ذكرى عملية "نفق الحرية".. كيف واجه الأسرى إجراءات إدارة السّجن؟

أسرى نفق الحرية.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

يُصادف اليوم ذكرى تمكّن الأسرى الستة "محمود العارضة، ومحمد العارضة، وأيهم كممجي، ويعقوب قادري، وزكريا الزبيدي، ومناضل انفيعات"، من تحرير أنفسهم من سجن "جلبوع" عبر عملية "نفق الحرية".

ويواجه الأسرى الستة منذ ذلك الحين إضافة إلى خمسة من رفاقهم الذين اتهمهم الاحتلال بمساعدتهم وهم: محمود أبو شرين، وقصي مرعي، وعلي أبو بكر، و‏محمد أبو بكر، وإياد جرادات، جملة من الإجراءات التنكيلية الممنهجة وأبرزها سياسة العزل الانفرادي التي تشكّل أبرز وأخطر السياسات التي تفرضها إدارة السّجون على الأسرى، وتستهدف عبرها الأسرى نفسيًا وجسديًا، حيث تحتجزهم في زنازين انفرادية لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة الآدمية.

وإلى جانب سياسة العزل الانفراديّ، تواصل إدارة السّجون نقلهم المتكرر من سجن إلى آخر، وكذلك إهمالهم طبيًا، كما وتعرضوا لعدة اعتداءات من قبل السجانين، وخلال هذه الفترة نفذ بعضهم إضرابات عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازهم القاهرة والصعبة.

ومرَّ الأسرى الستة بجولاتٍ من عمليات التّنكيل، مقابل ذلك تمكّنوا من مواجهة هذه الإجراءات، والإصرار على نقل رسالتهم، وإصرارهم على محاولة تحقيق الحرية.

وخلال هذه الفترة، فقد الأسير أيهم كممجي شقيقه شأس كمججي، الذي ارتقى شهيدًا برصاص الاحتلال، كذلك استشهد داوود الزبيدي وهو أحد شهداء الحركة الأسيرة، وشقيق الأسير زكريا الزبيدي، كما فقد الأسير يعقوب قادري والدته، وحرمهم الاحتلال من وداعهم كما حرم آلاف الأسرى على مدار عقود من وداع أحبة لهم. 

وأوضحت مؤسسات الأسرى، الكيفية التي تمكّن عبرها الأسرى جماعيًا من مواجهة الهجمة الانتقامية الممنهجة التي شنتها إدارة السّجون عليهم، بعد الفشل الأمنيّ الذي لحق بهم بعد عملية "نفق الحرية"، وعبر مسار من المواجهة والخطوات النضالية استطاع الأسرى من تشكيل جبهة داخلية على قاعدة الوحدة، واتخذوا من خطوات "العصيان والتّمرد" على قوانين إدارة السجون مسارًا لهم.

إجراءات إدارة السجون بحقّ الأسرى بعد "نفق الحرية"

وتؤكد مؤسسات الأسرى أنّ الإجراءات الانتقامية التي طالت الأسرى بعد عملية "نفق الحرية" هي إجراءات قائمة بالأصل، وما جرى هو محاولة للانقضاض على ما تبقى من منجزات للحركة الأسيرة، واستهدفت إدارة السّجون في بداية الأمر، وبشكل منظم أسرى حركة الجهاد الإسلامي كتنظيم، والأسرى القابعين في سجن "جلبوع"، عبر تنفيذ عمليات نقل جماعية، وتوزيع أسرى حركة الجهاد على غرف الفصائل الأخرى، وعزل قيادة الحركة، ومحاولة المس بالبنى التنظيمية للفصائل الأخرى داخل السجون، وشرعت بتنفيذ اقتحامات متتالية لأقسام الأسرى، وتنفيذ تفتيشات واسعة داخل غرفهم، عدا عن عمليات التخريب الممنهجة لمقتنياتهم وعمليات التنكيل الجماعية.

وسجلت عمليات قمع شديدة، تعرّض لها الأسرى في كافة السجون، وكان أبرزها في سجن "جلبوع" الذي تم تفريغه من كافة الأسرى، وكانت أبرز عمليات القمع ما تعرض له الأسرى في قسم (3)، من عمليات اعتداء بالضرب، والقمع حيث تم نقلهم بشكل جماعيّ إلى سجن "شطه" في حينه، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات "العقابية الجماعية" التي طالت الأسرى في السّجن، كإغلاق الأقسام، وتقليص مدة "الفورة"، وإغلاق المرافق، وحرمانهم من "الكانتينا"، وفرض عزل جماعيّ بحق أسرى الجهاد الإسلامي، وقد وثقت شهادات في عدة سجون منها شهادات لأسرى في سجن "النقب" استمر احتجازهم، وهم مجردون من مقتنياتهم لنحو شهر في ظروف قاهرة وصعبة للغاية.

وفعليًا إن ما تعرض له الأسرى تحديدًا في الفترة الأولى بعد السادس من أيلول، كان بمثابة عدوان مضاعف عبر إجراءات تنكيلية قمعية، كانت قائمة بالأصل قبل عملية "نفق الحرية"، ولم تكن هذه الإجراءات حديثة، بل هي إجراءات تشكل جزءًا من بنية العنف التي ترتكز عليها أدوات إدارة السجون.

وشكّلت أجهزة الاحتلال عقب العملية لجنة بقرار من حكومة الاحتلال، على غرار لجنة "أردان" عام 2018، وخرجت مجددًا بجملة من إجراءات التضييق، التي فعليًا تصب في مسار الانتقام من الأسرى، ولا علاقة لها بالذرائع الأمنية التي تتحدث عنها إدارة السّجون، واستمرت إدارة السّجون بمحاولة المساس بالبنى التنظيمية للأسرى، التي تشكّل أبرز منجزات الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة تاريخيًا، وفعليًا لم تتوقف إدارة السّجون عن هذه المحاولة، عبر عدة إجراءات تضييقية حاولت فرضها، منها: المساس بنظام الخروج إلى ساحة السّجن "الفورة"، واستهداف الأسرى من ذوي الأحكام العالية عبر عمليات نقلهم المتكرر؛ ومقابل هذا العدوان الذي طال كافة مناحي الحياة الاعتقالية للأسرى، وتفاصيل محاولة "الاستقرار"؛ تمكّن الأسرى من فرض حالة من النضال، والمواجهة على قاعدة الوحدة.

كيف واجه الأسرى هذه الإجراءات؟

اتخذ الأسرى من خطوات "العصيان والتّمرد" على قوانين إدارة السّجون، المسار الأهم في مواجهة العدوان التي شرعت به إدارة السجون عليهم بعد عملية "نفق الحرية"، واحتدمت المواجهة في الفترة الأولى مع تصاعد عمليات الاقتحام حيث سُجلت عشرات الاقتحامات في حينه، وفي كافة السّجون، وواجهها الأسرى بحرق الغرف، والذي يعتبر أبرز أدوات الرفض والتّمرد على الإدارة، واضطرت إدارة السّجون لجلب تعزيزات مضاعفة من قوات القمع المدججة بالأسلحة، ووضع إطفائيات أمام كافة السجون.

وبدأ الأسرى بعملية تنظيم الصفوف عبر اتخاذ مسار من المواجهة المفتوحة، وحماية الجبهة الداخلية لهم، وفعليًا لقد تمكّن الأسرى من تعزيز حالة الوحدة، الأمر الذي أفشل فعليًا مخططات إدارة السجون وساهم في نجاحهم على مدار هذه الفترة، فكانت أولى خطوات الأسرى تشكيل لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة ومن كافة الفصائل، وعبرها تمكّن الأسرى من تنفيذ برنامج نضاليّ تصاعديّ، واستمر لمدة أسبوعين، وتمثلت هذه الخطوات برفض الخروج إلى ما يسمى "بالفحص الأمني"، وارتداء الزي الخاص بإدارة السّجون، كإشارة للاستعداد للمواجهة المباشرة.

كما واعتمد الأسرى على خطة الإرباك الليلي، وخلاله كان يختار الأسرى ساعة محددة ليلًا للطرق على الأبواب في كافة الأقسام والسّجون، وتمكّن الأسرى فعليًا من إحباط مخطط إدارة السّجون التي أعلنت تراجعها عن الإجراءات، كما وتمكّن الأسرى عبر "حوارات" شاقة في حينه في دفع إدارة السجون الاعتراف بتنظيم الجهاد الإسلامي مجددًا، تمكّن الأسرى من إنهاء عزل غالبية قيادات الجهاد الإسلامي، وتخصيص غرفتين لهم كأسرى تنظيم، بعد عملية تشتيتهم، وتوزيعهم على بقية غرف الفصائل.

ونفّذ أسرى الجهاد الإسلامي في حينه إضرابًا مفتوحًا عن الطعام استمر لمدة تسعة أيام، وانتهى في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وذلك بعد أن تمكّنوا من تحقيق جزءًا كبيرًا من مطالبهم في حينه، مع التأكيد على أن الاتفاقات التي تتم مع إدارة السّجون دائمًا تكون مرهونة بمستوى تنفيذها لاحقًا.

ومع ذلك استمرت حالة المواجهة في كافة السّجون، وكانت أخطر هذه المحطات قيام قوات القمع باقتحام قسم الأسيرات، والاعتداء عليهن بالضرب وكان ذلك في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021، وأقدمت على عزل مجموعة منهن، وفرض عقوبات جماعية بحقّهن، حيث حرمتهن من "الكانتينا" والزيارات، وفرضت غرامات مالية، وحاولت إدارة السّجون فرض واقع جديد عليهن، كما حاولت مع الأسرى سابقًا، بهدف تقويض الحالة التنظيمية، وتمكّنت الأسيرات إلى جانب الأسرى، من صد هذه الهجمة، وإنهاء جملة العقوبات التي فرضت عليهن، وإنهاء العزل الذي فرض بحق مجموعة منهن، والتأكيد مجددًا على حالة الوحدة بين صفوف الأسرى.

وفي بداية شهر شباط/ فبراير 2022، عادت إدارة السجون التلويح بفرض إجراءات تضييقية بحقّ الأسرى، وحاولت هذه المرة استهداف نظام خروج الأسرى إلى ساحة السجن "الفورة"، وهذا يعني محاولتها لفرض واقع يمس جوانب متعددة من نظام الحياة اليومي للأسرى، بما في ذلك المساس بالحياة التنظيمية بشكل أساس، كما أعادت التلويح مجددًا بنقل الأسرى المتكرر، واستهداف أي حالة "استقرار" يعيشونها.

وعليه أعلن الأسرى استئناف المواجهة بخطوات "العصيان والتّمرد"، وإعلان الأسرى قراراهم بالإضراب المفتوح عن الطعام، واستمرت هذه الخطوات إلى جانب جولات من "الحوارات"، حتى تاريخ 24 آذار/ مارس 2022، أي قبل موعد تنفيذ الإضراب المفتوح عن الطعام الذي أعلن عن موعده في تاريخ 25 آذار/ مارس 2022، وتمكّن الأسرى في حينه أيضًا من دفع الإدارة إلى التراجع عن إجراءاتها.

وفي شهر آب/ أغسطس 2022، عادت إدارة السجون تلوّح من جديد بفرض إجراءات تضييق على الأسرى المؤبدات والأسرى من ذوي الأحكام العالية، عبر عمليات النقل المتكررة، الأمر الذي فرض على الأسرى استئناف خطواتهم مجددًا والإعلان مجددًا عن قرار الإضراب عن الطعام في تاريخ الأول من أيلول/ سبتمبر 2022، واتخذ الأسرى مجددًا مسار "التّمرد والعصيان" أساسًا لهذه الخطوات، وانتهت بعد أن تراجعت مجددًا إدارة السجون عن إجراءاتها، لتكون هذه الجولة الرابعة للأسرى من المواجهة منذ عملية "نفق الحرية".