وقوع الأسير أبو زكي ضحية الاهمال الطبي

الأسير أحمد شعبان عبيد ورحلته مع المرض بقلم الأسير شادي الشرفا

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

 

لم يدرِ أبو زكي أنّ مصيره سيكون الأسر عندما عقد خطوبته على حبيبته، ولم يكن يعلم أنّ واحد من كل عشرة شبان بالقدس مصيرهم الاعتقال.

وهكذا، قبل حفل الزفاف توجه به في أقبية التحقيق، هناك في وحدته مع ظلمة زنزانته أدرك أن مشروع الزواج قد تأجل قصراً لسنوات طوال.

   وأصبح حينها  الاستقرار في الحياة وبناء أسرة ضباباً، وتحطمت أمام الاعتقال، وهذا ما لم يدركه أو يتوقعه برهة من الزمن، لكن سرعان ما تأقلم مع هذا القدر.

أحمد شعبان عبيد من قرية العيساوية في القدس المحتلة، يناديه رفاقه أبو زكي على اسم أخيه زكي الذي استشهد عام 1999 خلال المواجهات مع قوات الاحتلال أثناء محاولة الجرافات هدم بعض البيوت في القدس تحت حجة عدم الترخيص.

كان أحمد عمره تسع سنوات فقط حين دفن أخاه الشهيد، ونحن لا نغسل الشهيد قبل الدفن ربما لأننا نغتسل بدموعنا ونكتفِ بهذا القدر من الغسل، فيما يغتسل الشهيد بدمائه التي تروي تراب الأرض بحكايات لا تنتهي من البطولة والقهر.

ربما كان أحمد محظوظاً وابتسم له القدر ليتسنَ له وداع أخيه الشهيد، فيما أخاه نصر لم يلقَ نظرة الوداع على الشهيد لأنه كان أسيراً في سجون الاحتلال.

ولم تتوقف معاناة العائلة عند هذا الحد فالقدر ظل يلاحقهم، فاستمرت المعاناة من اجراءات الاحتلال الهمجية حتى اعتقال أبي زكي عام 2013 ينفصل عن أقاربه ومحبيه ولتغدو خطيبته إيمان أنيسة الصبر وظلها الأمل وعدوها تسع سنوات من الانتظار من الحكم الجائر على أبو ذكي.

تسع سنوات تفصل بينها وبين خطيبها وحبيبها والذي دخل السجن ليلقى ما لم يتوقعه أو يحسب حسابه وهو أن يجتاح جسده اليافع جملة أمراض كان من الممكن علاجها في بداياتها لكنها باتت خطيرة نتاجاً عن الإهمال الطبي المتعمد من قبل عيادات مصلحة السجون.

قصة أحمد مع المرض يطول شرحها، فبعد قرابة العام من اعتقاله تحديداً في أواخر عام 2014 بدأ يشعر في غشاوة في العيون. لم يعد يستطع إطالة المطالعة كما تعود منذ بداية الاعتقال، وصارت الحروف عبئاً قاسياً عليه. انتظر دوره إلى الذهاب إلى عيادة السجن، طال انتظاره لأن حالته ليست طارئة بالنسبة لطبيب السجن الذي يحمل رتبة رائد في جهاز أمن مصلحة السجون؟

اعتقد أحمد أن لا علاجاً نافعاً يقدم له، لكن لا شئ، هكذا عاد إلينا خائب الآمال . وكان تشخيص ما يُسمى بالطبيب هو الإرهاق وقلة النوم ؟!!

لكن تفاقم ألمه وازدادت الغشاوة وصار كل شئ يراه ضباباً، ذهب للعيادة مرة أخرى بعد انتظار آخر لدوره. وأيضاً عاد دون علاج باستثناء وصفة سحرية من السجان الجزار، عفواً الطبيب، بأن يبتعد عن ضوء التلفاز وأشعة الشمس. بعدها اكتسى الاحمرار عينيه ومرة أخرة لم يقدم له العلاج لكن لم يبخل عليه الطبيب بنصيحة لا تخطر على بال مختصي الطب البديل وهي أن يغمض أعينه نهاراً.

حالته الاستثنائية فرضت احتجاج الأسرى على حالته ورفع عدة شكاوي ثم بعد التهديد توجه إلى المحكمة وتم تحويله إلى عيادة سجن الرملة للفحص عدة شهور مضت حتى جاء دوره على عيادة الرملة وغالباً ما يرفض الأسرى الذهاب لهذه العيادة ويتنازلون عن الفحوصات لكي يتفادوا مشقة البوسطة، لكن أبو زكي عزم على الذهاب بطريق الآلام إلى الرملة واعتقد أن الطبيب المختص سيجد له العلاج، لكنه وجد أخصائي نظر وظيفته قياس درجة الانحراف وبيع نظارة طبية؛ فبيع النظارات تجارة مربحة تجني منها إدارة مصلحة السجون أموالاً لا بأس بها من الأسرى.

أخصائي العيون لم ينفع، وكان لا بد من أن يفحص لدى طبيب عيون وبعد عناء طويل وشكاوي واحتجاجات وافقت الإدارة على أن يلتقي بطبيب خارجي في مشفى العفولة، لكن الوقت كان متأخراً جداً حيث تبين أن لديه التهاب حاد في أغشية العيون، وأنه يحتاج دواء خاص للعلاج الذي سيطول أمده.

كانت نصف الفرحة أن يوصف له الطبيب العلاج، ولكن تبقى مشكلة أخرى في أن توفر له الإدارة العلاج، بضع قطرات للعيون عجزت إدارة السجن عن إحضارها، ماطلت وماطلت فكاد أن يخسر نظره لولا مراجعة أخرى من طبيب العيون الخارجي والذي تفاجئ من أن عيادة السجن لم توفر الدواء المطلوب، واضطر أن يعطيه الدواء من المشفى حيث أخذ حقنة في عيونه، وأعطاه قطرات خاصة عليه تجديدها بعد أن تنفذ، لكن عيادات السجون لم تجدد له الدواء بعد نفاذه وانتقل في هذه الأثناء بين ثلاثة سجون هي جلبوع والنقب ورامون ولم يوفر له سوى قطرات للعيون من نوع آخر تساعد في ترطيب الجفون لا غير.

والأنكى من ذلك أن إحدى العيادات أخبرته بأنه لا يعاني من أي إشكالية ولا داعي حتى للقطرات.

بعد معاناة استمرت قرابة العامين قرر طبيب العيون بأن وضعه خطير ومن الممكن أن يخسر نظره نتيجة عدم انتظام أخذ الدواء حيث تفشى الالتهاب في كافة الأغشية. وتطلب ذلك علاج بالكورتيزون بجرعات عالية لمدة عام.

كان من المفترض أن يلتقي الطبيب بعد شهر لكن ماطلت الإدارة لمدة عشرة شهور، وحين التقى بالطبيب تبين له وجود أعراض مرضية أخرى وبعد فحوصات شخص بأنه يعاني من مرض اسمه "بهجت" وهو مرض مزمن يصيب الأوردة الدموية ويهاجم أجزاء الجسد ويعتبر من الأمراض المزمنة الخطيرة.

رحلة أحمد عبيد مع المرض ستطول، وسيروي يوماً عام 2023 أن حاله كحال عدة أسرى يتوسلون العلاج كل لحظة ويصرخون في صمت كما يزرعون الأمل في صمت ويناضلون في صمت.