بقلم الكاتب الفلسطيني: غسان أبو نجم

وليد دقة الطيف الخالد، استعجلت الرحيل

وليد دقة3.jpeg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

مهلاً يا رفيق أتغادرنا ولم تشهد عيناك النصر القادم كالطوفان من غزة التي طالما تغنيت بها، هل اشتاقت عيناك لجيفارا ورفاقه أم أنك تعطينا درساً جديداً بالشموخ والعنفوان وجدلية الصراع مع المحتل.

مهلاً يا رفيق فـ 38 عاماً من الأسر لم تكفِ، فشباب جيل الطوفان ينتظرونك لتعمد شهدائهم  وتداوي جرحاهم الذين عبَّدوا طريق النصر بالدم.

لقد وعدتنا يا أبا ميلاد أننا لن نموت ولكن سنقتلع الموت من أرضنا أم أنك تسطر معنى آخر للموت فتطلق روحك في وجه جيش الإبادة الصهيوني رصاصة تصيبهم في عمق منظومة الأخلاق والقيم الزائفة التي سطروا لوائحها بدماء أطفال غزة وحفروا أنظمتها على جدران الزنازين.

أيعقل أنك قررت أن تقهر القهر والموت والمرض فاخترت طريق البقاء في ذمة الخلود إلا أن ترى عيناك فلسطين تقبر القهر وترى ميلاد كوعد الشمس تحلق في سمائها. لقد أدخلتنا في حيرة أبدية يا رفيق.

لماذا هذه العجلة يا رفيق ولم تلمح عيناك بعد أبناء اليمن السعيد يطلقون سهام حبهم نحو فلسطين ويعانق رجالات لبنان جليلنا الأعلى بنيران سخطهم وتتلألأ سماء فلسطين بعنفوان نيران غزة ليكتمل قوس قزح وينهمر مطر غضبنا شهباً تحفر طريق النصر والتحرير.

غادرتنا ولم تلمح عيناك هزيمة رأس الشر العالمي وحليفها الصهيوني أمام أبطال غزة ولم تشهد سقوط منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية للغرب الاستعماري الذي ناضلت طويلاً لتعريته وتكشف أدواره الفاشية والنازية ولم تكحل عيناك بصمود شعبنا وتمسكه بأرضه ومقاومته رغم الحصار والقتل الممنهج ورغم الجوع والعطش وتدمير البنية الصحية ظل شامخاً معتزاً بمقاومته ولم تثنِهِ حالات التقتيل والجوع والحصار والخذلان العربي والإسلامي. فكانت جماهير شعبنا الفلسطيني كما علمتنا دائماً، الحاضنة الشعبية التي لطالما ناضلت بفكرك وعبر سنوات اعتقالك للحفاظ عليها.

لو تمهلت قليلاً يا رفيق لترى وحدة الساحات تتترجم في أرض المعركة وترى جنين تساند أم الفحم وتلمح عيناك القدس تعانق غزة وتفرح لعناق لبنان للجليل وحيفا وترى سحب اليمن تغطي سماء فلسطين.

آه يا أبا ميلاد يا سر وحدتنا العصية على الانكسار وذاكرتنا المحصنة من النسيان. أوجعتنا برحيلك ولكن عزاؤنا أنك غادرتنا ممسكاً بمقاليد بنيتنا الثقافية وسرديتنا التاريخية قابضاً على الزناد ومتوشحاً بذكريات رفاقك في درب الآلام.

غادرتنا يا رفيق ولم يتحقق حلمك بالحرية التي صنعتها عبر نطفة رأت ميلاد الحرية وسطرت أدباً يحاكي الحرية وليس حياة القيد ورأيت جود بطل روايتك يشق الطريق الوعر لزيارة والده وكشفت سر الزيت وعمق سر السيف وأسطورة سر الطيف فكنت حراً في رواياتك وحطمت القيد الذي كبل كاحلك وأطلقت عنان الحرية لفكرك وأدبك فعلمتنا معنى الحرية التي حرمت منها، فكنت حراً أكثر بكثير من عقول وأيادي مكبلة.

ألهذا تركتنا يا رفيق؟

سلام لك وسلام عليك وعلى رفاقك ابراهيم الراعي وجيفارا غزة وعدي الجمل ولكل من عبَّد طريق التحرير والعودة بالدم والفكرة.