الأسرى المرضى.. بين الإهمال الطبي والموت السريري

المصدر / مركز حنظلة للأسرى والمحررين

بقلم الكاتب: أيمن أبو ناهية

م تشفع لهم أجسادهم الغضة التي نهشها المرض ولا سنوات الأسر الطويلة بعيدا عن العالم، مقبورين في عتمة السجن، بالخلاص من قيد السجان الإسرائيلي البغيض. فهل يتخيل العقل البشري أن مواطنا مدنيا ينهش المرض جسده، يقبع في ظروف تفتقر إلى أدنى مقاومات الحياة؟! وتمر كل هذه السنوات الطوال، دون أن يتمكن الأسرى المرضى من الحصول على العلاج، أو حتى الاتصال بالعالم الخارجي إلا بما يستطيعون تهريبه من رسائل ورقية، يخطون فيها حكايات وقصصا تجمع الأمل بالألم، والعتمة بالنور. ويعاني 1500 أسير فلسطيني يشكلون نحو ربع عدد الأسرى في السجون من أمراض مختلفة، لكن المعاناة الحقيقية لهم تأتي نتيجة الإهمال الطبي والتعامل القاسي من سجانيهم الإسرائيليين.

أعداد كبيرة من الأسرى يعانون أمراضا أكثر خطورة مثل مرض السرطان والقلب والسكر والربو وغيرها من الأمراض المزمنة وكثير منهم يعاني من هذه الأمراض 20 عاما وهم قابعون في سجون الاحتلال، وهي بمثابة مأساة حقيقية في ظل تنكر إدارات السجون الإسرائيلية لعلاجهم ورفضها السماح لأطباء من خارج إدارة السجون بتقديم علاجات مناسبة لهم، كما حصل في حالة الأسير ميسرة أبو حمدية الذي استشهد قبل فترة نتيجة الإهمال الطبي.

وبحسب مدير دائرة الإحصاء بهيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة فإن 25 أسيرا فلسطينيا يصنفون ما بين الإصابة والاشتباه بالإصابة بمرض السرطان، وأخطرهم وضعا حالة الأسير ميسرة. وأوضح أن نحو 17 أسيرا فلسطينيا يقيمون بشكل دائم فيما يسمى مستشفى سجن الرملة، وجزء منهم يتحركون بواسطة كراسي متحركة، مؤكدا أن 85 أسيرا فلسطينيا يعانون الإعاقة بين الجسدية والنفسية. وأشار إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء لا يحصلون على الأدوات المساعدة للتغلب أو التكيف مع إعاقاتهم، متحدثا عن أسرى فقدوا أبصارهم نتيجة منعهم من الحصول على "نظارات طبية".

أما الأدوية فهي قصة مختلفة، إذ إن السجان الإسرائيلي يعتمد على المسكن (الأكامول) كعلاج أساسي وفي أحيان كثيرة كعلاج وحيد لأغلب حالات الأسرى المرضى، مما يفاقم من المعاناة ويجعل الأسرى المرضى "شهداء مع وقف التنفيذ". وتشكل القسوة في التعامل وسوء التغذية والأماكن التي يحتجز فيها الأسرى إضافة إلى الظروف المعيشية القاسية بالسجون الإسرائيلية عوامل كفيلة بأن يتحول كل الأسرى الأصحاء إلى مرضى، وتحويل المرضى ذوي الأمراض العادية إلى أصحاب أمراض خطيرة. الإهمال والحرمان الطبي كفيل بأن يسهم في تحويل أصحاب الأمراض البسيطة التي تظهر على الأسرى إلى مرضى مزمنين، حيث يعيش هؤلاء بلا اعتبار لحالتهم الإنسانية الصعبة، وفي ظروف تفتقر لأدنى الحقوق الإنسانية، منسيون في عتمة السجون. ولا يزال ما يربو على 6 آلاف أسير يقبعون في السجون الإسرائيلية في ظروف تفتقر لمقومات الحياة الكريمة وسط إهمال طبي وتعذيب وحرمان مخالف لكل المعايير والقيم الإنسانية، وصمت إزاء ما يحدث بحقهم منذ عشرات السنين. وأودت سياسة الإهمال الطبي المستمرة وفق إحصائيات باحثين ومؤسسات الحقوقية إلى وفاة أأأكثر من مئتي أسير انضموا لقائمة شهداء الحركة الأسيرة، فيما إدارة مصلحة السجون تمعن في ممارساتها وإجراءاتها القمعية بحقهم.

الاحتلال يتفنن بإلحاق الأذى بالأسرى وخاصة المرضى منهم. وذكر أن سلطات الاحتلال لا تسمح لوزارة الأسرى وجمعيات حقوق الإنسان بإدخال أطباء أو أدوات مساعدة أو علاجات للأسرى في سجونها، وأنها تتجاهل المناشدات لمساعدة الأسرى المرضى. فالاحتلال يتعمد إبقاء الأسرى المرضى دون علاج مناسب ليلازمهم المرض حتى بعد الإفراج عنهم، أن نحو عشرة أسرى من المرضى أفرج عنهم السنوات الأخيرة استشهدوا بعد أسابيع قليلة من إطلاق سراحهم، موضحاً أن سلطات الاحتلال أحيانا تفرج عن الأسير شديد المرض ليموت بين أهله ولكي لا تتحمل هي المسؤولية عن ذلك.

إن ما تقوم به إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية من مماطلة بتقديم العلاج اللازم للأسرى المرضى يأتي في إطار سياسة الابتزاز الذي تنتهجها تلك الإدارة "الوقحة" بحق الأسرى وخاصة المرضى منهم. فلقد كثفت إدارة سجون الاحتلال في الآونة الأخيرة من هجمتها الشرسة على الأسرى المرضى من خلال المماطلة بتقديم العلاج اللازم تحت ذرائع لا يسودها أي نوع من المنطق والعقلانية، ما يعرض حياتهم لخطر الموت الحقيقي.