الأسير الصحفي الرفيق منذر خلف مفلح من قلب زنزانته يكتب

الكورونا في الحيز الفلسطيني، بقلم الأسير الصحفي منذر مفلح

2de7d297b34d817cc288a9385ed6840b


الكورونا في الحيز الفلسطيني - بقلم الأسير الصحفي الرفيق منذر مفلح - مركز حنظلة للأسرى والمحررين

لقد أشرت في مقالة سابقة حول خطورة وباء الاحتلال، وأسبقية هذه الخطورة على خطورة وباء الكورونا في مقالة بعنوان "وباء الاحتلال أخطر من وباء فيروس كورونا" ، وهو ما يحتمل أنه قد بدأ يترسم من خلال مجموعة ملامح بدأها وزير الدفاع الإسرائيلي "بنيت" الذى تحدث في إحدى حواراته عن ثلاث دول في "دولة اسرائيل" وذكر منها دولة الحرديم، ودولة العرب خاصة في الشريط الضيق الملاصق للضفة الغربية "المثلث روادة محاره" ، وهو ما أسس في معرض محاربة الكورونا لتقسيم إسرائيل إلى "المجتمع اليهودي" والذي تمت وتتم مجابهة الكورونا فيه، وكذلك مجتمع الحرديم تم إخضاعه لعزل كامل وفصل وترك المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل ليواجه مصيره، ليس من أجل التخلي عنه فقط، بل من أجل بناء سياسات احتلالية عنصرية يمينية متوافقة مع أطروحات صفقة العصر، ويبرر لاستخدام الجيش في عملية  كهذه...
كيف ذلك ؟
إن ترك الفيروس كي يتغلغل في المناطق التي يسكنها الفلسطينيين داخل الحيز الإسرائيلي ربما في ذلك القدس الشرقية، خذ مثلًا سلوان مؤخرًا، هو تمهيد لاستغلال الوباء، من أجل إعطاء ذريعة لعزل المناطق أو السكان الفلسطينيين "داخل إسرائيل" وفصلهم تمامًا كما حصل مع الحرديم وكما مهد لذلك وزير الدفاع، ولكن سيكون ذلك في المرحلة الأخيرة، حتى تكون المرحلة النهائية وسيتزامن ذلك مع فتح المجال للحركة المعيشية اليومية والعلاجية للفلسطينيين في الداخل والقدس صوب مناطق السلطة الفلسطينية، ثم رويدًا رويدًا، تتحول الجغرافية الوبائية لجغرافية سياسية لقد شكلت القدس "البروما" الأولية لهذا المشروع من خلال فصل القدس الشرقية عن الغربية فيما يتعلق بالكورونا وكذلك السماح للسلطة بمعالجة هذا الأمر، وهو ما ظهر من خلال بدء احتساب المصابين بالقدس على أساس المرضى المصابين بالوباء في مناطق السلطة الفلسطينية.
لقد استخدم المستعمرون الأوروبيون - الإنجليز، الأوبئة والأمراض المعدية في محاربة السكان الأصلانيين -الهند الحمر- في أمريكا، من أجل القضاء عليهم وتطهير الأرض وزجهم في منازل تمامًا كما سيحصل في فلسطين في قادم الأيام، وتحت شعار تطبيق صفقة القرن بمباركة الراعي الأمريكي، أو بدونه فالمنظومة الدولية تتعرض لاهتزاز عنيف تحت تأثيرات الكورونا وما تمخض عنه من اهتزاز في العلاقات الدولية.
بعض الضغط الأمريكي وضعف دورها في مواجهة الكورونا، ونتيجة للتغيرات التي ستحصل بعد انجلاء أزمة كورونا، حيث يتوقع انهيار النظام او المنظومة الدولية بمؤسساتها الحالية، وكذلك ضعف وانهيار الدور الأوروبي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التغيرات المتوقعة ستلحق ضررًا بالمفاهيم السياسية والقانونية والدولية بشكلها الحالي لصالح إعادة تعريف المفاهيم بما يتناغم مع التطورات القادمة.

لقد ذكرت في مقالة سابقة "كورونا وسياسة الرعب، فرضية مستقبلية" عن تغيرات اجتماعية وسياسية، واقتصادية، تطال وستطال المجتمعات والدول والمؤسسات الدولية ودورها، حيث ستنهار المجتمعات بشكلها التقليدي القديم نتيجة لسياسة الإفقار، التي ستحصل إثر الكورونا، وإثر تطور مفهوم "الانسان - الهاتف"، وانهيار وضعف الدول وتحولها نحو مفهوم "الدولة - الشركة"، لقد تطورت الدولة على أساس من المواطنة الحديثة والعقد الاجتماعي نيشان القومية والأمة، وهو ما تفتت  تحت ضغط سياسات العولمة السياسية والاقتصادية والنيوليبرالية والرأسمالية الاستهلاكية ذات النزعة الفردية، نحو العلاقة الفردية ما بين المواطن والدولة التي أثبحت مقدم سلع وخدمات في شراكة تامة مع الشركات، وهو ما سيقضي على الطبقات، بتعبير الماركسي وكذلك مفهوم الطبقة الحاكمة أو المتحالفة لصالح مجموعة من الشركات والمدراء التنفيذيين "ذوي الياقات البيضاء"، الرأسمالية وأصحاب الشركات الكبرى، لاحظ دور الشركات في أزمة كورونا  تطور شراكاتها مع الدولة مقابل انهيار دور الدولة الاجتماعي فيما أسميته "الانسان - الهاتف"، والتعبير السياسي "الدولة - الشركة".

بطبيعة الحال هذا سيؤسس لمفاهيم جديدة في العلاقات الدولية، والمفاهيم السياسية والاجتماعية، ليس أقلها مفاهيم من قِبل الحيز العام، والسعادة، وممارسة حق تحقيق المصير، وتعريف الدولة السابق، مما يسمح مثلًا بوجود سلطة على حيز جغرافي غير واضحة المعالم والحدود، وممارسة السيادة الافتراضية عبر ما أطلقنا عليه "الإنسان - الهاتف"، حيث سيتحول الفعل السياسي من فعل بوصفه ثورة تخلق الحيز العام بحسب تعبير "حنا أردنت"، إلى الحيز الافتراضي في العلاقة ما بين الإنسان والهاتف، والدولة الشركة، جباية الضرائب والتواصل والعلاقة،  ممارسة النشاط الاجتماعي والسياسي...إلخ، مما يسمح بتغيير مفهوم الدولة والسيادة وتقرير المصير، وأيضًا تغيير حدود الدول التي أصبحت سائلة خاصة في منطقة الشرق الأوسط إثر بدعة "داعش" والحروب الأهلية والربيع العربي، وهو ما يؤسس لإسرائيل الإمبراطورية ذات السيطرة العسكرية والاقتصادية والأمنية والأهم السيطرة التكنولوجية في الذكاء الصناعي، وأيضًا يسمح بوجود دولة فلسطين في الحيز السكاني، تُمارس نشاطها السياسي وسيادتها في الحيز الافتراضي.

لقد تحدث جون ليوتار  فرانشو، في كتابه، "في معنى ما بعد الحداثة" عن تطور في تقنية الاتصال السياسي والدولي والإنساني، وتحدث عن موت المرويات الكبرى لصالح منظومة اتصالية ذات دلالات لغوية متفق عليها بين طرفين، بالإضافة للكتاب، عدد آخر من المفكرين عن موت الواقع، ونظرية الواقع الفائق، لقد ترجمت هذا الأمر من خلال تكثيف في أحدى المقالات تحت عنوان "أنا ONLine، إذًا أنا موجود"، وبهذا المعنى فإن المنظومات اللغوية التي تحدد الإطار العام للمفاهيم ومحتواها ومضمونها والاتفاق على هذه المحتويات اللغوية سيؤسس لمفاهيم جديدة تترافق مع التطورات "الما بعد كورونية"، ومع طموحات الدول التي ستنجو وتكون فاعلة في عالم ما بعد كورونا.

إن المنظومة الدولية والسياسية والمفاهيم بشكلها الحالي هي في طريقها نحو التطور، وباتجاه يتناسق مع فرضية الإنسان - الهاتف، والدولة - الشركة، وعصر الذكاء الصناعي الفائق - الجيل الخامس. ما بعده من تقنيات، ستجعل من العالم ، عالم بملامح صناعية ذكية تفترض أشكال وأنماط سلوك اجتماعي وسياسي مختلف وتحتاج لتعبيرات ومفاهيم ذات دلالات لغوية متسقة مع هذه التطورات مما يؤسس لتجاوز القضية الفلسطينية، لقد جاءت النكبة في واقع تطورات دولية كبرى، وفي معرض تاريخي معين، ونحن اليوم نشهد تطورات دولية كبرى ستكون باتجاه وتطور تاريخي، قد يخلق تطورات أو تغيرات مذهلة على الأرض، سنشهدها خلال السنوات أو العقود القادمة على أكثر تقدير، هل هذه التغيرات هي محصلة لسياق تاريخي من التطور البشري والإنساني والطبيعي، أم هي مؤامرة؟ هذا ما قدمته في مجموعات الملاحظات على على هامش الكورونا في مقال سابق، ولكن الأهم أن كل هذه التطورات تعمي تغييرات دراماتيكية في الحياة البشرية والمفاهيم والمنظومة الدولية والسياسية والإنسانية الاجتماعية والاقتصادية.

بقلم الأسير الصحفي منذر مفلح
سجن ريمون