لا حياة لمن تنادي

ماذا بعد "الإنتربول"بقلم الرفيق الأسير شادي الشرفا

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

تخيلوا أن يتأهل المنتخب الفلسطيني لكأس العالم لكرة القدم، والجميع يحتفل بهذا الانجاز الرفيع، وحين تبدأ المباريات تجد اللاعبين الفلسطينيين في المدرج على مقاعد المشجعين دون خوض أي مباراة!

وهذا بالضبط حالنا نحن الفلسطينيون فيما يتعلق بالمحافل الدولية حيث نهلل ونحتفل بانضمامنا إلى المؤسسات الدولية ونعلن تسجيلنا هدف جديد في المرمى الإسرائيلي، ولكن حقيقة الأمر أنه لا يوجد مرمى ولا هدف ولا حتى كرة، لأن النية في استخدام هذه المؤسسات كأداة للضغط على الاحتلال غير موجودة أصلاً.

ننتقد السلطة الفلسطينية باستمرار على التلكؤ والمماطلة في التوجه إلى المحافل الدولية، ونعتبر أن لدينا بنك خطوات دولية ذات أهمية بالغة لصالح الفلسطينيين لم نستنفذها بعد، وأن مؤسسات المجتمع الدولي قد تفيد بالضغط على الاحتلال، لكن تبين حتى اللحظة أن القيادة الفلسطينية المتنفذة تناور خجلاً بهذه المؤسسات فقد جفت الأقلام ونحن نطالب بالتوجه إلى المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي أو محكمة الجنايات الدولية في روما لرفع قضايا ضد الانتهاكات الإسرائيلية لكن لا حياة لمن تنادي.

مازال الأسرى الفلسطينيين يطلبون بإنصافهم عبر وضع قضيتهم أمام المحافل الدولية للاعتراف بهم كأسرى حرب وليس كمجرمين أو مخربين، فلقد طالبنا باستخدام هذه المؤسسات الدولية من أجل ملاحقة السجان ومقاضاة الاحتلال، وبالتالي تحويل ظاهرة الاعتقالات الجنونية من سيف مسلط على رقاب شعبنا إلى أداة ضغط على الاحتلال، لكن مرة أخرى لا حياة لمن تنادي.

وها نحن انضممنا إلى المنظمة العالمية لشرطة "الانتربول" ومازال السؤال... هل تسرعنا في القيام بهذه الخطوة؟ وهل درسنا جيداً الربح والخسارة من هذه الخطوة؟ وهل سيبقى السجانون وزمرة الأمن الصهيونية المجرمون طلقاء ودون ملاحقة قانونية على انتهاكاتهم بحق أبناء شعبنا وعلى تجاوزهم للقانون الدولي والإنساني؟؟!

إن القيادة الفلسطينية تتحمل جزءاً من المسؤولية لتصرف الاحتلال وكأنه دولة فوق القانون الدولي والإنساني؛ فمعضلتنا قديمة بعمر أوسلو حيث راهن الوفد المفاوض على المفاوضات وعلى الوعودات الأمريكية الواهية بل وحتى على صدق النوايا الإسرائيلية، ورفضت القيادة اليمينية المتنفذة  كافة النصائح للسباق مع الزمن عبر التوجه إلى المؤسسات الدولية، واعتبروا ذلك خطوة أحادية الجانب تضر بالمسار المفاوض وتخلل الثقة بين الجانبين فيما يسمى "مسيرة السلام" في حين كانت دولة الاحتلال تتخذ فعلياً ومنهجياً كافة الخطوات الأحادية الجانب التي تخدم مصلحتها وتؤبد احتلالها؛ فقضم الأراضي وبناء المستوطنات تزايد بشكل جنوني بعد أوسلو 1993 وبلغ عدد المستوطنين اليوم ما يفوق الــ(750 ألف) مستوطن بعد أن كان العدد (11 ألف) تقريباً منذ بداية أوسلو المشئوم، واستمرت على مدار أكثر من عقدين سياسة الاحتلال من تهويد ومصادرة أراضي وقتل واعتقال وصولاً إلى بناء جدار الآبارتهايد العنصري ثم الاجتياحات المتكررة للقضاء النهائي على أي إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أراضي علم 1967.

واللافت أن سياسة السلطة سقطت في فخ الالتزام بالقانون الدولي والمحددات الأمريكية للمناورة السياسية والتي تتضمن نبذ المقاومة، فيما تخرق دولة الاحتلال بإرهابها المنظم القانون الدولي يومياً، فيندرج انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني تحت عدد من الجرائم الدولية التي جرت تحريمها في نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا ما يوفر إمكانية المسائلة والمحاسبة القانونية والمحاسبة الدولية والمحاكمة.

 ورغم أن هذه الأدوات الدولية بأيدينا خاصة بعد دخول فلسطين نطاق العدالة الجنائية الدولية بعد الاعتراف بفلسطين عضواً مراقبا عام 2012 إلا أن التردد في رفع القضاء الدولي على جرائم الحرب المرتكبة ضد أبناء شعبنا ما زالت هي سمة الموقف.

إن استخدام القانون الدولي جيد كأداة لتدويل الصراع الفلسطيني وإحقاق جزءٌ من العدالة خاصة أن الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا تتم برعاية النظام السياسي الإسرائيلي بمختلف سلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولكن يأتي انضمامنا إلى المنظمة العالمية لشرطة "الانتربول" ليطرح مجدداً علامات استفهام كبرى، هل هذه الخطوة مجدية في ظل تعمدنا التأخر لحسابات معينة عن الانضمام إلى مؤسسات أخرى؟، والسؤال الآخر هل ستستخدم هذه المنظمة لملاحقة الاحتلال وقيادته على الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين أم ستستخدم شرطة الإنتربول لملاحقة خصوم السلطة وأعدائها السياسيين تحت بند الفساد أو غيره؟ والحقيقة أنني لا أستطيع أن أخفي شعورنا العام بأن الانضمام إلى الانتربول سيكون منبراً لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين للقيادة المتنفذة، وسيعفى الاحتلال من الملاحقة، بل وسيستثمره الأخير للمطالبة باعتقال مناضلين ومقاومين عضوة في هذه المنظمة الدولية.