بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "السجون في الحيز الاستعماري الصهيوني.. الذاكرة النازية والأسرى الفلسطينيون"

منذر خلف.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

تحدث علماء الذاكرة، والمفكرون المهتمون، عن الفكرة التي يستوحيها البشر عن حالاتٍ محددة، يعتمدون فيها على الذاكرة من أجل محاكمة أو بناء تصور لواقعٍ محدد.

وقد أشار كلاً من باشلار إلى الترسيمة الذهنية، أو الفانتازيا، وأشباح أفلاطون.. والتي يعني بشكلٍ عام أن الإنسان لا يمكنه محاكاة واقع غير معاش أو ملموس دون وجود احتكاك عملي مباشر سابق، فلا يمكن للذاكرة استحضار صور من العدم، فلابد من نقطة تعيين سابقة، يستند إليها الإنسان.

للأسف فيما يخص السجون في الحيز الاستعماري الصهيوني، وتعريف حقوق الأسرى وحقوق الإنسان، لم يكتشف الصهاينة بعد أنفسهم في هذا المجال. لأن اقتراحاتهم للتعاطي مع الأسرى الفلسطينيين، وشروط حياتهم تعتمد على ترسيمةٍ ذهنية سابقة عانوا منها، ورسُخت في أذهانهم كأنها التجربة الأمثل، أو التجربة المُعرّفة لديهم عن السجن وتجارب معسكرات الاعتقال، وهي تجربة السجون، ومعسكرات الاعتقال النازية، التي أثار من خلالها هتلر والنازية أشباحه التي لا زالت تفعل فعلها في أذهان رواد الكيان الصهيوني، في سوابق تؤكد عدم قدرتهم على الانتصار على هتلر، بحسب تعبير "ابراهام بورغ".

إن السجون والأسرى في الحيز الاستعماري الصهيوني، تعانيان فيما يخص الفلسطيني الآخر "حالة من انعدام التوازن الإنساني لدى الصهاينة، تجعلهم يحاكمون ظروف هذه السجون، والأسرى، ضمن المنطق النازي الذي ألفوه في أوروبا قبل قرن"، ذلك أن لا تجربة حديثة عصرية تحافظ على حقوق البشر والإنسان والتي انوجدت بعد الحرب العالمية الثانية أي بعد التجربة النازية التي هُزمت في أوربا، وأقيمت فيما بعدها المؤسسات الدولية ونصّت المعاهدات والمواثيق التي تضم طبيعة المعتقلات، وظروف احتجاز الأسرى.

وفيما يخص هذه النقطة ترفض دولة الكيان التعاطي مع القانون والمواثيق والمعاهدات الدولية لأن الترسيمة الذهنية التي يستند إليها قادة الكيان فيما يخص الأسرى هي السجون النازية، وهم أنفسهم كضحايا! يقارنون المعاناة للأسرى الفلسطينيين، بمعانياتهم هناك فيجدونها لا تعادلها، البتة متناسين القرن المنصرم والتطور البشري خلال هذا القرن، واضعين من أنفسهم شبحًا "لهتلر" مما يجعل الأخير هو المنتصر بزرع ذاته في ذهن الضحية.

وهنا لابد من التساؤل.. ألا زال الصهاينة يعانون من عقدة ستوكهولم! ويحاولون إعادة صياغة هذا الواقع على الأسير الفلسطيني جاعلين منه الضحية في إطار العقدة.

وأنا أكتب هذه السطور، أجد أنها قاسية، لناحية مساواة الضحية بالمجرم.. ولكن هنا ما تأسس على إصرار الصهاينة أنفسهم.. على السير على الخطى النازية في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين، لندعوهم من جديد مطلقين صرخة ابراهام بورغ رئيس "الكنيست" والسياسي الصهيوني "لننتصر على هتلر".

ولأن لا تهمة تطلق جُزافًا دون دلائل، حتى لا نكون نحن أيضًا ضحايا... نضع هذه الدلائل أمام أنفسنا وأمامكم، لمحاكمة هذا الواقع المرير.

لا تقارن دولة الكيان ذاتها فيما يخص السجون، والأسرى مع دول الاتحاد الأوروبي، ولا تخضع الأسرى والسجون للقيم الليبرالية الغربية، وقيم العدالة، وحقوق الإنسان والمساواة التي تُعتبر أساسًا قيمًا غربية ليبرالية.

 لم تنفك دولة الكيان من الادعاء بأنها جزء من هذا العالم في مواجهة الشرق المتوحش، وأنها دولة ديمقراطية ومساواة في مواجهة الظلم والاضطهاد والعنصرية، بل تقارن ذاتها، ضمن الترسيمة الذهنية مع ممارسات النازية، وفي أحسن الأحوال مع ممارسات بعض الدول الدكتاتورية والأنظمة القمعية.

إن دولة الكيان لا تساوي لا في القانون ولا القضاء ولا الحقوق بين أسير وأسير في إطار مؤسساتها ومعتقداتها داخل حدود الدولة، تلك المؤسسات الخاضعة لوزارة الشرطة وتتبع لوزير في الحكومة، وتخضع للقانون الصهيوني ومراقبة "الكنيست"! هنالك في الأرشيف آلاف من ممارسات التعذيب والقمع والقتل، والإهمال الطبي المتعمد، وحالات تجاوز حقوق الإنسان الأساسية، والقانون الدولي، وإخضاع الأسرى للتجارب الطبية المحرمة دوليًا، وهذا الأرشيف قابل للإطلاع لدى المؤسسات الحقوقية لدى الطرفين.

وعدم وجود قانون اعتقال ثابت ومنهجي فيما يخص الأسرى الفلسطينيين، وتعريضهم للمحاكمة العسكرية خارج إطار القانون الدولي وفوق ذلك كله.. استهجان الدولة ممثلة بما يسمى "وزير الأمن الداخلي لحكومة الكيان" لظروف حياة خلقها الأسرى بالتضحيات والتظلمات والإضرابات، متناسياً أن دولة الكيان تعتبر ذاتها دولة عصرية وديميقراطية وليبرالية وغربية، ويتبع "وزير الأمن" في ذلك عدد كبير من الساسة والأمنيين والإعلاميين في دولة أو "واحة الديمقراطية والحريات" الوحيدة في الشرق الأوسط.

يستهجنون في دولة الكيان وجود الأسرى الفلسطينيين على قيد الحياة! وهذا ورُد على لسان وزير حالي في دولة الكيان يستهجنون وجود تلفاز ووسائل إعلام، أو وجود "خبز بظروف إنسانية" مما استدعى وزير الأمن الحالي المجرم بن جفير على إغلاق الأفران رغم أنها خطوة لتقليص الميزانة، ولتخفيف احتكاك عالم السجون مع عالم الخارج، بتقليص ضرورة نقل الخبز من الخارج! يستهجنون حصولهم على كميات طعام وخضرة وفواكه ويستهجنون حصولهم على حق وجود مقصف "كنتينا" داخل السجون، أو تواجدهم داخل غرف، هذا ما يصدر بشكل شبه يومي عبر وسائل الإعلام، والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأخيراً تلجأ قوات القمع للضرب العنيف غير المبرر، والاقتحام القاسي، وتعرية المعتقلين، والقائهم في الزنازين دون طعام أو ملابس لمدة تزيد عن 48 ساعة كما حصل في سجن مجدو مؤخرًا، وغيرها الكثير من الشواهد التي تدل على أن القيم الصهيونية تجد ذاتها استمراراً للقيم النازية أو القمعية فيما يخص السجون والأسرى الفلسطينيين، وهي أي الدولة الصهيونية "التي تقارن ذاتها في كل المعايير بدول الاتحاد الأوروبي، عن السجون وحقوق الإنسان، لا يمكننا معرفة ماهية المقارنة لديهم فهل هي القيم النازية؟

إننا مدعوون كضحايا فلسطينيين للقمع في السجون الصهيونية إلى جانب قوى الحرية والعدالة الإنسانية كي نعلي من شأن معركة الوعي. "أننا نحن الفلسطينيون والأسرى في السجون الصهيونية ندعو كل الأحرار حول العالم ليساعدوا سجاننا وعدونا على الانتصار على هتلر وعلى القيم النازية".

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين