تقرير: أحمد بدير

وليد دقّة: قلبُنا الموجوع خلف قضبان الاحتلال.. ننتظرُك بيننا

وليد دقة111
المصدر / بوابة الهدف الإخبارية

مركز حنظلة_الداخل المحتل

"إنّ وليد دقّة يقلع شيئًا فشيئًا عن الدنيا. قدم عنّا مرّ السحاب يدفعه أشقّاء ناصر أبو حميد على عربة المسلوبين، يتلون عليّ أشواق ميلادٍ وأحزان سناء، والأسى يملؤ القلب على هذا العجز"، يقول الأسير محمود العارضة أحد أبطال عملية "نفق الحريّة" في رسالةٍ خاطب فيها يوم الخميس 30 مارس الماضي، رفيقه خلف قلاع الأسر، الأسير المفكّر والمُصاب بمرض السرطان وليد دقة، والذي شهدت حالته الصحيّة مؤخرًا تدهورًا خطيرًا، وسط إهمالٍ متعمّدٍ تُمارسُه إدارة سجون الاحتلال.

يوم الثاني عشر من أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت عائلة الأسير المناضل وليد دقّة من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، أنّه ︎وبعد فحوصاتٍ طبيّةٍ جديدةٍ أُجريت له، خضع الأسير وليد لعمليةٍ جراحيةٍ في الرئتين داخل مستشفى "برزيلاي" بعسقلان، حيث تم خلالها استئصال جزء من رئته اليمنى، وهو حاليًا في غرفة العناية الفائقة.

هذا التدهور الخطير ألم بالأسير وليد بتاريخ 20/3/2023 نتيجة سياسة الإهمال الطبي لغرض القتل المتعمّد في سجون الاحتلال"، كما تقول العائلة، حيث تم تشخيص وليد بمرض التليّف النقوي Myelofibrosis (سرطان نادر يُصيب نخاع العظم) خلال العام الماضي، والذي تطوّر عن سرطان الدم اللوكيميا الذي تم تشخيصه في العام 2015، إذ يحتاج وليد إلى عنايةٍ صحيّةٍ مكثّفةٍ للرئتين والكلى والدم، ومن ناحيةٍ أخرى يحتاج إلى إجراء عملية زرع نخاع بالغة الحساسيّة تتطلّب بيئةً علاجيّة لا يتوفّر الحد الأدنى منها في ظل ظروف الأسر، والحراسة المشددة عليه التي تمارسها إدارة السجون، مع العلم أنّ هناك أكثر من متبرعٍ أبدى الاستعداد لتقديم نخاعه ومنهم الأسير القائد زكريا الزبيدي، إلّا أنّ الزبيدي كشف بداية شهر يناير الماضي، أنّ إدارة السجون تماطل في تحديد موعدٍ لإجراء عملية زراعة النخاع الشوكي للأسير المريض وليد دقة، وذلك رغم قيام الأطباء بسحب عينة منه، بناءً على طلبه.

العمليّة استمرت لأكثر من 5 ساعات

وحول آخر التطورّات الصحيّة للأسير دقّة، تقول زوجته سناء سلامة في تصريحٍ لـ "بوابة الهدف الإخباريّة"، إنّ "وليد ما زال تحت أجهزة التنفّس الاصطناعي ولا يستطيع التنفّس بشكلٍ طبيعي بقواه الذاتيّة، لا سيما وأنّ العملية الأخيرة التي أُجريت له كانت حسّاسة ومعقّدة جدًا واستمرت لأكثر من 5 ساعات متتاليّة، ومسألة الاستفاقة من العملية ستكون تدريجيّة، لأنّ تقدير الأطبّاء أنّه يحتاج عدّة أيّام لتتضح الصورة الصحيّة أكثر لوليد".

وكشفت سلامة في يوم الأسير الفلسطيني، أنّ "هناك مؤشرات إيجابيّة، حيث بدأ وليد يستجيب من خلال بدء أجهزة في جسده بدأت تعود إلى العمل بشكلٍ منتظم دون مساعدة الأدوية مثل أداء الكلى والكبد، إلّا أنّ وضع وليد الصحي ما زال في مرحلة حسّاسة جدًا، وحالته الصحيّة تعرّف بأنّها "تحت الخطر"، لذلك ننتظر بفارغ الصبر أن يتعافى أبو ميلاد ويخرج من هذه الأزمة الصحيّة ويتغلّب عليها مع مرور الوقت".

المطلوب من المستوى السياسي

وبشأن حملات الدعم والإسناد مع هذه القضيّة التي تمثّل عددًا كبيرًا من الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال، تؤكّد سلامة أنّ "حملة الضغط من أجل إطلاق سراح وليد من سجون الاحتلال تعمل وتتفاعل بشكلٍ جيّد، ولكننا بحاجة إلى المزيد من الضغط والدعم، ودائمًا هناك مجال للمزيد من التفاعل وتفعيل الحملة وامتدادها وتعميمها على كل أبناء شعبنا الفلسطيني أينما كانوا في غزّة والضفة والداخل المحتل والشتات وعلى الساحتين العربيّة والدوليّة".

ورأت سلامة، أنّ "هذا يأتي دائمًا من منطلق أنّ قضيّة الأسرى هي قضيّة وطنيّة عادلة لأسرى حاربوا الاحتلال من أجل حريّة شعبهم ووطنهم، وللأسف التضامن أو "الهبّات التضامنيّة" تحدث عندما يكون لدينا حالة مَرضيّة لأسيرٍ موجود في دائرة الخطر الشديد أو مضرب عن الطعام حتى الموت، لذلك نؤكّد أنّ هذه الهبّات مطلوبة ولكن المفروض أن تستمر في العمل والضغط بوتيرةٍ وبثباتٍ معيّن وألّا تغيب أو تخفت وانتظار الحالة القادمة أو القضيّة المأساويّة القادمة لأحد أسرانا".

الاستنهاض المحلّي أولاً..

كما شدّدت سلامة، أنّ "المطلوب أن تقوم المؤسّسات الحقوقيّة والقانونيّة بإسناد وقفات التضامن الشعبيّة مع الأسرى، إلى جانب إسناد المستوى السياسي لهذه المؤسّسات والوقفات معًا، فالمستوى السياسي يجب أن يكون له دور كبير جدًا في تفعيل قضايا الأسرى وتحديدًا الأسرى المرضى والأسيرات، وأن يضع ثِقله في هذا الجانب، لأنّه لا يجوز أن يُمضي أسير فلسطيني أكثر من 30 عامًا داخل سجون الاحتلال ويُصاب بالمرض وقد يستشهد أحيانًا والمستوى السياسي لم يسمع عنه".

وأشارت سلامة في ختام حديثها، إلى أنّ "هذا واجب وطني وأخلاقي وسياسي من الدرجة الأولى، لذلك عليهم أن يقوموا بواجبهم تجاه الأسرى، وكل هذه الجهود مجتمعةً يجب أن تُثمر وتعود بنتائج توفّر أفقًا لتحرير الأسرى من السجون، لذلك المطلوب أولاً التحرّك محليًا بتضامنٍ واسعٍ جدًا ومن ثم الانتقال للساحة العربيّة والدوليّة، فلا نستطيع أن نطلب من العالم التضامن معنا في قضيّة تكون غائبة عن شعبنا محليًا، ويجب استنهاض هذه القضايا في الشارع الفلسطيني مع ضرورة أن تستعيد ثِقلها الوطني والسياسي في الشارع، وبعدها نُصدِّر هذه القضيّة عربيًا ودوليًا ونحشد الدعم والتضامن معها".

700 أسير مريض في سجون الاحتلال

وتستمر حكومة الاحتلال اليمينيّة المتطرّفة وذراعها مصلحة السجون في انتهاج سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى المرضى الذين يصل عددهم إلى 700 أسير مريض من ضمنهم 200 يعانون أمراضًا مزمنة ويتم احتجازهم في ظروف اعتقالٍ سيّئة، إذ لا يقدّم لهم العلاج المناسب، مما يضاعف من مأساتهم ويشكل قتلاً بطيئًا لهؤلاء الأبطال كما جرى مؤخرًا مع الأسير القائد ناصر أبو حميد.

وبالعودة إلى رسالة العارضة، فيزيد فيها: "قلت له امض يا وليد مثل حرف علّةٍ من صفحاتنا، امض حتى لا يراك محمود عليوات فيكفينا الفقيد في صدر أحمد مناصرة. امض يا وليد وارفع الحرج عنّا وسنحوّلك إلى رمزٍ من رموزنا. لا تبق؛ فأسرّة المرضى في سجن الرملة لا تشفي، والأوجاع أصبح لها لحنٌ يعزف على موائدنا...".

من هو الأســــيــــر الــمــــفــــكّــــر ولــــيــــد دقــــة:

ولد الأسير دقة بتاريخ 1 يناير/ كانون الثاني من العام 1961، لأسرةٍ فلسطينيّة تتكوّن من ستّة أشقّاء وثلاث شقيقات، في باقة الغربية. وتعلّم في مدارس المدينة، وأنهى دراسته الثانوية فيها، ولمّا لم يحالفه التوفيق في إكمال تعليمه والالتحاق بالجامعة، انتقل إلى العمل في إحدى محطات تسويق المحروقات.

واعتُقِل وليد برفقة مجموعة من الأسرى، وهم: إبراهيم ورشدي أبو مخ، وإبراهيم بيادسة؛ وجرى اتهامهم باختطاف الجندي "موشي تمام" وقتله من مدينة "نتانيا" في أوائل عام 1985، وحكم عليهم بالسجن المؤبّد مدى الحياة.

ويعتبر وليد دقة أحد عمداء الأسرى داخل سجون الاحتلال، وهو معتقل منذ 25 مارس/ آذار 1986م، ويقضى حكمًا بالسجن المؤبد. وهو يُعاني من عدّة مشكلات صحية، ويماطل الاحتلال في إجراء الفحوص اللازمة له أو عرضه على طبيب مختص، كحال سائر الأسرى في المعتقلات الصهيونيّة حيث المعاناة من سياسة الإهمال الطبي.

وتمكّن الأسير دقة من الحصول على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، ويعد أبرز مفكري الحركة الأسيرة، وله عدّة مؤلفات وبحوث مهمة أبرزها "صهر الوعي"، كما يعد شخصية متميزة بين كافة الأسرى، كما شارك وقاد الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعًا، عن منجزاتها ومكتسباتها، ويعتبر وليد من الكتَّاب المتمرسين في المقالة السياسيّة ومن محبي المطالعة والرياضة.

وخلال مسيرته الطويلة في الاعتقال أنتج العديد من الكتب والدراسات والمقالات وساهم معرفيًا في فهم تجربة السّجن ومقاومتها، ومن أبرز ما أصدره الأسير دقة: "الزمن الموازي"، "ويوميات المقاومة في مخيم جنين"، "وصهر الوعي"، و"حكاية سرّ الزيت"، وتعرّض الأسير دقة لجملة من السياسات التنكيليّة على خلفية إنتاجاته المعرفية بشكلٍ خاص، وسعت إدارة سجون الاحتلال لمصادرة كتاباته وكتبه الخاصة، كما وواجه العزل الانفرادي، والنقل التعسفي، وهو محكوم بالسجن المؤبّد، وفي عام 1999، ارتبط الأسير دقة بزوجته المناضلة سناء سلامة، ورُزقا في عام 2019 بطفلتهما "ميلاد" عبر النطف المحرّرة.

أحمد بدير: مُحرر ومُعد تقارير - بوابة الهدف - غزة