كميل أبو حنيش من أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة، مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.

ملاحظات على هامش المصالحة بقلم الأسير كميل أبو حنيش

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

أثلج صدورنا ما تمخض عنه اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة، ولا يملك أي فلسطيني حر وغيور إلى أن يبارك هذا الاتفاق، بشرط أن يكون هذا الاتفاق خطوة بناءّة على طريق إنهاء صفحة سوداء ومؤلمة في تاريخ شعبنا، ونأمل أن ننجح في طي صفحة الماضي، وأن يكون هذا الاتفاق جامعاً لكل اتفاقيات المصالحة الماضية، ويدشن عهداً جديداً؛ لأننا ببساطة أهملنا ما يجري على الأرض من ممارسات احتلالية عدوانية، وانشغلنا بخلافاتنا الداخلية طيلة سنوات الانقسام.

وفي هذا المقام لا نملك إلا أن نبارك لشعبنا هذه المصالحة، كما نحي كل الجهود المخلصة التي بُذلت كل السنوات الماضية والتي ثابرت بعناد للوصول إلى المصالحة، والتي من المفترض أن يشارك بها الجميع قوى وأحزاب ومؤسسات أهلية.

 ونحن لسنا بصدد مناقشة حيثيات بنود اتفاق المصالحة لأننا لسنا أعرف بملفات المصالحة أكثر ممن  جلسوا وحاوروا وتوصلوا إلى هذه الصيغ بعد مقاربات طويلة؛ لكن ثمة ملاحظات ينبغي تسجيلها والتذكير بها منها ما هو ظاهر للعيان ومنها ما هو كامن وغير مباشر أفرزها الانقسام الأسود طيلة تلك السنوات، وربما من المناسب التنبيه لخطورتها وتراكم مفاعيلها، وهذه الملاحظات التي نسجلها ليست هامشية، وإن كنا نسجلها على هامش المصالحة وربما تكون ملاحظات غاية في الأهمية ومنها ما هو مُلح وعاجل وهو يتعين أن يلتفت إليه المتحاورون في الأيام القادمة بالقاهرة في إطار الحوار الوطني الشامل، ومن هذه الملاحظات:

  1. أن الانقسام لم يكن ثنائياً بين فتح وحماس وإن كان ظاهراً للعيان بهذه الصورة، وإنما كان انقساماً حاداً ألقى بظلاله الثقيلة على شعبنا في كل مكان في الضفة والقطاع  ومناطق الـ48  والسجون والشتات وتأثرت مفاعيله الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وقاد إلى إحباطات نفسية خطيرة، وارتفاع حدة التناقضات بين قطاعات شعبنا، كما أن الانقسام وبالتالي المصالحة لا تخص قطاع غزة وحده - وإن كان الاقتتال جرى على أرض غزة وتأثرت غزة أكثر وانعكاساته عليها أكثر من غيرها فالانقسام أصاب الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ولذلك فإن المصالحة يجب أن تشمل الجميع، وأن يشارك بها جميع القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والحركات الطلابية والنقابية والشعبية واتحادات المرأة والسجون، وهنا ينبغي معالجة كافة الآثار الجانبية وغير المباشرة التي ولدّها الانقسام.
  2. إن انجاز المصالحة ينبغي ألا يكون غاية في حد ذاته ما لم يؤسس لمرحلة جديدة من النهوض الوطني بهدف تعزيز صمود شعبنا في مواجهة المشروع الصهيوني على الأرض، والاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة ومقاومة وناضجة ومسئولة تتصدى للأعباء الثقيلة التي تستهدف القضية الفلسطينية، وإلا فإننا سنعيد تكرار واستنساخ مسلسل المصالحات والحوارات الماضية التي منيت بالفشل.
  3. يتعين علينا الانتباه إلى أن حياتنا السياسية والوطنية قد تعطّلت طيلة عشر سنوات من الانقسام ومؤسساتنا الوطنية قد تجمدت، وجرى اخضاعها للاستخدام والابتزاز السياسي والمناكفات والمزاجية والانفعالية؛ فالمجلس التشريعي لم يأخذ دوره وتعّطل تماماً منذ انتخابه، وجرت عملية إصدار قوانين وتشريعات ومراسيم بعيداً عنه، كما أن مؤسسات منظمة التحرير لم تعد تأخذ دورها الحقيقي، أما مؤسسات السلطة فقد جرى تخريبها بعد الاستقطاب الحاد طيلة سنوات الانقسام. وحكومات الانقسام سواء في الضفة أو غزة عطّلت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بفعل مجموعة من السياسات والإجراءات والممارسات السلبية التي أضرت الحياة المجتمعية وأساءت لنضالات شعبنا وتضحياته، وهو ما ينبغي أن يجري مراجعته وإعادة تصويب المسار وإنهاء كافة الإجراءات والتشريعات التي ولدت في مناخ الانقسام.
  4. لقد ولدّ الحصار الظالم المفروض على القطاع والذي تفاقم مع الانقسام مجموعة كبيرة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحروب التي أثقلت على أهلنا في القطاع من تزايد معدلات البطالة والفقر وتلوث المياه، وارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وآلاف البيوت المدمرة، وارتفاع معدلات العنف والجريمة، وتفاقم حدة الصراعات العائلية والأحقاد الشخصية، وظهور طبقة من السماسرة والمستغلين والذين استفادوا من الحصار والانقسام؛ فقطاع غزة بات منكوباً رغم حالة الصمود الأسطورية التي جسدها القطاع في مواجهة العدو، وهذا يحتاج إلى تكريس كافة الجهود لرفع المعاناة عن غزة وإنهاء الحصار بشكل فوري عن أهلنا. وعلى مصر راعية الاتفاق أن تباشر فوراً في المساهمة والضغط لإنهاء الحصار وفتح معبر رفح بشكلٍ دائمٍ وإدخال المساعدات والأموال اللازمة لإعادة إعمار غزة واغاثة أهله.
  5. ممارسة السلطة الوطنية أثناء الانقسام مجموعة من الممارسات التي ألحقت الضرر بالحياة السياسية مثل الاعتقالات السياسية، وإغلاق المؤسسات، وتراجع الحريات المدنية والسياسية والاعلامية وإقرار ما يُسمى قانون الجرائم الالكترونية، وفي ظلها تزايدت معدلات الفساد، وارتفعت حدة الاستقطاب في الساحة الفلسطينية حيث أنشأت هذه الممارسات واقعاً جديداً بحيث غدت التناقضات الثانوية رئيسية، وهو ما ينبغي أن يجري التراجع عن إجراءاتها التي أصابت صميم الحياة الديمقراطية التي كنا نتغنى بتشييدها رغماً عن أنف الاحتلال.
  6. وفي ظل الانقسام  نمت وظهرت ظواهر جديدة ومتخلفة كان قد تجاوزها المجتمع الفلسطيني فلقد ازدهرت العشائرية والجهوية والزبائنية والواسطة والمحسوبية وتفشى الفساد، ونمت ظواهر جديدة كالدعارة وانتشار المخدرات والعنف، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة والطلاق، وتراجع مؤسسات المجتمع المدني وفعلها الميداني، كما تراجع النضال الجماهيري والسياسي، وتفشي القمع والاستبداد والإقصاء، وسادت ثقافة التشاطر والتذاكي والخداع والفهلوة والاتكالية، وظهرت مراكز قوى جديدة لا علاقة لها بالنضال الوطني، كما نمت الجماعات التكفيرية والمجموعات التطبيعية مع الاحتلال . كل ذلك يملي علينا أن نعمل على محاربة هذه القوى وإشراك كافة قطاعات شعبنا في مواجهة هذه الآفات الضارة بالجسم الوطني.
  7. أما المستفيد الأكبر من الانقسام فكان الاحتلال الذي استغل أجواء الانقسام لتعميق الفجوة بين قطاعات شعبنا، حيث واصل أجهزة أمن الاحتلال مصادرة مساحات واسعة من الضفة وبناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، وتجرأ المستوطنون على دخول الأقصى مراراً وتكراراً تطبيقاً لقانون التقسيم الزماني والمكاني، وسن الاحتلال عشرات القوانين العنصرية واعتقل وطارد وقتل، وهدم البيوت وصادر الأموال وحاصر غزة، وانتعشت الآراء الداعية لطرد العرب. ولسنا بحاجة لإبراز العديد من الممارسات فهذا معروف للجميع، وإن لم يجرِ توحدنا ومجابهة الاحتلال وهذه الممارسات، فإن أوضاعنا على الأرض ستتفاقم والخاسر الأكبر ستكون قضيتنا.
  8. كما ألقى الانقسام بظلاله الثقيلة على السجون التي تشكّل قلعة صامدة وذخراً وطنياً وثقافياً ومعنوياً لشعبنا، ومنذ الأيام الأولى للانقسام حدث انقسام مواز وخطير في أوساط الحركة الأسيرة أدى إلى حالة الفصل القائمة في السجون، وهو ما شجع إدارة مصلحة السجون لاستغلال هذا الوضع لتكثيف هجمتها على الأسرى وحقوقهم ومنجزاتهم، والإمعان في إذلالهم وشرذمة صفوفهم، وتحويل السجون إلى اقطاعيات ودكاكين خاصة. وما نأمله هو أن تسفر المصالحة تقدماً في إنهاء حالة الفصل القائمة، والانطلاق نحو استعادة الوحدة الوطنية والاعتقالية في السجون، وإعادة بناء الحركة الاسيرة كي تصب في خدمة تنفيذ مهمتها الوطنية. وفي هذا الإطار وفي ظل الحديث عن صفقة تبادل محتملة ينبغي طمأنة الأسرى بأن الصفقة ستشمل الجميع، كما أنه يتعين أن يجري الاتفاق على استراتيجية وطنية لتحرير كافة الأسرى والضغط على الاحتلال لإعادة الحقوق والمنجزات التي صادرها وسلبها بالسنوات الأخيرة.

هذه الملاحظات التي ارتأينا تسجيلها تأتي كمساهمة بسيطة نشارك بها شعبنا وقواه الوطنية في النقاش للوصول إلى مصالحة حقيقية تؤسس لمرحلة جديدة من حياة شعبنا ونضاله المشروع، فإنه يحذونا الأمل أن تتكلل جهود المخلصين من شعبنا بالتوفيق في النجاح خدمة لمشروعنا التحرري وكنس هذا الاحتلال العنصري عن ثرى أرضنا.

 

(انتهى)

  • أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة، مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.