نعتذر منكم لأننا لمْ نمتْ

يكتب الأسير شادي الشرفا عن هلّوسات أسير .. نعتذر منكم

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

نعتذر منكم لأننا لمْ نمتْ... نعتذر منكم لأنّ مأساتنا.. قد تُعكّر صفوّ ملّهاتِكم.. نلتمس العذر منكم .. ومن ضمائركم الحية والتي "قد" توخز حين تشاهدوننا  ننتفض على الأسياج أو نجوع داخلها نستسمحكم العذر لأنّ الأقدار شائت أنْ تؤجل استشهادنا واستبدلته بأسر طويل يطول  العقود وكم أرهقتكم  طباعة (هاشتاج) دعماً للأسرى ولصمود غزة  (هاشتاج) وكفا وربما كلمة صغيرة لإزاحة العبئ عن كاهلكم ولايك بين حين وآخر حتى تغدو الكلمة واجب وبفعل مجرد نقرة على الشاشة.

ابتعد.. ابتعد عن الفعل كي لا تصيبك عبر النضال والتضحية حيث يقال أنها تستك بأصحابها فهرول  بعيداً عن تظاهرة ما  أو زيارة لأسير ما، حتى لو طاق  لرؤيتك فدع المنتفضين والأسرى في حشرهم الصحي يشفه من مرض عظامهم الخبيثة التي تسمى ( مقاومة )  فهي تصيب الوجدان في مراحلها المتقدمة ووجدانك أرفع شأناً من أن تلوث.     

أنظر إلى المرآة... أيها العربي أنظر جيداً.. ماذا ترى ؟ حسن جمالك وطرف لباسك؟ تصحّر جيداً لتكتشف  أن من في المرآة هو حقيقة  أنت، وما أنت  سوى انعكاس حقيقتك..  فأنت الحقيقي  في المرآة  وليس قطعة اللحم و الدم أمامها وأنت المرآه ليس سوى شئ من الجماد، تخلو من أي أحاسيس ومشاعر وتستقر إلى الضمير.

أحقاً ذلك؟

أنصحك أنْ تصبر في أعماقك جيداً، قد تجد عبق التاريخ الحي ، ومهد حضارات صنعت المستحيلات علاّ ذلك يدلك على ارادة مكتوبة في احدى زوايا وجدانك.

 لكن لا تلم نفسك كثيراً،ولا تجلب ذاتك لا سمح الله فمسؤولياتك اتجاه نفسك كثيرة وهمومك الخاصة عملاقة، والمشكلة قد تكون جينية  توارثتها عبر أجيال وأجيال.. "نقد  العقل العربي" قال الجابري " ان ارثنا ثقيل وعلى ثقله مازلنا حتى اليوم نحمله كالصخرة  أكتافنا،  فالبداوة باطننا  على ما يبدو، وربما هذا مرض جديد نعاني منه اسمه (متلازمة البداوة)

 وكي لا يأّنب ضميرك   أقول: لا مبالاتك أيها العربي الأصيل، ليست جرماً إنّما عنصراً أساسياً في تكوينك فا هو المفكر العقد الاجتماعي "تومس هوبز"  قال إبان عصر النهضة أنّ الإنسان أصله شرير لذا تقوم المجتمعات البشرية على صراع الكل بالكل  منذ البداية.

 أمّا نظيره (جان جاك رستو) فكان على ما يبدو ثملاً حين أنشأ أن الإنسان أصله جيد مثل  البقرة الضاحكة على حد تعبيره "LAVSHKERY"، وأي بقرة تستطيع النجاة من صراع البقاء الذي يحكم هذا الغاد؟

فلا تلُم نفسك مرة أخرى على فردانيتك فهذه بالذات ليست سوى انتكاسة ليبرالية عابرة ستزول حين ينفذ الاستعمار يديه عن  منطقتنا خلال بضعة قرون فقط، قيل لي أن قنال الغاز التي يلقيها  جنود الاحتلال على   المتظاهرين بالضفة لا تحتمل لذل يحجم  الكثيرون عن الاقتراب.. يال المفارقة..  فهذه القنابل نعرفها جيداً.. وأعترف أنها قاتلة، لكن مع  فرق صغير: أنها في المظاهرات تضرب ما كان مفتوح،  أماّ هنا،  فتلقى علينا في زنزانة صغيرة لا منفذ للهواء، ا وحين يهديها السجان المكمم يلصقها  بغاز البودرة وهو اشد استعجالاً للموت، فنرتمي أرضاً    نصارع الموت، و حتى الملحد الشهادة وقبل لحظات.. لحظات فقط من مفارقة الحياة تعادل ظهراً، يسعفنا السجان "الرحيم" بقنبلة الأكسجين، بعضنا يصحو من الإغماء بنصف غشاوة،   يلمح الوجوه المسطح على الأرض وقد امتلأت بالمخاط  واستحمت بالزبد الذي يخرج من الأفواه وهنا ليس الألم هو المعضل، إنما أمنيتك أن تموت لتنهي المعاناة.

 لكن السجان المسكين لا يفهم المعادلة فيستغل هوامك بالركل بالأرجل والعصي على  جسدك الميت لا يدرك  المسكين بشهوتك  للموت وفقدانك الإحساس بألم العصي.

  وهنا تتكرر فردانيتنا، حيث لا أحد يهتم بالآخر،  كل يريد أن يرحل أو ينجو على طريقته ثم تصحو قليلاً من موتك المحتم  لتقول لسجان لن أموت على طريقتك .. سأتحداك حتى في مماتي.

هذا ما يسمى بالقمع التي تسمعونها عبر وسائل الإعلام، وبعد انتهاءها تتواصل معاناتك مع رائحة الغاز في الزنزانة لمدة ثلاثة  شهور متواصلة فكل وسائل التنظيف الممكنة لا تزيل الرائحة على الجدران ، فتلتصق بودرة الغاز في كل شئ، لذلك تفرض على نفسك التعايش مع هذه الحالة عبر العطف وحرقة العين  وتقرحات الجلد وضيق النفس لثلاثة شهور فقط.

 قد يكون هذا مشابهاً لما يجري في غيتو غزة، فالسكان هناك سيقتلهم  احتلالهم أو جوعهم أو قهرهم،  ليأتي انسياح الشعب إلى السلك الشائك ليقولوا سنموت على طريقتنا وفي التوقيت الذي نحدده لأنفسنا ً فالتحدي يصير مزدوجاً ، "التحدي للاحتلال، وتحدي للموت نفسه".

 فإياك والمشاركة في المواجهة كي لا تخرب توازن الثورات ، حيث قيل أن الثورة يبدأ مغامر ويخوضها شجاع ويقطف ثمارها جبان ..ومئة  كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمك كما قال المثل، و وأيضاً كي لا يستخ حذائك.

ولما نستهجن الموقف العربي من القضية الفلسطينية  وكأن العرب لا هامّة لهم سوى بيت المقدس؟  فلماذا تحمل العرب وذر القضية في ظل لا مبالاة  الفلسطيني نفسه ؟ ومن قال لكم أن التراب غالي حتى ولو سالت عليا أكثر الدماء؟ ماذا توقعتكم؟؟

 أن تنتفض الشعوب العربية وتزحف باتجاه القدس حتى لو فعلت ؟ فهنالك  من  سيزحف لمواجهم ليس لشئ إنما" ليس بيننا وبين اسرائيل أي  أعداء" كما قال محمد بن سلمان: وأيضاً، لتأكيد على حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، أليس هذا ما قاله وزير خارجية البحرين، واللهِ، قارمطة البحرين سيتنفضون في قبورهم  لو سمعوا العواء:  كيف لم ترتعش حين وصلها صدى التصريح المشين أتهوّدت هي أيضاً!

يذكرنا السفير البريطاني  السابق بكرامتنا ويقول: أين كرامة العرب بريطانيا الانتداب هو الاستعمار تختبر كرامتنا أحقاً خسرنا في امتحان الكرامة وامتحان نخوة وامتحان شرف ترعرعنا على المواصفات العربي كي لنا أنهم مقدام وجريئ وذو نخوة وكرامة و عزة وشرف وفي أول اختبار لنا كما سقط مسبقاً في إكرام الضيف كيف لا  وترفض كل دويلات الخليج استقبال اللاجئين السوريين وتتركهم نائمين في صحراء مآسيهم أو تبتلعهم مياه البحر المالحة في أحسن الأحوال.

تنتظرون  تتضامناً عربياً    هنا خطيئتكم فنحن نتوقع تضامن الأجنبي:  أما العربي فمن المفترض به أن يقدم الغالي والنفيس لأن قضية فلسطين حسب قانون التاريخ بل قانون الطبيعة، هي قضية كل العرب وليس قضية الفلسطينين، وحدهم لكن حقيقة الأمر أن  الأنظمة القطرية العربية  بحظائرها كلها وعهرها  كلها وخيانتها كلها وكل وهمها  قد انتقلت لمرحلة التقاعس عن مسؤوليتها اتجاه القضية  الى مرحلة التهاون  فالاستسلام ثم التعاون المباشر مع المحتل.

 هذه الحقيقة أصبحت واضحة كل الوضوح وأجمل ما في  هذا التطور ­­هو أن صار سهلاً علينا تحديد معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء وما أكثر أعداءنا.

 ورغم نشأة المأساة لازلنا نعول على بذور الأمل فالشعوب التي تغزت من البارود تربتها فتثور من تحت رمادها وقهرها.

نوعدكم بشئ واحد فقط أن لا نقلص أحلامنا أم نقلص أحلامنا ليس لشئ لأنها أصلاً بالكاد ترى بالعين المجردة فهي  ببساطة القليل من الحريات والعودة وبعض من العدل وحسنة من الكرامة وبيت صغير وشجرة ورؤية أخِ الحبيب غائباً منذ سنوات.

ومرة أخرى نعتذر منكم لأننا لم نمت

وأعتذر منكم

وأعتذر منك لأنني لم أمت.