طويلاً حتى وصل الخاتمة فقرأ منها...العزة لشعبنا...عاشت السواعد المُقاتلة...الموت للصهاينة....سنصنع من جماجم الأعداء جسراً للحرية والعودة.

وقفت مايا إنتفضت كمن لدغتها أفعى وقالت على جماجمنا يا دعاء أجبتها بصوت عالي وستكون جمجمتك في المقدمة وعندما نفتح بوابات الجحيم ستلعنين وأمثالك هرتسل وبن غوريون وبلفور ألف مرة على المصير الأسود الذي قادوكم إليه....

إنتهى السجال إلى هنا وبعده بساعة كنت في العزل الإنفرادي وأُبلِغتُ بحرماني من الزيارة لستة أشهر وكانت الرفيقات في الخارج تعرضن لقمع عنيف ووزعن على غرف الفصائل الأخرى... أمضيت في العزل ثلاثة أشهر وعندما غادرته كانت الرفيقات يتوافدن من غُرف الفصائل تباعاً....إستمرت المسيرة وستستمر حتى التحرير الكامل...دامت الثورة وعاشت السواعد المٌقاتلة.

إنتهى.