لن نخشى عليك يا بلال فقدر المناضل الحقيقي ان يضل معتركاً في حياته، ونراهن عليك وعلى ذكائك وإرادتك الصلبة

الى بلال وهو يخوض غمار المعركة | بقلم الأسير كميل ابو حنيش

الأسير القائد كميل ابو حنيش
المصدر / بقلم الأسير القائد كميل ابو حنيش - سجن رامون

تستوقفني الذاكرة وانا استحضر لقائي الأول ببلال اثناء الانتفاضة حين كان شاباً يافعاً في العشرين من عمره، وكان احد افراد مجموعتنا الفاعلة في مقاومة الاحتلال، كان شاباً هادئاً لا يكاد يُسمع صوته، التقينا بعدها مرة او مرتين، وكان الصمت والهدوء من مزاياه، وقد تعمدت مراراً ان أداعبه لأحثه على الحديث واقول له "اين لسانك؟ لماذا لا تتحدث؟" وكان يبتسم ويخجل.

ليأتي بعدها اعتقاله، ولم ألتقيه إلا بعد 4 سنوات في الأسر، لأتفاجأ بشخصيته المختلفة تماماً عن الشخصية  الأولى، لبقاً في الحديث، ودمثاً وصاحب دعابة، مؤثراً في رفاقه، ومن هم حوله، مثقفاً وحين يكتب يخط بقلمه اجمل ما سمعت، عملنا سوياً لسنوات وفوجئت بذكائه وحنكته، ومنذ الأيام الأولى عرفنا عنه قدرته العالية على الإقناع وحل أي اشكالية.

وفيما جمعتني ببلال أكثر من حادثة وموقف وعملنا معاً في مختلف السجون وكنا نسميه "رجل المهمات الصعبة" وكلما حدثت ازمة في هيئة او منظمة كنا نجد بلال لهذه المهمة، فلا يتردد وسرعان ما يبدأ بالحراك ويقود بكل حنكة وكفاءة وصبر، يعمل بكل طاقاته ولا تفوته أي فائتة، يسد الثغرات التي يقع بها، ويستمع للنقد، وبوسعه التعايش مع كافة الظروف المستجدة والتغيرات، مرناً في تفكيره، ومتعنت في المواقف المبدئية، كان من قلائل الرجال الذين يعرفون انه عندما يناديه الواجب، ينبغي عليه الاستجابة وان المناضل يتعين عليه ان يضل مناضلاً سواء في الميادين او في الأسر او اثناء الإضرابات، وفي سنتيه الأخيرتين بذل جهوداً يشهد لها الجميع في تربية وتثقيف الرفاق الجدد في سجن مجدو وحينما كان قسماً من هؤلائك الشباب يتنقلون بين السجون ونلتقي بهم يمتدحون بلال وعطائه ويتمنون العودة إلى سجن مجدو.

وعلى الصعيد الشخصي لما افاجأ بقرار عزل بلال ولا بإعادة تجديد اعتقاله فهذه عقلية الاحتلال المتوحشة التي تسعى لاحتجاز بلال وقهره والانتقام منه، فالاحتلال يسعى لهزيمة أي نموذج وطمس شخصيته لانه يشكل رمزاً للآخرين.

اما عن التهم الجديدة الموجهة لبلال كمبرر لتجديد اعتقاله، فهذا كلام فارغ وادعاءات كاذبة ولو كان لديهم أي دليل لإدانة بلال لنشروها على الملأ متبجحين بقدرات مخابراتهم كما اعتادوا دوماً، لكن احقادهم وكراهيتهم لهذا الطراز من المناضلين هو ما يدفعهم لابتكار التهم والتذرع بملفات "سرية"، انهم يخشون أي فلسطيني شريف وغير ملوث ومنتمي لقضية وهويته الفكرية .

بالنسبة لهم فالسجون مصممة لقتل ارادة المناضل الفلسطيني واحتجاز طاقاته: وتحطيمه وإيصاله إلى حافة الانهيار واليأس والندم ليتحول إلى إنساناً يائساً محبطاً وعبئاً عن اهله وشعبه فهذا هو الوضع المثالي بالنسبة لدولة فاشية مثل اسرائيل.

اما ان يخرج المناضل من الأسر بعد سنوات طويلة، دون ان ينال الأسر من ارادته وعزيمته محافظاً على ذاته من الانزلاق في وحل الهزيمة والانكسار، فهذا يعني فشل سياساتهم وإجراءاتهم التي تتحطم على صخرة صمود الأسير الفلسطيني، وبهذا يُصبح هذا الأسير نموذجاً لشعبه، انهم يقاتلون النموذج وهذا كل ما في الأمر.

اما عن التهم الخاصة بنا كمناضلين، فنحن ونقولها علانية "أجل نحن مناضلون" وعشاق حرية ونفتخر بأن السكون لم ولن تكسرنا ولن تنال من عزائمنا ولن تحطم ارواحنا الثائرة والمتمردة، ونفخر بأن هذه التهمة يوجهها لنا هذا الاحتلال الفاشي، واذا كانوا يخشون المناضل وهو حراً، فعليهم ان يخشوه أيضاً وهو بأغلاله وقيوده.

وها هو بلال يخوض معركته مجرداً من كل سلاح سوى سلاح الإرادة، ذلك السلاح الذي اعجز أعتى الإمبراطوريات، ليقف بلال بكل شموخ يواجه دولة المحتل بكل جبروتها وأجهزتها مثلما كان بطلاً في الميادين وكما كان يعرف كيف يلقن العدو درساً، فهو يعرف كيف يثبت ويواجه وينتصر على الجلاد في هذه المعركة.

لن نخشى عليك يا بلال فقدر المناضل الحقيقي ان يضل معتركاً في حياته، ونراهن عليك وعلى ذكائك وإرادتك الصلبة، ونحن معك ورفاقك وشعبك يقفون معك في هذه المعركة، وستعود يا رفيقنا إلى حارات وكروم عصيرة  الشمالية، وإلى احضان أهلك وشعبك مهما تكالبت الظروف، وليدعوا ما يشاؤون وليحرموك إلى حين معانقة نسائم الحرية، دعهم يمارسون ساديتهم وليبتسموا ابتسامات الكراهية والذلية، لكنك ستبتسم اخيراً ابتسامة المنتصر وستكتسي وجوههم بالخزي والعار والهزيمة ويضل شعارهم الإحتلال إلى زوال.