دوّامة الانتظار والطواحين

المصدر / محمد ادريس عسكر

هنا في هذا العالم الذي لمْ يكن بمقدوري أنْ أجد له اسم، فكل شئ هنا غريب إلى حد لا منتهي وكل تفكيرك يعتمد على كيفية حرمانك، وقناع نفسك بأنّ الساعة التي تمضي لن تعود ، ولكن رغم ذلك شئ مكرر هنا ولا يوجد معنى للوقت فالتوقيت  مقسم هنا كالتالي عدد، فحص، فورة ،فحص عدد ومن الصدفة أنّ الوقت الآن العدد السابع والثلاثون فحص أو العدد السابع والثلاثون لعنة

هكذا يمكن للأيام أن تقضي القهر  وبهذا العالم السئ أصلاً سوف ترى أشياء كثيرة فمثلاً اختلاف الأجواء الفكاهية في غرف الأسرى وهم الأصحاب الأحكام الجائرة التعسفية العالية.

هؤلاء الأسرى الذين يصاحبهم الأرق والضجر والإنفجارات التي تصدع رؤوسهم عند المساء لغاية   النهار أي بتوقيت العدد السابع واللعنة المليون وقد يمضي الوقت هنا أو اللا وقت بالألعاب الترفيهية ككرة السلة مثلاً حيث كنت أراقب الأسرى عن كسل وأنا جالس في زاوية أتنفس الصعداء أي زاوية المدخنين أراقب الأسرى وهم يلعبون وكأنهم يتصارعون على اللا شئ وفي نفس الوقت تشعر أحياناً من خلال رؤيتك لهم  أنهم يتصارعون على هدف سامي، وهدف نبيل ليس إدخال الكرة في موضعها بل تحدي وصمود لغطرسة السجان، وانبعاث الأمل ونسائم الحرية في نفوس الأسرى من خلال تلك اللعبة.

أمّا عن توقيت الفورة فهو يعتبر ثلاثون لعنة وتسعة وتسعون حقيقة، الفورة التي تمضي بعكس الكون بعكس كل شئ وكأنّ اختلال التوازن في الحياة، والتي يمكن أن نسميها (دوامة الانتظار) وهي تدور أمام عيناك وإذا توقفت  لمدة  عشر لعنات إضافية بأنْ تنعم النظر بتوقيت الفورة وما يحدث خلال ذلك اللا توقيت قد تصاب بالهوس أو الجنون إلى حد ما نتيجة رؤية الأسرى وهم يدومون في دوامة الانتظار ويتبادلون أطراف الضجر والكآبة وأكثر .

تبادل منتقل بين شفاههم والذي يسيطر على جماجمهم بل هو التبادل الوحيد تقريباً الذي يجعل من قلوبهم لا تنبض إلا به وهو تبادل حياة أو بمعنى آخر كما يقولون أو الصفقة.

 وأنت تجدو في زاوية تتنفس الصعداء، وتتخذ وضعية القرفصاء تتأمل فترى ما لا تراه عينيك فرؤية أحلام  الأسرى على شكل خيول تجري بالصحراء أو سفن متراكمة في السماء وترى المعجزات ، وتسمع أمنيات الأسرى فها هو في عالم اللا اسم ووقت اللا وقت، لا يوجد أعمار أيضا فأين السبعون فابن السبعون كابن العشرون، والعمر متوقف لدى كلاهما لا يمضي أبداً حتى رؤيتك لشمس النهار في هذا العالم مختلفة تماماً فهي مربعة الشكل وليست مستديرة وهي أخذت هذا الشكل نسبة إلى شكل دوامة الانتظار.

    فتجلس تحتها فتشعر بالبرد رغم البراكين الموجودة في أعماق قلبك وقد تضحك على نفسك في أشياء احتاجوها كل الأسرى كي يمضي الوقت اللا شئ وكأنك تجامل نفسك أو تختلق الحجج والأعذار أو محاولة إقلاع عقلك بأمور كثيرة  لا داعي لذكرها،  فها هو في عالم اللا أسر سوف تولد من جديد وتكون ولادتك من رحم الموت البني إلى هذا العالم دون أمر يحدد سنك، أو الحل الأمثل هنا    ما يمضي الوقت هو الاعتياد فالاعتياد على كل شئ فها هو كل شئ يأتي اليوم سيأتي مثله بالتفصيل غداً

وأنت جالس في الزاوية تتنفس الصعداء، سترى بعيون الأسرى ما لا تراه في أي عالم آخر كرؤية   أحلام الطفولة عند العجائز ورؤية العيون في محور دائري  حاد النظر يتتبع أدق التفاصيل الحياة   فسترى نظرة  يرافقها للسماء وقد ترى الحقد الذي يسيطر على بعض الأسرى والحقد الذي لا  يوجد  مثله إلاّ في هذا العالم حقد من نوع آخر فريد من نوعه وهو الحقد الذي يحمل في دوسة  براكين و عدة كوارث أخرى حقد يأبى أن يخرج من الكوم  حقد    يتغذى كل يوم على غطرسة السجان والتنكيل الذي يتعمد افتعاله والمكابرة أيضاً التي يصنعها، فكل نظرة حقد تبرز كالسهم في وجه السجان مثل الأفعال الفاشية الحقد الذي يعتبر صمود بل يمكنك  اعتباره نوه من أنواع التضحية أحياناً ويمكن تسميته بالحقد الطاهر وسوف ترى عيناك وأنت تمعن النظر في عين الأسرى العاطفة بالشكل الغريب العاطفة المستوحاة من  وحي الدوامة العاطفة التي يخفق القلب عند ذكرها العاطفة المعبأة بالمرارة والمليئة بالحنين.

  وإذا دققت النظر أيضاً إلى جوف كل أسير واستطعت الدخول إلى عالم الأسرى الداخلي سترى جميع أنواع التحدي وجميع أنواع المعارك بين الأسرى   والسجان ففي هذا العالم لم تسمع بكلمة خسارة أو مستحيل أو صعب رغم كل التعامل فسترى الاكتساب و   اللا مستحيل والسهل أيضاً وعلى سبيل المثال  كرة   التي يمكنك اعتبارها كرة الحرية وستتمثل كالتالي:الصراع الهدف الحرية في مخيلة الأسرى أو كرة التنس فهي منافسة رائعة بشكل دوري في دوامة الانتظار وهي كتحقيق أهداف في شباك العدو وتلك الشباك التي أبت دولا كاملة ب جيوشها ان تحقق   او تدخل بها  هدف  الشرف بأن تفهموا أسرانا مازلتم أنتم الشرفاء في دوامة الانتظار سوف تشعر بكل شئ عشوائي ولكن إن دققت النظر قليلاً سترى بأن كل شئ مرتب ولا يوجد لها عشوائي حتى انه مرتب بشكل فيزيائي ويتبع نهجاً دقيقاً جداً تماماً كتراكيب خلايا الجسد حتى خطوات الأسرى مفصلة تفصيلاً على نحو الخطوة التي تتبع أختها وكأنه  يرفض الأسرى خطوط   متلاصقة بأرض تلك الدوامة

أما عن الوقت بجوف أو داخل طواحين الأسرى أي غرف الأسرى وقد سميتها كذلك نسبة إلى طواحين الماء التي تدور وتولد الطاقة فهنا داخل الطاحونة التي يعيش بجوفها يمضي الوقت كالتالي قهوة أخبار حقيقة فطور فيلم  قيلولة عشاء كتاب ونوم والساعة الآن الفلم  الرابع والخمسون حقيقة وهنا اللا وقت يختلف عن اللا وقت في دوامة الانتظار فهذا عالم آخر العالم الذي ترى فيه الوجوه على حقيقتها مثلا لن تشعر بمعاناة الغير فقط بل سوف تراها أيضا كعالم الطاحونة قد   يطحن كل شئ وجهدك الشخصي لكي تولد خبرا مفرح  مثلا او تبعث شيئاً    او انتظار شئ غالي الثمن فهذه الطاحونة المكونة من أربعة أدراج  وثماني لوحات وتأخذ شكل المروحة و36 حجرة لتخبأه حاجيات الأسرى بداخلها ونافذة يكسوها الشبك     وثم على اللا شئ مربع متر في متر للاستحمام ومربع مثله لقضاء الحاجة وصنبوره مياه لغسل الأواني سوف تطحن وتعتصر أعصابك    لكل شئ لتفكير الأسير باسم مولوده الأول الذي أنجبه عن طريق اللا مستحيل والذي خرج من رحم الطاحونة الى العالم الذي يعيش تحت سماء أصبحت غريبة على    معظم الأسرى او اعتصار أعصاب  أسير    يكتب في ثنايا الليل رواية أرهقت عقله في انتقاء الكلمات النادرة ليشجعها على الاستمرار رشفة قهوة تصاحبها أنفاس سيجارة صاعدة دخانها لربما يساعده الدخان الذي يتلاشى على رؤية مصطلح او كلمة  بداخله أو أسير آخر    يمضي الوقت في أربعة أفلام وفورة وعددين وتاب فرضاً أن تطحنه الطاحونة ذات يوم وتعتصر كل طاقاته المتبقية وأخيرا قيد المحاولة في بحثها عن الامل في تبادل الحياة او اللعب على المربع المعلق في هواء الغرفة ويتحكم به عن بعد   التلفاز وفيلم آخر يأكل الوقت الذي يمضيه في   الطاحونة عن طريق التهام الوجبات وبناء الجسد الرياضي مع بعض الفكاهة التي تنتج منه لتزيد أجواء الطاحونة وتعلم أسير لأنواع المأكولات لالتهام الوقت الذي يعشونه.

وبعض اللا وقت الذي يسمح لك بالتواصل مع عالم السماء الأخرى التي أصبحت سماء غريبة لدى بعض الأسرى وهكذا تمر أيام السجن في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني

وفي أيام  اللا الوقت واللا عمر واللا مستحيل واللا شئ ، فرغم كل الكآبة الناتجة من اجواء الطواحين  وأجواء  دوامة الانتظار فها هو في عالم اللا اسر  يضاجع الأسرى اللا وقت لإنجاب الحياة،  وسوف نقتل تلك الدوامة ونقتل وجع الطاحونة.

 إن الشعب الفلسطيني لأرضي ووطني فلسطين،  سوف تبقى رؤوسنا عالية، نظراتنا حادة وأهدافنا واضحة، وبوصلاتنا موّجهة بالاتجاه الصحيح، ومعنوياتنا عالية كل سجانين العالم أن تكسر روح النضال فينا، أو حتى أن تستعمل قلوبنا باعتقالها لنا، او حتى هدم بيوتنا، وقتل أهالينا وأصدقاءنا وكل هذا التنكيل سوف نبقى ونستمر في أرضنا، ونسيطر على الصهاينة بإرادتنا وحجارتنا وأمهاتنا اللواتي لا ينجبن إلاّ الأبطال فها هو تتولد المحبة والتضحية والأمل والعطف والحنان وكل شئ جميل حاول الاحتلال حرماننا منه.