الدولة السجن: أسرى وأسرى وإن اختلف السياج

السجون.jpg
المصدر / بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف

بررت الحركة الصهيونية مسعاها لاستعمار فلسطين باعتبار ذلك جزء من حلم ورؤية لصناعة وطن آمن ليهود العالم، خصوصًا بعدما أظهرته النظم الإمبريالية الغربية من عسف تجاه اليهود في أوروبا لم يكن الهولوكست إلا تكثيفًا له، وأي كان مقدار الأكاذيب والمغالطات الصارخة التي حملها هذا التبرير، فقد كان الإدعاء الجوهري له هو نقل اليهود من الأسر والرعب والتهديد إلى الحرية والاطمئنان والأمن.

طردت الحركة الصهيونية وعبر مجموعة هائلة من المجازر التي ارتكبتها عصابتها المسلحة من ذات الغرب الإمبريالي معظم الفلسطينيين من أرضهم، لتقيم الكيان الذي يفترض أن يوفر لليهود أمنهم، ولكن بعد أكثر من 75 سنة على إنشاء هذا الكيان، فإن ما هو قائم فعليًا هو مجموعة هائلة ومتداخلة من السجون وأنظمة العزل والقمع، ومنظومة لنشر الرعب والقتل والتدمير تعيش بالحراب ولا تجد تخيلًا لأمنها إلا بشن المزيد من الحروب، بل إن الحياة والسياسة والاقتصاد واليوميات في هذا الحيز الذي تهيمن عليه العصابات الصهيونية ليست إلا سلسلة لا تنتهي من الحروب الصغرى والكبرى تمتد على طول الخط الزمني منذ نشوء الكيان وعلى كامل مساحته الجغرافية.

وفي الحرب التي يعيشها مجمع الاستيطان العسكري الصهيوني بكافة قطاعاته، أحلت السجون بكافة أشكالها باعتبارها المكان الطبيعي لمن تبقى من الفلسطينيين على أرض فلسطين، معسكرات الاعتقال، السجون المركزية، المعازل المحاطة بالحواجز وجدران الفصل العنصري في الضفة، غزة المحاصرة برًا وجوًا وبحرًا، البقية من الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1948 المحاصرين بالقمع والمصادرة للحقوق والأرض، وفوق كل هذا تخيم أدوات القتل والعقاب كأداة فاعلة ضد كل ما ينتمي لفلسطين ويناقض الاستسلام المطلق للعبودية الكاملة لنموذج القتل والحبس والعقاب الصهيوني.

يقف السجان الصهيوني سواء ذلك العامل في "إدارة مصلحة السجون"، أو العامل ضمن قوات الاحتلال في الضفة، أو على متن الزوارق الحربية في بحر غزة، أو ضمن "الدوريات الخضراء" في النقب المحتل، كتمثيل وتعبير مكثف عن طبيعة النظام الذي أقامته الحركة الصهيونية، مسلح خائف يصوب سلاحه وقراراته نحو ضحاياه المساجين في هذه المعازل والسجون، في المقابل يقف الأسير الفلسطيني أيضًا كصورة صادقة وحية عن مسيرة نضال مرير خطه شعب فلسطين، يرفض الاستسلام والخضوع، يشهر موقفه ونضاله كهوية وتعبير عن الوجود. إن رفض الأسير/ الشعب الاستسلام والخضوع ما زال يثير فزع السجان، ويستفز فيه كل أثر للوعي بهشاشة نظام السجون والعزل الصهيوني، فيبادر هذا النظام الوحشي المرتعد لمزيد من القمع والتمثيل بالشعب الأسير.

نقف حاليًا أمام مرحلة جديدة من القمع الذي تسلطه المنظومة الصهيونية ضد الأسرى الفلسطينيين، وإن كانت قد اختصت أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتركيز ممنهج لهذا التنكيل مؤخرًا، فيما تقف الحركة الوطنية الأسيرة في الموقف النضالي المتكاتف مع نضال أسرى الجبهة وصمودهم في وجه القمع، عبر سلسلة من الإجراءات النضالية التي طورتها الحركة الأسيرة عبر تاريخ نضالها الطويل، هذا في السجن المعلن، وخارجه حيث تقام السجون متعددة الأشكال تستمر ذات المعركة بأوجه أخرى.

هذا التكامل بين نضال الحركة الأسيرة وبقية قطاعات النضال الوطني الفلسطيني، ليس مجرد وحدة شكلية، ولكن تعبير عن تكامل عضوي حقيقي بين البنى النضالية والهيكل الاجتماعي الممتد من الزنازين لساحات المواجهة في جنين ونابلس وغزة، ومخيمات اللاجئين في الطوق والشتات.

يدرك العدو أن لا انفصال بين المقاومة التي يلقاها في محاولته لضم ما تبقى من أرض الضفة المحتلة، ومساعيه لقهر وتحطيم بنى المقاومة في غزة، واستكمال تهجير الفلسطينيين من مخيماتهم في دول الطوق، وأيضًا تلك المقاومة التي يبديها الأسير الفلسطيني ضد محاولات التركيع، فيسلط العذاب والقمع على المقيدين في زنازينه من الأسرى الفلسطينيين ساعيًا لكسر واحدة من حلقات الصمود الفلسطيني المترابطة، تهوي الهراوات والعقوبات على الأسرى في السجون لكسر ظهر الفدائي في جنين وحاضنته الجماهيرية على امتداد الوطن، ويشمخ الأسير برأسه ومواقفه معلنًا إجراءاته النضالية ليشد عضد المقاتل في غزة ويذخر مدفعه بمزيد من إرادة الحياة والانتصار، ليتضاءل جدار السجن ويزداد هشاشة وتقترب ساعة الحرية: حرية فلسطين.