الأسير عبد الرحمن عثمان بين عزل قسري وعزلة اختيارية

المصدر / مركز حنظلة للأسرى والمحررين - وكالات

في فلسطين لا يكفي أن تُعتقل لمجرد الاشتباه، أو أن يُطلق الرصاص عليك من مسافة قريبة، بل يتجاوز المسمى الفلسطيني أبعاداً أخرى، كأن تصبح بين ليلة وضحاها أسيراً معزولاً لا تعلم ما يدور خلف قضبان سجنك، وتنسى آخر مرةٍ لمحت فيها العالم الخارجي وسمعت ضحكات عائلتك، ويُسلب منك حقٌ متواضع فتمنع إدارة السجن إدخال الثياب إليك تحت أي ظرف.
لا مبالغة في تلك التفاصيل بالنسبة للأسير المعزول عبد الرحمن عثمان (33 عاماً) من قرية مجدل بني فاضل جنوب نابلس، فقد جرى اعتقاله بتهمة قتل جنديٍ صهيوني في الأول من أيار لعام 2006، وكان اعتقالاً وحشياً وفريداً من نوعه.

في يومٍ اعتيادي من أيام العمل الخاصة بعبد الرحمن في مخبزٍ بأريحا، داهم جنود الاحتلال المكان وحاصروه من كل الجوانب، وفي محاولة عبد الرحمن للخلاص أطلق جنود الاحتلال رصاصتين لإعاقة حركته، إحداهما استقرت في يده اليمنى والأخرى في قدمه.

عزلٌ طويل
ولم يقف الاحتلال عند هذا الحد من الاتهامات، فبعد محاكمة الأسير عبد الرحمن لاحقاً اتهم بمحاولة إرسال رسالة مهربة إلى ذويه يصف لهم فيها كيفية خطف جنودٍ إسرائيليين، وعلى هذا الاتهام تم اعتقال أشقاء عبد الرحمن الواحد تلو الآخر.

فقد اعتقل شقيقه أحمد بتاريخ 12/3/2014، وتلاه اعتقال شقيقته سماهر زين الدين بتاريخ 28/5/2014، أما شقيقهم الثاني نزيه فقد تم اعتقاله من على معبر طولكرم بتاريخ 25/3/2015، وفي اليوم التالي لاعتقاله جرى اعتقال زوج شقيقته نادر زين من على حاجز زعترة.
تقرر احتواء قضية عائلة عثمان في حكمٍ واحد نال عبد الرحمن فيه حصة الأسد، وحكم عليه بالسجن المؤبد إضافة إلى سبع سنينٍ أخرى، وقد أطلق الاحتلال سراح أخيه أحمد وأخته الأسيرة سماهر.

قضية عائلة عثمان تتلخص في أسيرهم عبد الرحمن، وتقول شقيقته سماهر: "أمضى أخي في بداية حكمه مدة سنة وسبعة شهورٍ في سجن بئر السبع دون أن يسمح لنا بزيارته، وبعد أن خاض إضراباً وتدهور وضعه الصحي بغية أن تسمح له إدارة السجن برؤية ذويه أوقف إضرابه، غير أأن إدارة السجن لم تف بوعدها، وواصلت عزله منذ شهر نيسان لعام 2014 لغاية يومنا هذا".

لا محامي

أخيراً، أرسل عبد الرحمن لعائلته خبراً مفاده أنه لن يخرج للقاء أي محامٍ بعد الآن، رغم أن المحامي هو الطريقة الوحيدة لمعرفة أخباره وتطورات قضيته، إذ أن أياً من الوعود التي رسمت معالم قضية عبد الرحمن لم يتم تحقيقها، حتى أن الملابس لم تصل إليه منذ بداية العزل رغم أنه طالب بذلك كثيراً.

الأسيرة المحررة سماهر رأت أن ترفع صوتها من أجل شقيقها في العزل، فكما تؤكد ليس وضعه بالأمر الذي يُستهان به، فحوالي السنة في الأسر علّمت سماهر أن لا تسكت عن حقها، كما أن مرضها والرعاية المعدومة التي تلقتها علّمتها ذلك أيضاً، وكذلك الأنباء المغلوطة التي كانت تصل أهلها عنها، كأن يُقال لهم بأنها مصابة بالسرطان، لا بد علّمت سماهر كيف يكون الأسر.

المحاكم التي يتم عقدها في قضية الأسير المعزول عبد الرحمن يتم إجراؤها داخلياً ولا يمكن معرفة تفاصيلها إلا عن طريق المحامي، وهذا ما يؤرّق سماهر بعد أن تلقت خبر رفضه الخروج أو الاستماع إلى أي محامٍ بأي شكلٍ من الأشكال، ويكفي سماهر ما عاشته في سجون الاحتلال لتعلم أن الأسرى بحاجة إلى أن يشهدوا تضامناً أكبر والتفاتاً أقوى من المسؤوليين وأصحاب القرار.

سماهر ترى أن من حقها طرح تساؤلاتٍ لمن تتصدر قضايا الأسرى لائحة أجنداتهم، فتقول: "لماذا لا تصل أخبار شقيقي لنا إلا بعد انقضاء محكمته بفترة طويلة؟ ولماذا تصل هذه الأخبار على هيئة طلباتٍ فقط؟ إنها تتلخص دوماً في حالتنا بذكر حاجة أخي دون إيصال رسائله الأخرى، وغالباً ما يكون الخبر مؤكداً بأن الغرض الذي أرسلناه له لم يصل، وكيف يمكن لأسيرٍ أن لا يملك ثياباً منذ أكثر من سنة؟".

تترقب سماهر جل وقتها ردود المحامي حول الأسئلة الخاصة بشقيقها المعزول، لكن تقصيراً جلياً وربما يكون غير متعمدٍ يظهر في كافة وسائل التواصل مع المحامي، وتتعجب سماهر من ذلك، وتقول: "ألا يعلم معاناة ذوي الأسير وتلهفهم إلى خبرٍ بخصوص ابنهم مهما كان صغيراً".

تُظهر المحادثات بين سماهر ومحامي شقيقها رداً متأخراً على جميع الرسائل، وإن تم الرد فإن جميع الأسئلة لا إجابة لها باستثناء إيصال معلومة مفادها: "لم يصل المال لعبد الرحمن"، وتليها أسئلة سماهر المتكررة وكيف هو وضعه؟ صحته؟ ماذا حدث لحكمه؟ كم يريد أن نضع له بالكانتينة؟ ماذا عن الملابس؟ ثم لا تتلقى سماهر في نهاية المحادثة أي ردٍ يُذكر.

وإن كان هذا الأمر اعتيادياً بالنسبة لذوي أي أسير وليس بالأمر الذي يدهشهم، إلا أن سماهر ترفض أن تكون كباقي ذوي الأسرى، ولا ترى عيباً في المطالبة بحق أخيها الأهم والممكن، وهو التواصل مع عائلته.

سيستمر عزل الأسير عبد الرحمن إلى أجلٍ غير معلوم حتى يصبح العزل اعتيادياً بالنسبة له وبالنسبة لأي أسير، وإن استمر رفضه لرؤية أي محامٍ ستنعدم المعلومات الشحيحة التي كانت تصل أهله وستبدو معلوماتٍ قيّمةً آنذاك، ولكن عبد الرحمن لا يرى أن قضيته قد تسوء أكثر من ذلك، ويدافع بطريقته عن كرامته وكرامة ذويه.