كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي في ذكرى استشهاد عز الدين القسام..

عز الدين القسام والدروس التي لم تُستخلص بعد، بقلم دعاء الجيوسي

IMG-20201121-WA0001.jpg

 

صادفت يوم 2020/11/20 الذكرى الخامسة والثمانين لإستشهاد الثوري العروبي عز الدين القسام في أحراش بلدة يعبد القريبة من مدينة جنين بالضفة الغربية التي لا تزال محتلة بعد ما يقارب القرن من حراك القسام على طريق تحريرها وسائر الأراضي الفلسطينية.

وقد شكل إستشهاد المناضل السوري خلال السنوات التالية إحدى أيقونات النضال الفلسطيني وشخصياته الجامعة على العكس تماماً من السنوات التي سبقت يوم الإستشهاد فهرعت البرجوازية المدينية والقيادات التقليدية التي كانت تمثل أساساً طغم الإقطاع صاحب العلاقات وشبكة المصالح المعروفة مع الإستعمار البريطاني والحركة الصهيونية لتلتحق بركب ذبيح يعبد وهي التي كانت خلال السنوات السابقة تُحرض على حركته وترى فيها تهوراً وتهديداً للمصالح وإغضاباً لبريطانيا التي سوقت لها الطبقات والطغم المذكورة في أكثر من مناسبة كطرف محايد أو يمكن أن يكون كذلك عند إحتدام الصراع مع الحركة الصهيونية، كل ما سردته ليس جديداً فقد تناوله بإسهاب الشهيد غسان كنفاني في دراسته المنشورة حول ثورة العام 1936 ، ليس هذا فحسب بل إن كُتاباً وباحثين كُثر غير كنفاني أشبعوا سيرة الشهيد كتابة وتداولاً حتى بات يبدو وأن كل جهد سيُبذل بعدهم مكروراً بنتائجه ، أما الشِق الذي مر عليها تاريخنا الشفهي والمكتوب في حالة تعجل وتجاهل دائم من ثورة القسام هو إستخلاص العبر والدروس التي يمكنها إن أتت منظمة وعلمية في مقدماتها وإستنتاجاتها أن تؤدي لتشريح مجهري لواقعنا الفلسطيني المُعاصر وستكون كفيلة كذلك بخلق حالة من الفرز الرأسي والعامودي لواقع حركتنا الوطنية وهذا بالطبع أمر أكبر من أن تغطيه ورقتي هذه أو أن يصل به للنتائج المرجوة جهد فردي مهما عَظُم لذا آمل أن تشكل سطوري هذه دعوة للباحثين والمهتمين كي نُعِيد أو يُعيدوا فتح سيرة الرجل مجدداً بعيداً عن التمجيد الذي يستحقه بالقطع ولكنه يستحق ويطلب بدمه المسفوح ما هو أكثر من ذلك إن المتتبع لسيرة الرجل في سوريا وفلسطين وما بينهما يجزم أن القسام العملي جداً والغارق في الهم الجمعي الإيثاري بممارسته ، رجل الدين المتفتح والثوري في سلوكه حدد بحركته شكل الصراع وأدواته وأكد بإستشهاده على ضروة إدامته وعلى طريق إدامته وتصعيده إستخلاص العبر وتجويد الأداء على الصُعد الخاصة والعامة وبرأيَّ المتواضع إن من أهم العبر المُستفادة من تجربته هي التالي: 

 

أولا: قومية المعركة التي تواجه فيها الأمة عدواً مركزياً كان ولا زال كذلك في نظر الطبقة الشعبية العربية مهما إنحدر حكامها أو حاولوا تغيب هذه الحقيقة.

 

ثانياً : تعظيم الرهان على جماهير الأمة وعدم الإستسلام لمقولة أن لكل شعب وإقليم همومه الخاصة-وهذا أمر حقيقي - ولكنه ليس مبرراً للقطع مع الجماهير التي جادت بالقسام من سبقه أو لحق به من شهداء وأسرى الثورة العربية الفلسطينية في مواجهة الإستعمار البريطاني والصهيوني ، مع ضرورة التفريق بين أن تكون الهموم الخاصة والقضايا المحلية للجماهير سبباً لدفعها بعيداً عن فلسطين أو تركيز الإهتمام على أن هذه الهموم سببها بالأساس أنظمة الحكم التى وجدت أصلاً كأدوات وظيفية لخدمة الكيان الصهيوني وإرتبطت شرطياً وجوهرياً بوجوده بمعني أن إبن الخليج مثلاً إنما يقاتل في الحركة الصهيونية عدوه القومي على أرض فلسطين وخصمه الطبقي والإجتماعي ( نظام الحكم) على أرض الإقليم الذي يحمل جنسيته.

 

ثالثاً : ضرورة الفرز الجيد في رأس هرم مؤسساتنا الوطنية بشكل عام على أسس طبقية واضحة بعيداً عن البرغماتية ومحاولات التبرير التي وبالأساس سمحت لِطُغم رأس المال والإقطاع وذيول الكومبرادور والبرجوازية ذات الأفق والطموح الرأسمالي بالتسلل لدوائر صنع القرار الأولى فترة تبلور حركة القسام وما سبقها فزاودت على الحركة الثورية وحاولت إجهاضها ومن ثم قتلت القسام وسارت في جنازته مؤبنة ومع خفوت حالة المد الثوري في حينه عادت حليمة لسوء عاداتها القديمة.

 

رابعا: يجب أن يكون للدين بشكله الثوري ومكانته كجزء من مكونات تفكيرنا و تراثنا دوراً في مجريات الصراع، وتاريخنا يكتظ بنماذج حية لرجال دين حملوا مورث القرون ووصايا السماء لساحات المعارك فكانوا كأجمل ما يكون الثوريين وليس القسام وهيلاريون كابوتشي عن عقل الأمة الجمعي ببعيدين ، هذا مع ضرورة الحذر من أن يُستثمر الدين من قبل بعض جماعات المصالح كمبرر للإستكانة والسلبية فمن أوجد الأديان وبعث بها خلقنا أحرارا ويريدنا عز وجل كذلك حتى نلقاه ومن نافلة القول هنا أن القسام وغيره من رجال الدين الثورين تمتعوا بتفتح لافت إذ يذكر تاريخنا الشفهي والمكتوب أن الشهيد القسام وهو الداعية الخطيب والمأذون الشرعي كان يحضر حفلات زفاف الفلاحين والعمال الذين يعقد قرانهم ويشارك في حلقات الدبكة وكان كذلك من مكتشفي شاعر الثورة نوح إبراهيم و دفعه للإستفادة من فنه في التأليف والغناء الثوري المقاوم ، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ رجلاً بالمكانة الدينية التي وصفت يحضر فرحاً ويشارك في حلقة دبكة ويحتضن فناناً ويدفعه للعمل الثوري.

 

خامسا : إعادة الإعتبار للطبقات الشعبية المسحوقة كمحرك وباعث للعمل الوطني وهذا أمر مورس في فترة ما بعد القسام ولكن اللافت في تجربة الرمز الشهيد انه لم يرد الفقراء جيشاً يقاتل تحت إمرته أو أعضاء حركين يقدموه ويذوبوا في صورته وشخصيته بل صنعهم على يديه ثوريون أولاً وقادة ثانياً وبالامكان الرجوع لأسماء رفاق القسام سواء الذين إستشهدوا معه في يعبد أو أولئك الذين قادوا العُصَب والمجموعات القسامية فيما بعد للإطلاع على خلفياتهم الإجتماعية والطبقية.

 

سادساً : تعرية العملاء والمتساقطين ، الفرز الجيد وتقسيم الجمهور لخندقين لا ثالث لهما والتأكيد على أن تبرير صغائر الأمور يؤدي لكبائرها والحياد أثناء حالة الإشتباك الوطني يدفع أصحابه في كثير من الأحيان للخندق المُعادي ،،، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر من وثيقة تاريخية لفتت إلى أن المجموعة الأولى التي فرضت الحصار على الشيخ الشهيد ورفاقه في أحراش يعبد كانت من أعضاء الدرك (الشرطة) الفلسطينين الذين يعملون تحت أمرة سلطات الإستعمار وهنا نجد أن تبرير التعامل مع العدو من باب السعي وراء لقمة العيش دفع من مارسوه لخندق العمالة المباشرة والمعنى في بطن الشاعر.

 

سابعاً : وللقسام في إستشهاده موقفاً حُسينياً جيفارياً يجب أن يُظَهَر فالرجل وعند إشتداد الحصار رفع شعاره الشهير موتوا شهداء كالحسين تماماً حين رفض السلة والذلة وأرادها ميتة مجيدة و كتشي جيفارا الذي رفع شعار الوطن أو الموت عنواناً وقضى تحته.