الأسير أبو وطن العلي من قلب زنزانته يكتب

أثر الأغنية الثورية في نضالات وهبّات الشعوب المحتلة والمظلومة

97d476494ec8581982c71a6e7cbae74d

أثر الأغنية الثورية في نضالات وهبّات الشعوب المحتلة والمظلومة

تحية الوطن والثورة والنضالات التي لا تنتهي، تحية لمن جسدوا  كلماتهم وألحانهم الثورية فعلًا على أرض الواقع، يا من شققتم التربة وكلمات المنسيين، أنتم وعد الشمس، فوق هضاب القدس، ورايتكم الحمراء ستبقى فوق الأرض، وستبقى جبهتكم حمراء.

لقد برزت أهمية الأغنية الثورية والألحان الوطنية منذ القدم، واستُخدمت الأغاني والأشعار والأهازيج الثورية لتشحن همم الثوار والمناضلين، وتحثهم على الصمود والمقاومة، ومنذ الأزل البعيد، فقد كان على سبيل المثال الثوار الاسكتلنديين في زمن "وليام والاس" قبل مئات الأعوام يقيمون طقوس بالعزف الثوري بالقرب والمزامير عند النفير الى الحرب، والدفاع عن أراضيهم من الغزاة والمستعمرين أبناء طبقة النبلاء والإقطاعيين، حتى أن الإمبراطورية في ذلك العهد كانت تحكم بالإعدام على كل من كان يعزف، أو حتى يوجد في بيته قربة أو مزمار، وكان يُحرق منزله بمن فيه، وليس هذا إلا هذا دليل واضح وصارم على أن لحن الأغنية الثورية الملتزمة والمرافقة للفقراء والمظلومين والمستضعفين هي من أكبر المحرضين والشاحنين على المقاومة والثورة والصمود، والأمثلة على الشعوب والأحزاب الوطنية العالمية والقومية والأميية لا حصر لها، وهي بحاجة لمجلدات كاملة، لهذا سنركّز هنا على الأغاني الوطنية والشعر والألحان الثورية الداعمة لقضيتنا وثورتنا الفلسطينية المعاصرة.

ما أكثر الفرق التي عزفت لفلسطين وشعبها، وما أكثر المغنيين والشعراء الذين أنشدوا للوطن، ولم يقتصر ذلك على المغنيين والشعراء والفرق الفلسطينية، بل تعدّى ذلك إلى أضعافهم من العرب الذين سخّروا صوتهم وقلمهم لنصرة القضية والثورة الفلسطينية، وإذا كان لذلك دلالة فهي دلالة واضحة وجلية على اللُحمة العربية والقومية وحجم التصاق الشعوب العربية بالشعب الفلسطيني المناضل وحمل همه، ونعتز بذلك على مدار السنين، ونستذكر من هذه الدول على وجه الخصوص، لبنان، سوريا، العراق، مصر، الأردن وغيرها من الدول والفنانين والشعراء والفرق من أمثال : جوليا بطرس، خالد الهبر، سميح شقير، محمد الماغوط، بدر شاكر، العظيم مظفّر، والشيخ إمام، فرقة المجد التابعة لحزب الله، فرقة الغرباء الأردنية، فرقة العاشقين المهجّرة، أحمد قعبور، والقائمة تطول وتطول، إن هذا الولاء والنصرة المتبادلة بين الشعوب العربية وخصوصًا شعوب الدول المجاورة وشعب فلسطين، تتصدر أسمى معاني النضال والحس القومي العربي العظيم الذي يدفعنا وبما لا مجال فيه للكتمان للوقوف بصمت كما ونحن بدورنا كشعب فلسطين وكحزب يساري تقدمي، نقف معهم ومع شعوبهم قلبًا وقالبًا في معاناتهم والظلم الواقع عليهم، إيمانًا منا بعدالة قضيتنا التي هي جزء لا يتجزأ من قضايا الشعوب العربية أجمع.

قال الشاعر: 
لو رحل صوتي.. ما بترحل حناجركم..
عيوني على بكرا.. وقلبي معكم 
ولو راح المغني..بتضل الأغاني
تجمع القلوب المكسورة.. واللي بتعاني 

كلمات تصل العقل والقلب، تمدُّ أحرفها وكلماتها إلى داخلنا وتمس أطهر ما فينا، تمس قلوبنا، وكثيرة هي أمثلتها، فمن "وين الملايين" و"يا ثوار الأرض" لجوليا بطرس إلى شعر "تل الزعتر" و"القدس عروس عروبتكم" لمظفر النواب، وصولًا "لحمام القدس" لأمل عرفة وجوليا، مرورًا على رمانة ووقعها حضانة، و"شلالات الدم" لسميح شقير و"فلسطين الفداء" لفرقة المجد، و"هبّت النار والبارودة" لفرقة العاشقين...إلخ من هذه الأغاني والكلمات الثورية الصادقة والحقيقية النابعة من القلب مباشرة والتي تُجسّد الحقيقة، وتدعو الناس والشعوب للالتفاف حول الحدث، والحالة الانتفاضية والمقاومة للشعب الفلسطيني، التي تدفع كل من يسمعها لمساءلة نفسه : "أين أنا؟ وماذا قدمت لنصرة الشعب الفلسطيني ولنصرة القضية؟"، وحيث تكون هذه الكلمات تُعبّر عن حدث لحظي ويقع الآن أو وقع قريبًا مثل استشهاد "هديل الهشلمون" وصدور أغنية "عشاق الطعن"، بعدها مباشرة وابتداءها بقول "هي أختك، هي أُمّك"، فكم من شاب انفجر في قلبه الغيرة وحبه على الوطن والعرض وهبَّ بلا تفكير ولا تردّد وبلا خوف كالأسد ممتشقًا حجره وسكنيه وبندقيته، وزأر ليزوز عن عرضه، وهبَّ للانتقام لأمه وأخته وأرضه.

إن اللحن والكلمة الصادقة والثورية المحرضة لتمس القلب وتمس العقل شعورًا، ثم تترجم إلى عمل يشفي الغليل ويريح القلوب، فهي ترفع بمسامعها إلى مراجعة حساباته ومواقفه ووطنيته، ونحن هنا لا نراهن وحسب على الهبّات الفردية، بل على دفعها للغير بالابتداء بها ولتحمل مسؤولياته الوطنية والثورية، إن صرخةٌ صادقة من القلب "وين الملايين" و"يا ثوار الأرض"، كفيلة أن تدفع الناس للاستيقاظ والخروج إلى الشوارع والساحات ونقاط الالتماس والاشتباك مع العدو، كما أن الأغنية والكلمات التي تُجسّد حقيقة الفعل في الشارع مثل: "نزلوا صبايا وشبّان يتحدوا الدورية" أو "رجع الخي فوق كتاف رفاقو ومحبينو" أو "يا شعبي في الضفة قاوم"، تُثبت بلا شك صدق الكلمة، وتحضُّ الجماهير على الصمود والإنخراط بالثورة، وهنا تمامًا يأتي دور الحزب الطليع اليساري والثوري المنظّم أن يلتقط اللحظة ويمشي على رأس حربة المواجهة مع الجماهير، آخذًا بيدهم، منظمًا لهم، لكي يزيد من فتيل الثورة، ويمدها بالطاقة لتُعمّد لوقت أطول، كي تؤمن بحتمية النصر، ليكون حزب فكر وثورة وبندقية، وليكتب اسم الثورة بدمّه، لأن هذا هو حتم الانتصار، وليؤمن إنهم سيرحلون  وسنبقى لإننا الأقوى، وإن كانت يد الصهاينة هي يد الغدر، فيدنا ستغسل حِرابًا عليهم، كل هذه الكلمات والجمل والأشعار تطلب منا بكل وضوح كحزب أن نكون في المقدمة لنصرة الجماهير، فمن جملة "وا معتصماه" إلى "شيعوا للكتائب" وصولًا إلى "حزب وفكر وبندقية شرط الانتصار" هي كلمات واضحة وصريحة تطلب منا بشكل مباشر وواضح كحزب، وأقول كحزب لأنه بنا ينتصر الجماهير ويحيي نضاله العفوي، متحولًا إلى نضال منظم ومستمر ومشتعل حتى التحرّر الكامل.

      ختامًا، إن كل "يا زريف الطول" وكل كلمة ولحن وأغنية وبيت شعر، لها فعل تحريضي إيحائي يساوي عشرات الرصاصات إذا وُجّهت بإحكام وبطريق سليم، طريق البوصلة الغير مشبوهة، ستؤتي أكلها، وستصلي الأعداء نارًا.
دمتم رفاقي ودامت الحناجر الصادقة التي رضعت حب الوطن والثورة والمقهورين، وإنا حتمًا لمنتصرون.

بقلم الرفيق: أبو وطن العلي