في الساعة الواحدة صباحاً

"كانت الكلمة" بقلم الأسير كميل أبو حنيش

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وفي مثل هذه الساعة يكاد الهدوء يكون تاماً، وهو يغري للكتابة، الخيال هو زادي وعتادي ومطلب حريتي، في حالة الكتابة أسافر على جناحي إلى أمكنة وأزمنة أخرى أخلط عوالمي وأسعى لإيقاظ لحظات نائمة في مراقد الذاكرة، أو كل لحظات ميتة لا يبدو منها سوى هياكلها العظمية وفي خيالي أكسو هذه اللحظات لحماً وأعيد  تشكيلها من جديد كما لو كنت أغير قدرها وقدري معها، يا للخيال الجامح عبره نعود بالزمان للوراء أما الزمن الحقيقي فلا يعود ولكن ما هو هذا الزمان الوهمي الذي بوسعنا أن نعيده إلى الوراء؟! وكيف نفسر تلك المقدرة على استعادة لحظة زمنية غاربة ونصبو عليها عواطفنا  وأحاسيسنا كما لو كانت لحظة حية، نعيشها كما هي في الخيال، نحاول تلوين لوحة ذاكرتنا الباهتة وحينما نستعيد اللحظة الغاربة فإننا نمنحها حياة جديدة لكن هيهات أن تدور عجلة الزمن إلا بلغة الشعراء والحالمين حيث يكتسي الماضي رداء القداسة، من منا لا يعود إلى عزلة الذات الشاعرية والحالمية والمغتربة الموجعة، في تلك العزلة تعيش لحظات النشوة الفريدة تتدارى خيباتك وتوقظ أحلامك ما فتئت تطرق بابك، ولهذا أن تكتب يعني أن تعوض فشلاً وأن ترعى حلماً، وأن تحيي أملاً لأن الكتابة إعداد إنتاج الحياة بحروف ما يجب أن يكون،  الحياة قصيدة نُظمت على بحر الهواجس ودائماً لا يكتمل الحلم ومأساتنا فإنا نشبه الفقاعات ولكل فقاعة زمن انطفاء،  وفي زمن حياتنا نحاول إطفاء المعنى على وجودها لهذا لا يكتمل الحلم وسيجد طريقه هو الآخر للإنطفاء لهذا نتسلح بالأبجدية ذلك سلاحنا الفتاك لكل الأزمنة، نعيش فقط بين حروف الأبجدية التي تبدي لنا ضريحاً بين سطورها، في الكلمة نصنع الحياة ونبتكر كل شيء لهذا كانت الكلمة أرقى وأجمل ما في الوجود، وما الفلسفة إلا عبقرية لغوية أحسن الفيلسوف اصطياد مفرداتها من بحر الأبجدية، أما الشاعر فلقد راقص الكلمات على أنغام الكون، فلو تأملنا الحياة... لو تأملناها جيداً بحضاراتها بحروبها... سلامها علوها... أديانها... أحلامها... آلامها... أوهامها ...ثرواتها... ثقافاتها، سنجد أنها كلها كلمات منذ أن امتلك الكائن البشري القدرة على الكلمات صار بمقدوره أن يغير قدر العالم، في البدء كانت الكلمة، وحياتنا نحن البشر كلها كلمات.