بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "شخصّنة الحرب والاغتيالات"

منذر خلف.jpg

خاص_مركز حنظلة

تذهب دولة الكيان، هذه المستعمرة المُدججّة بالسلاح والتي تمتلك مخزوناً نووياً هائلاً، وجيشاً من أعتى الجيوش، وسلاح طيران الأكثر تفوقًا في المنطقة لانتهاج أسلوب جديد في الحرب، هو أسلوب "شخّصنة الحرب"، في إطار ما تُطلق عليه "أسلوب الاغتيالات الممنهجة"، وهذا الأسلوب يعني اعتبار الحرب تجاه أفراد بعينهم، وتركيز الجهد الحربي، وتحشيده تجاه أفراد بعينهم باستهدافهم بالمدفعية والقذائف الصاروخية المتطورة وسلاح الطيران، فما حدثً في غزة والضفة الغربية من عدوانٍ هو حرب ضد أفراد بعينهم بهدف اغتيالهم، والتأثير على تطور المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

وهذا الأسلوب يؤكد: إفلاس دولة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا، فعلى المستوى السياسي تؤكد كل النظريات السياسية والعلوم العسكرية أن الحرب استمرار للسياسة أو تكثيف للجهد السياسي من أجل تحقيق هدف سياسي. فما هو الهدف السياسي لحرب الاحتلال ضد شعبنا؟ لا يمتلك العدو الصهيوني أيةِ اتجاهات سياسية يفرضها، ولم ولن يمتلك القوة لفرض شروطه السياسية، أو فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، بدليل أن الحروب لا تزال تُخاض كل لحظة ضد شعبنا، ولم تستطع فرض أيةِ شروط للاستسلام، ولم تجد من يستسلم بعد مرور 75 عامًا على النكبة.

يحاول عسكر دولة الاحتلال نحت مفهوم جديد للنصر يساوي القتل من أجل الانتقام فقط.

فماذا تعني الحرب سوى القتل ومزيدًا من القتل في الكيان، والذي يستخدم نقاط قوته الأمن والاستخبارات والمدفعية والطيران والصواريخ والتقنية الجديدة ضد أفراد بهدف اغتيالهم، دون أي أفق للانتصار الحقيقي، إلا إذا اعتبرنا أن مزيدًا من الاغتيالات والقتل تعني الانتصار.

الهدف من شخصّنة الحرب هو عدم قدرة الكيان على تثبيت أركانه والشعور بالأمن، وعدم قدرته على حسم أية مواجهة مع شعبنا أو أية دولة أخرى.. عدم قدرته على اثبات شرعيته. وعلى ذلك فإنه يُحوّل المفاهيم السياسية والعسكرية والأهداف من الحروب أو طرق إدارتها لأدوات قتل مباشر دون أهداف سياسية أو أفق عسكري يمكن فيه لطرفٍ أن يحسم المعركة تجاه الآخر.

هل هذه محاربة "ارهاب"؟

يذهب الساسة والإعلاميون والعسكريون في دولة الكيان لاعتبار أنهم يحاربون "الإرهاب"  و"منظمات إرهابية"، ولعلها نجحت في بعض الأجزاء من تثبيت هذه الرواية لدى الكثير من الرأي العام، ولكن في المقابل هل يمكن لطائرة F35 أو الصواريخ المتطورة حسم المعركة؟

إن الذي يدور الحديث عنه هنا "ارهاب منظم" تُمارسه دولة بهدف الاستمرار بنفي وجود شعب فلسطيني يمتلك هوية فلسطينية ولديه حركة تحرر، ترفع شعارًا سياسيًا هو تحرير أرضه من المحتل، وإقامة الدولة الفلسطينية وتقرير المصير.، بمعنى أن من يُطلق عليه "إرهابًا" يُمارس بقوة منظمة بكافة أشكالها من أجل تحقيق هدف سياسي معترف ومكفول ومسنود من الشرائح والأنظمة والمؤسسات الدولية، في حين تمارس دولة الكيان الحرب، وتُطوّع المفاهيم لاعتبار نفسها تخوض حربًا عادلة، فيما هي تُمارس القتل والتكتيكات والأسلحة العسكرية المتطورة لأجل القتل فقط تحت مُسمى "الاغتيالات المركزة"، واستخدام كل الأشكال العسكرية لأجل القتل فقط، باعتبار أنها تحارب "الإرهاب"، ومن أجل عدم الاعتراف بأي مسار سياسي، وكذلك من أجل بث الفُرقة بين الشعب وقواه السياسية ومناضليه عبر سياستيّ العصا والجزرة المعهودتين، بمعنى الجزرة لمن يتساوق مع الاحتلال والعصا لمن يقاوم.. وأن الإضرار بمصالح الشعب الفلسطيني يأتي من هؤلاء "الإرهابيين"، بمعنى أنها لا زالت تحاول إثبات رؤيتها التي قامت عليها "أرض بلا شعب" من خلال ما أُطلق عليه الرؤية العسكرية (الجدار الحديدي) دون جدوى واتجاهات التاريخ والسياسة، واتجاهات تطور المواجهة يؤكد ذلك.

وعلى ذلك، فإن هذا الكيان يُعاني من العمى السياسي والتاريخي ويُثبت بنفسه أنه كيان ضعيف وجيش ضعيف رغم تسليحه المتطور. فجيش يضع ندًا له شخص واحد هو جيش أضعف مما نتصور، ودولة يُرهبّها فرد هي أكثر هشاشة مما تتصور هي نفسها، وعلى ذلك تستخدم الدم والقتل لإثبات الردع أو ترميم قدراتها، ولإخفاء نقاط الضعف التي تعاني منها، فأي جيش في العالم يمكنه الانتصار على فرد، وأي رئيس كيان في العالم يخرج للتباهي بانتصاره على فردٍ أو شخصٍ بعينه، أو تنظيم؟

منذ العام 2000، ودولة الكيان تفقد قدرتها وتثبت أنها بُنيت على أساس محاربة الكيان العربي، وحين انهار الكيان العربي فقدت الدولة مبرر قوتها، لتكتشف أنها عدوة للشعوب والجماهير التي ترفضها وستبقى ترفضها، ولنرى كيف يمكن لهذه الدولة أن تستمر بعدائها للشعوب في المنطقة.

إن الكيان دولة معادية للشعوب والجماهير ولثقافتها وحضارتها، وستنهار حتى لو تَحولّت لحاملة طائرات بكل معنى الكلمة.

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول لجنتها الإعلامية والثقافية في فرع السجون، مدير مكتب حنظلة للأسرى والمحررين