ممارسات الاحتلال باتت لا تطاق، والأجواء مرشحة لانتفاضة.

بقلم الأسير كميل أبو حنيش "الخيارات السياسية المتبقية"

كميل ابو حنيش
المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

وصلت الفجوة السياسية إلى طريق مسدود باعتراف الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وحتى الدول الإقليمية والدوّلية توصلت لذات القناعة المنطويّة على فشل التسويّة ورُبما كان توصيف الفشل  السياسي في إحراز التسوية طوال ربع قرن من المفاوضات هو توصيف معتدل والأجدى أنّ يستبدل بتوصيف "الاستحالة"، فهذا التوصيف أقرب إلى الدقة والصواب لأنّه يسمي الأشياء بمسمياتها في ضوء الوقائع والتعقيدات التي باتت تنوء بها ملفات المفاوضات وكل ملف من هذه الملفات يحتاج الى عملية سلام، ويحتاج الى مفاوضات مكثفة ربما تمتد الى عقود من الزمن.

 وبعيداً عن إعادة سرد تلك التعقيدات التي تحول دون إنجاز التسوية فهي معروفة للجميع وفي كل يوم تزداد الأوضاع تعقيداً على الأرض فممارسات الاحتلال اليومية باتت لا تطاق وستكون الأجواء مرشحة لمزيد من الانتفاضات والحروب.

وعلى القيادة الفلسطينية أنّ تُصارح شعبنا بأن خيار الدولتين قد أصبح شعاراً خالياً من أي مضمون ولم يكون أكثر من فنتازيا وأحلام جوفاء، فإذا كانت قيادة السلطة بل مُجمل الطبقة السياسية الفلسطينية جادة في الوصول  بشعبنا إلى بر الأمان  والخلاص الوطني عليها أن تباشر في اقتلاع الأوهام من مخيلات شعبنا على الدولة الموعودة والرفاه والتنمية والديموقراطية تحت الاحتلال بإعلانها عن استراتيجية جديدة للنضال الوطني الفلسطيني، تركز على أساس حل الدولة الواحدة، فهذا الحل هو المتاح واقعياً واستراتيجيًا ولا داعي لأن نواصل الكذب على أنفسنا فالحقائق على الأرض لا تتحدث إلاّ بلغة الدولة الواحدة والطبقة السياسية في كلا الجانبين تدرك هذه الحقيقة.

 من البديهي القول إن هذه الحقيقة ليست بهذه البساطة وقد تحتاج إلى سنوات طويلة وشاقة وتضحيات جسام، أما الخيارات الأخرى على شاكلة المفاوضات العبثية والمبادرات السياسية التي ما فتئت تخرج علينا من هنا وهناك لم تفشل فحسب بل أصبحت مسلسلاً طويلاً ومملاً وسخيفاً وقذراً وينطوي على استخفاف بالعقول.

 إن كل عوامل الفشل كامنة في فكرة حل الدولتين التي لم يعطيها التاريخ أكثر من محاولات المقاربة الأكاديمية لإحدى أكثر الصراعات تعقيداً في التاريخ، ثمة فجوة عميقة فيما ينسجه الشعب الفلسطيني في سبيل حريته وخلاصه وبناء دولته وسيطرته على مقدساته وثرواته ومياهه وحدوده وإنجاز حق العودة، وبين استعدادية الطرف الآخر للتسليم بهذه الحقوق وما فتئت هذه الفجوة تتسع مع الوقت ولهذا علينا ألا نكون كما شأن النعامة مع الرمل.

إن فكرة حل الدولة الواحدة كفكرة متخيلة وتكاد تكون لا تتناغم مع الواقع الراهن علينا أنّ نباشر في تشكيل رسم ملامحها ولو نظريّاً في المرحلة الراهنة وأنّ يكون نضالنا منطلقاً من هذه الرؤية، فهذه الدولة لن تأتينا على طبق من ذهب وكأننا اكتشفنا الحل السحري لهذا للصراع المرير بل ستكون الدواء المر والمحطة الاجبارية والنهائية التي ينبغي علينا الوصول إليها.

  وفكرة الدولة الواحدة لم تبدأ من الصفر بل كانت إحدى الخيارات منذ البدايات الأولى للصراع ومن الجيد أن الفكر السياسي الفلسطيني قد قارب هذا الخيار منذ البدايات الأولى للثورة الفلسطينية بل وتبناه كحل استراتيجي، حيث  ورد في برامج مختلف الفصائل، و برامج منظمة التحرير مبكراً، أمّا الدولة المستقلة في حدود 67 فكانت خياراً مرحليّاً تؤسس لعهد جديد من النضال بهدف استكمال عملية التحرير وبناء الدولة الواحدة التي يعيش جميع مواطنيها بسلام وأمن ومساواة من دون تمييز على أساس الدين أو الهوية أو العرق أو الجنس أو اللون، ومع الوقت بات الحل المرحلي هو الحل الاستراتيجي وهو ما تدور حوله حلقة التسوية الفاشلة؛ فالحقائق على الأرض وتأزم عملية السلام وفشلها في إحراز الحل النهائي ترك الخيار للدولتين مسألة مستعصية على الحل، وعلينا أن لا ننسى أن خيارنا الاستراتيجي هو الحل وحل الدولة الواحدة.

 لقد ازدهرت عشرات الكتابات في العقد الأخير والتي تدفع باتجاه هذا الخيار ومن الملاحظ أن هذه المقاربات ليست فلسطينية وعربية فحسب بل إسرائيلية أيضاً من سياسيين ومثقفين وأكاديميين وبصرف النظر عن خلافنا مع المنطلقات الاسرائيلية لمقاربة الدولة الواحدة إلا أنها مؤشرات تدل على أن الطرف الآخر وصل إلى حالة اليأس من امكانية قتل الحلم الفلسطيني وأن هذه الرؤية تنطلق من قلق وتخوفات وجودية وأن دولة الكيان لا يمكن لها أن تعيش بأمن وسلام ما لم ينل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بالحرية والعودة والتي لن تتحقق إلا بهزيمة "إسرائيل" وتفكيك حريتها ومؤسساتها العدوانية وأيديولوجيتها الصهيونية الفاشية وتشييد الدولة الديمقراطية على أنقاضها وهذا يستلزم نضالاً طويلاً بأدوات ووسائل جديدة أما أنصاف وأرباع الحلول المطروحة لم تكون أكثر من أدوات سخيفة وسطحية لهذا الصراع الطويل.

 

  • مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.