بقلم الأسير المناضل محمود ابو وهدان

ان تكون لاجئ

ان تكون لاجئ
المصدر / بقلم الأسير المناضل محمود ابو وهدان

ان ترحل وتحمل حزنك وخوفك ومستقبلك المجهول بين ضلوعك وفي يدك اليسرى تمسك طفلك الذي لا يكاد يقوى على المسير ويبتلع آهاته بينما الدموع تحجرت في عيونه، وفي يدك اليمنى تحمل وسادة ملفلفة بشرشف صغير ظناً منك انك تحمل طفلك الآخر الصغير، وتركض حافي القدمين على الأشواك والحصى، وبين الجثث المنشورة في كل مكان، دون ان تشعر بقدميك وكأنك جزء من إنسان آخر.

أن تُطرد من أي بقعة تصل إليها بالتهمة التي أصبحت مرادفة لإسمك، فلم يعد أسمك محمد او محمود او عيسى، فإنت لاجئ فلسطيني، لا بطاقة لك تدل عليك رغم ان ملامحك عربية وتقاسيم وجهك المُغبر الشاحب تتحدث بأنك فلسطيني وجبهتك بطاقتك المكتوب بالنكبات والنكسات ومختومة بالدماء، فأنت متهم إلى ان يثبت موتك، وانت ملاحق ودمك مهدور اينما حللت، بين اشقائك او بين اعدائك.

ان تُسلب وتُغتصب انسانيتك، كما صلب واُغتصب وطنك، ان تحاول سرقة لحظة من الفرح، فتجد نفسك صامتاً في وسط ضحكاتك، وقد مر امامك طيف ابنك المشرد، او موقف آخر للحزن، ان تصرخ في سكون وانت صمت الكلمات، وقد داهمتك شعورك بالحنين الذي لا يفارقك بالعودة إلى بيتك الصغير، في وطنك المُغتصب، ان تصرخ مرة تلو المرة وشعورك يطاردك بأنك أصبحت لاجئ بلا وطن، فوطنك يعيش فيك ولا تعيش فيه، ان تداهمك نوبة الحزن وان ترى حفيدك يولد على حاجز الموت، امام أنظار مغتصبيك وجلاديك، ولكن حفيدك يُصر على الحياة ومقارعة الموت، ويكبر في الشوارع والأزقة الضيقة، في مخيمات الموت والبؤس والعذاب، ان يقف في طابور بطول جرحك النازف، ليتسلم كيساً من التموين لا يُسمن ولا يُغني من جوع، او ان يجعل في دفاتره وكتبك اوراقاً ليشعل بها إطاراً من مطاط، ويرمي مبراته وممحاته حتى يقذف بها مغتصبيه، ان تُصبح وجهته في كل صباح مقاومة العدو بدل من مدرسته، فيصبح شاباً في سجن قاتل، بُني أرضه المغتصبة، فيخرج منه حاصلاً على شهادته بدرجة امتياز بتعذيب جلاده، ووقع عليها سجانه بسياطه على كل مسمات جسده، فيصير رجلاً بلا مأوى يحمل مفتاح بيته، ليرتكز عليه كما ترتكز انت عليه من قبل، ذلك المفتاح الذي بقي له من آثار بيته القديم الذي أصبح لغيرك، عندما تُفقد الأخلاق ويتآمر عليك شقيقك قبل عدوك، فلا تظن انه تبقى لك بعد 68 عاماً ليدل عليك، سوا كرت اللجوء الموقع بدموع ودماء اجدادك، فهل ترضى به، ان تقبله بصمت، عار على جبينك.



الاسير محمود ابو وهدان

محمود ابو وهدان
سجن رامون