متى أعود

الأسير داوود هرماس يكتب "من صديقي في المنفى"

داوود
المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

في الشتات بلا وطن تائهاً كسرب حمام وتحت أجنحة الظلام زاحفاً باحثاً عن وطن تمزق هوائه إلى أشلاء أفتش عن نفسي في لوحة الذكريات... في مخيلتي جبال الخليل ونابلس والقدس والخليل ولأول مرة لا أجد معي في الصباح في سهل عكا وجبال الكرمل وقد أهلكتني دوماً دونما رحمة... هلكتني أزقة الغربة وملجأ الليل وجوع الأيام... وحر الصيف وبرد الشتاء القارص أتذوقه وأنين الغربة يذكرني بألحان الحجارة وألفة الجار بالعنب والتين والزوار والفقير الذي مات ملحاً وخبزاً والفلاح الذي مات نضالاً على أرضه... فها أنا في وطني أتناثر كالزيتون والليمون والرصاص كعظام الموتى ودماء الجرحى والعذابات فمتى أعود يا رفيقي ونحن منسيون هنا كفريسة لنظام الليل من ملوك وكلاب من جاري تطاول على البندقية وأصابعكم تعانق الزناد، وفي الخندق تهتفون أناشيد للعائدين...

صديقي صديقي متى أعود... اطمأنوا على عودتنا هل سؤالنا الصعب هذا سيبقى إلى الأبد هيا أجبني الآن ونار الغربة وطني تلذعني بين ضلوعي فأنا جداً أخاف... أخاف أن تزداد كؤوس الأشجار... تزداد نفوس الاشتياق وخيمتي في ظل الرياح العاصفة... فلا صليل حصان أو فارس بلا جواد فالسيف كلام غضب أو انتقام... فالأيام تمر ويخدعنا الصبر ... فها هي الأيام تمزقنا إلى أشلاء ما بين اليرموك والبارد وصيدا والوحدات ومن رصيف إلى رصيف أتجول وتحملني شوارع بيروت إلى القدس العتيقة لأتجول قليلاً في أزقتها القديمة... أعود بين الشاطئ والمركبة إلى يافا... وتبكي سكانين جراحي... تتراجع الأيام إلى اتفاق واتفاق.... متى أعود وأوتار المنفى في الحنجرة تعزف ألحان العودة... السؤال الصعب متى نجيب... هل سنبقى إلى الأبد ؟!