كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

في الزمن القاسي...القيد والمرض لا يشبع سادية السجان

IMG-20201207-WA0013.jpg
المصدر / حنظلة

تقرير: دعاء الجيوسي

إن دخلت السجون الصهيونية أو مررت بمراكز التوقيف فلك أن تفتح باب التراجيديا عن آخره وتتلو على من يسمعك فصولاً قاسية واحداً تلو الأخر , وأن لم تدخل وكنت تحيا على أرض فلسطين فلم تفتك الفرصة بعد ولا زال الباب مُشرعاً كي تَلِجَ منه إلى عالم القهر السرمدي في أية لحظة.

ففي السجون أسماء كثيرة وأكداس من الأوجاع والعذابات تكفي لِتُغطي عين الشمس وتردم سور الصين على عظمته فيها سَلب للحرية عذاب وحرمان وأعمار تنساب من الأيدي كحفنات رمل تذروها الرياح وفيها شكل جديد إبتكره السجان ليزيد الويلات ويلاً ويُهرق ما تبقى من حياة في عروق الأسرى الذي يعود واحدهم للتحقيق بعد أن يكون أتم داخل سجنه عقداً أو عقدين من الزمن.

وإن كان التحقيق بمعناه القانوني يأتي لتقديم إجابات على أسئلة لدى الجهة التي تقوم به ويهدف بمرماه النهائي لحل ألغاز قضايا ومعرفة خباياها ومنفذي المهمات التي تحويها فلنا أن نتخيل أسير أمضى في سجون الاحتلال ذات الرقابة الصارمة بشرياً وتقنياً عشرة أعوام أو يزيد ما هي المهمة التي نفذها والتي تدفع جهاز الشاباك للتحقيق معه وما هي الأسئلة التي يطرحها على إنسان أمضى أعواماً طوال يأكل ويشرب ويتنفس بل ويقضى حاجته تحت ناظريه قد يبدو ما سردته من تفاصيل مأساوياً وإجرامياً للدرجة التي تدفع القارئ أنه لا يوجد جهاز مخابرات على ظهر الأرض يقترف هكذا حماقة ولكنه يُصبح واقعياً ومُصدقاً إن عززناه بأسماء سرى عليها نفس السيناريو الذي لم تتفتق عنه عقلية الاحتلال لغباء أو قلة خبرة في العمل الأمني وإنما جاء تعبيراً جلياً عن روح الإجرام المتأصلة في نفوس الصهاينة والقرار المُسبق بقتل الأسرى فسيولوجياً إن أمكن ذلك وسيكولوجياً إن لم يمكن.

ومن الأمثلة الحاضرة في هذا السياق الأسير وائل الجاغوب من نابلس والذي إعتُقِل مطلع انتفاضة الأقصى وبعد مكوثه في السجن أعاده جهاز المخابرات للتحقيق وعندما فشل في تلفيق تُهم جديدة له نقله للعزل الانفرادي وقد حدث بعد ذلك ما هو معروف من اضطرابات في السجون وإضراب عن الطعام لأسرى الجبهة إنتهى بتعهد مصلحة السجون نقله من عزله إلى عزل آخر.

مثال آخر لا يغيب عن الذهن قضية الكاتب الأسير كميل أبو حنيش –من قرية بيت دجن في نابلس الذي نُقل للتحقيق أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية علماً أنه معتقل منذ ما يُقارب الـ 17 عاماً بمعني أنه لم يَقم بشي يوجب إعادته للتحقيق كما أنه محكوم بالسجن مدى الحياة ما يعني أن اكتشاف أي قضية شارك أو أمر بتنفيذها حتى لو كانت إغراق السفينة (باتريا) أو تفجير مفاعل تشارنوبل لن تُضيف لسجنه المؤبد سجناً آخر لنصل بالمحصلة لنتيجة مفادها أن ما حدث معه وغيره من الأسرى جاء كمبرر لممارسة أقصى أشكال التعذيب على أجسادهم وأرواحهم لا أكثر.

 

آخر الأمثلة التي تناهت إلينا من داخل السجون والتي بالقطع لن تكون آخر الجرائم المُقترفة بحق الأسرى هي تحويل الأسير جميل عنكوش من قرية دير أبو مشعل في رام الله للتحقيق في مركز توقيف المسكوبية قبل أيام وبمتابعة التفاصيل مع المصادر العائلية وحتى رفاق القيد تبين أن جميل شعر بتوعك صحي مؤخراً فطلب أن يُنقَل من سجن ريمون الذي كان يقبع فيه إلى سجن إيشل لأنه سمع ذات مرة أن العلاج فيه أفضل قليلاً من ريمون وهنا قامت الدنيا ولم تقعد فإكتشف جهاز الشاباك لغز أسر شمشون في غزة وتعرف إلى قتلة الكونت برنادوت وٌمشغلي معسكر أوشفيتز ووضعهم في شخص أسير مريض معتقل منذ 18 عاماً وقاده للتحقيق ليعترف على شركائه الذين قد يكونوا ساهموا برفقته في هدم سد مأرب أيضاً.

وأمام هذه الحقائق لجهاز الشاباك الصهيوني ومن يُشَغِل مُجرميه أن يُبرر ذلك بشكل من إثنين: إما بأنه يعمل ضمن منظومة غباء غير مهنية وهذا يتنافي مع الصورة التي يرسمها لنفسه , أو يعترف أنه يُحاول قتل الأسرى بشتى السُبل وهذه جريمة بقوة وحجية الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.