ابن جبال اللوز وكروم العنب

كتب الأسير داوود هرماس "محمد ابو ريان ملامح ووطن"

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

من مواليد برج الامل وابن جبال اللوز وكروم العنب، عاش عاشقاً لوطن لا يعرف فيه إلاّ حدوده الضيقة وحجارة أرصفته وبيوته المهدّمة، وطن تغيرت فيه كل المعالم والملامح، واصبحت بقايا ذاكره تسكُنها الهزائم التي لحقت بالجيوش العربية وكبدّت شعبنا اللجوء والتشرد والقتل والترهيب نتاج تخاذل أوضع تلك الأنظمة فلم يعد هذا الحديث ذا جدوى بعد أن سقطت فلسطين في قبضة العصابات الصهيونية وممارستها أبشع أشكال وأساليب القمع والقتل الإرهابي ضد أبناء شعبنا، وبدعم وإشراف الدول الاستعمارية الإمبريالية، ذاكرة وطن تسكنه العبارات والشعارات التي تساقطت حروفها فوق طاولة المفاوضات والاتفاقيات التي تناست جراح وتضحيات أبناء شعبنا.

انحدر الشهيد محمد موسى من عائلة مناضلة قدمت الغالي في سبيل الدفاع عن الوطن والقضية والأمة والحرية وكان آخرها استشهاد ابنهم الذي لم يكن قد تجاوز السابع عشر ربيعاً وهو على مقاعد الدراسة الثانوية يجد ويجتهد حتى يتمكن من نجاحه للالتحاق بالجامعة، وفي أوقات العطلة المدرسية يعمل على أن توفر ذلك حتى يقوم بمساعدة والده الذي لا يملك الاّ راتب موظف حكومي لا يكفي تسديد مستلزمات البيت لعشرة أيام، انتظر طويلاً حتى يفرغ المصلين من صلاتهم يوم الجمعة والتوّجه الي مكان الاشتباك على مدخل حلحول الشرقي لم يكن كعادته شيئاً غريباً يدفعه حيث لا عودة كأنه على موعد مع قدر مجهول ولربما كان يعلم بأن اللحظات التي كانت تجمعنا  هي لحظاته الأخيرة فكلماته وإيماءاته توحي أن لحظاتنا الآتية تخبأ شيئا يعزفه القدر على أوتار الغياب، وكأنما كان قادماً الحزن والالم على رصاصات الحقد والغدر كأنه رسمت نهايته على مرآته عندما وقف امامها وتفقد ملامح وجهه التي تحوّ لت الي شظايا متناثرة تحكي تاريخ وطنا نازف في جسد العروبة ومصائب امهاتهم على ارصفة الانتظار امام شاشات التلفاز وهم يحاولن التعرف على ملامح جسداً قد شوهته آلة الحرب والحقد الصهيوني ولسان حالنا يقول اللهم صبر امه على فراقه، لم تكن تعلم هذه الام الصابرة والمرابطة التي هزت صرخاتها في جدار الصمت على أن جسده الطاهر  الذي يرقد على سرير المستشفى الاهلي هو جسد ابنها بعد أن تجمعت جماهيراً غفيرة من أهالي البلدة لتعرف على الجثمان وكانت تنظر الى شاشة التلفاز و دعواتها أن تصبر امه ولربما حاولت أن تتجاهل احساسها وهي تحدق على الصورة والكتابة بالخط العريض من يتعرف على هذا الشهيد التوّجه الى المستشفى الاهلي وخلال لحظات تحوّل الخبر الى استشهاد محمد عبد الجليل ابو ريان من بلدة حلحول من يوقف حزنها  ودموعها من يوقف صرخاتها ووجع قلبها وهي تردد غير مصدقه آخر  لحظاته، خرج مغتسلاً ومرتدياً أجمل ما لديه من ملابسه طابعاً قبلاته الأخيرة على خدها دموعها للقائه مع  غروب الشمس الشديد المحمل على الأكتاف لقاء الرجال والأبطال الذين تشربوا وتجرعوا  حب فلسطين الى ان قدموا حياتهم قرباناً لقداسة عشقهم على هذه الارض وتجاوزوا كل شعاراتهم وسبقوا بدافع الايمان ان الاحتلال الى زوال، وان المطلوب هو توظيف كل الطاقات الجهود للتخلص من هذا العدو  وأن نبادر دوماً بزعزعة أمنه واستقراره وليظل مدركاً أن وجوده على هذه الارض مهدد دائماً وواقعنا ساحة مفتوحة لكل ثوري ومناضل بالفعل والنشاط الثوري المقاوم الذي يهدد أمن دولة الكيان.

بقلم داوود هرماس